قيس سعيّد يستقبل سفير لبنان ويؤكد على عمق العلاقات التونسية اللبنانية    قيس سعيّد: دُور الشباب تحوّلت إلى أوكار... والرياضة تحتاج تطهيرًا عاجلًا    سعيّد يتسلّم دعوة من نظيره الجزائري ويؤكد: إفريقيا للأفارقة    الإدارة الجهوية للصحة بالكاف: قريبا يتحول قسم الاشعة إلى قسم جامعي    فرنسا.. مدينة نيم تفرض حظر تجوال على القاصرين    مع النفاذ العاجل .. 12 سنة سجنا ل«ر.م.ع» سابق بشركة الحلفاء    اتصالات تونس تجدّد شراكتها مع النادي الرياضي الصفاقسي... التزام متجدد لخدمة الجماهير ودعم الرياضة التونسية    الجمهور يطالب بفرض الانضباط: هل يُعاقب الترجي نجومه «المُتمرّدة »؟    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    استراحة صيفية    مهرجان الفسقية الدولي في دورته الرابعة... من اجل بعث الحياة في المدينة    عاجل: للقادمين من تونس نحو المروج: تغييرات في المسالك المرورية نهاية الأسبوع    اتفاق تونسي - عراقي لتصدير الأدوية ونقل تكنولوجيا التصنيع    وزير الشؤون الاجتماعية يوضّح موقف الوزارة من منظومة أمان وملف المناولة وصندوق البطالة والسكن الاجتماعي    مباراة ودية: فوز الترجي الرياضي على مستقبل المرسى    بطولة افريقيا لالعاب القوى (الناشئين و الناشئات): غفران لحمادي تتحصل على الميدالية الفضية في رمي القرص    عاجل/ بشرى سارّة لخرّيجي التعليم العالي ممّن طالت بطالتهم    الدورة الأولى للبرنامج الجهوي للرفاه الاجتماعي وأنماط العيش السليم بمشاركة أكثر من ألف شاب وشابة    وزارة التجارة: خبر الألياف يتطلّب خطّة.. #خبر_عاجل    الستاغ تضع حزمة اجراءات جديدة لتسريع دراسة وربط محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    قابس: السيطرة مستودع العجلات المطاطية المستعملة ببوشمة    عاجل/ بعد غياب طويل: كلمة مصورة لأبو عبيدة.. وهذا ما جاء يها    التنس: البيلاروسية سابالينكا تنسحب من بطولة مونتريال بسبب الارهاق    بعد حملة تلقيح واسعة: خطر الجلد العقدي يتراجع في الكاف    وزارة الفلاحة تعلن عن فتح موسم جني الحلفاء في هذا الموعد    لطيفة العرفاوي حول حفلها في عيد الجمهورية: "هذا شرف لي"..    10 روائح...التونسي يعرفها من بعيد    عاجل/ الكشف عن موقع عسكري اسرائيلي سرّي في غزّة    حفلة تتحوّل لكابوس بسبب سقف: رزان مغربي تصاب إصابة خطيرة    رقدت لباس؟ يمكن السر في صوت المروحة    6 أعشاب يمكنك زراعتها بسهولة في الصيف...حتى في الشباك!    بورصة: رسملة السوق تزيد بنسبة 12،8 بالمائة منذ بداية 2025    عاجل/ موجة حرّ متوقعة آخر هذا الأسبوع و الأسبوع القادم.. أهم مميزاتها والتفاصيل..    زغوان: تقدم موسم حصاد الحبوب بحوالي 98 بالمائة    كرة اليد: منتخب الكبريات يشرع في التحضير لبطولة العالم بتربص في الحمامات من 21 الى 25 جويلية    مهرجان قرطاج 2025: انتقادات قبل الانطلاق وسجالات حول البرمجة وسط تطلع لتدارك العثرات    الموسيقار محمد القرفي يفتتح الدورة 59 من مهرجان قرطاج بعرض "من قاع الخابية": تحية للأصالة برؤية سمفونية معاصرة    باريس ....تحتفي بالشاعر الجليدي العويني    القرآن والتنمية الذاتية: 10 آيات تغيّر الحياة    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على استثمارات ومشاريع لفائدة ولايتي نابل وقابس بقيمة 19،1 مليون دينار    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من يوم غد السبت    30٪ من الناجحين يرسبون في أوّل عام جامعي... علاش؟    في سهرة مشتركة على ركح الحمامات: "سوداني" و"جذب" يحلّقان بالجمهور بجناحي البوب والإنشاد الصوفي    حفل كولدبلاي في بوسطن يفضح علاقة سرية للملياردير آندي بايرون    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    محكوم بالسجن : ليلة القبض على بارون ترويج المخدرات في خزندار    عاجل/ البيت الأبيض يكشف الوضع الصحي لترامب..    باريس سان جيرمان يتعاقد مع حارس المرمى الإيطالي ريناتو مارين ل 5 مواسم    معهد الرصد الجوي يؤكد أن شهر جوان 2025 كان أشد حرّا من المعتاد    إجراءات صحية يجب على ترامب اتباعها بعد تشخيصه ب"القصور الوريدي المزمن"    اليوم درجات حرارة عالية والشهيلي داخل على الخط    وزيرا الفلاحة والتجارة يشرفان على اجتماع لمتابعة وضعية تزويد السوق بالمنتجات الفلاحية ومواجهة الاحتكار    غزة.. عشرات الشهداء والجرحى وقصف يستهدف النازحين والمنازل والبنى التحتية    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي يوسف الوسلاتي: وداعًا لأحد أعمدة الكلمة الحرة    فانس: ترامب لم يرسل هكذا رسالة .. أين الدليل؟    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتربعون على عرش الاستطلاعات ترامبات تونس.. يراهنون على حصان الشعبوية
نشر في الصباح يوم 17 - 06 - 2019

بعض أسابيع تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية، في حين بدأ المشهد السياسي-ومنذ أشهر-بالتشكل تدريجيا.. أحزاب تظهر وتنصهر وأخرى تتحالف وأخرى تبحث لها عن المرشح الأمثل للرئاسيات. ولكن بالتوازي مع التحركات الحزبية التقليدية، برزت مشاريع وتجارب أخرى أعلن بعضها صراحة مشاركته في الاستحقاقات الانتخابية وينتظر البعض الآخر أن يتحصل على الثقة من الشعب -كما يقول- حتى يُقدم على هذه الخطوة.
ولكن بالرغم من التحركات المكثفة هنا وهناك، تأتي استطلاعات الرأي وآخرها تلك التي أعدتها سيغما كونساي (من غرة جوان إلى الثامن من الشهر الجاري ونشرته جريدة المغرب) لتعطي المراتب الأولى لهذه الشخصيات والمشاريع الجديدة (والقديمة مثل حزب عبير موسي) التي توصف في مجمل الأحيان ب"الشعبوية". والملفت للانتباه أن المراتب الثلاثة الأولى في الرئاسيات تحتلها شخصيات ثلاث-عادة ما يُطلق عليها هذا التوصيف- وهي على التوالي نبيل القروي (المرتبة الأولى) قيس سعيد وعبير موسي الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر. أما في التشريعيات فيظهر ما يسمى حزب نبيل القروي في المرتبة الأولى بنسبة 29.8 بالمائة والحزب الدستوري الحر ثالثا بنسبة 11.3 بالمائة ويحتل "عيش تونسي" لألفة تراس المرتبة السادسة في نوايا التصويت ب5.4 بالمائة.
ولكن صعود شخصيات ومشاريع انتخابية توصف ب"الشعبوية"في استطلاعات الرأي لا يعد تجربة منفصلة أو خاصة بتونس. فالملاحظ أن الأحزاب التي توصف بذلك أو الشخصيات السياسية التي تنتهج هذا الخط، أثرت في الساحة السياسية الدولية بشكل واضح في السنوات الأخيرة. انتخاب الرئيس دونالد ترامب في 2016 ومن ثمة صعود أحزاب وشخصيات توصف ب"الشعبوية" في أوروبا مثل الحزب الديمقراطي السويدي اليميني، أو حزب البديل من أجل ألمانيا، أو فوز الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية بشكل ساحق هذه السنة، قد يجعل البعض يرى أن "الشعبوية" هي الموضة الرائجة هذه الأيام.
ولكنها ليست بالأمر الجديد. فمثل موضة الملابس وتسريحات الشعر، تعود "الشعبوية" من بعيد. فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في القرن التاسع عشر عندما برز تيار أطلق على نفسه هذه التسمية في الولايات المتحدة وتيار آخر في روسيا. ومن ثمة بدأ استخدام عبارة "الشعبوية" في سياقات مختلفة منذ ذلك الحين، وقد كانت هنالك اختلافات في تعريفها. وبالنسبة إلى من يعتبر أن "الشعبوية" هي إيديولوجية فإنها تقوم على أن "الشعب" كقوة "خير" يقف ضد "النخبة" التي يتم تصويرها على أن فاسدة ولا تهتم إلا بخدمة نفسها وهي بذلك قوة "شر".
وأكاديميا نشر عالم الاجتماع الأمريكي إدوارد شيلز سنة 1954 مقالة عن الشعوبية كمصطلح لوصف الاتجاهات المعادية للنخب في المجتمع الأمريكي على نطاق أوسع. وعادة ما يعتبر المنظرون أن "الشعبوية" تقوم على جملة من العناصر مثل ادعاء التمثيل الحقيقي للشعب ووجود عدو واضح داخلي أو خارجي بصدد التآمر على هذا الشعب وتقديم وعود غير واقعية ولكن من شأنها أن تؤثر في المشاعر وعادة ما يتجه "الشعبوي" إلى نقد كل ما هو قائم وشيطنة المنظومة السياسية التقليدية والنخب وإلقاء اللوم عليهم في كل ما حدث ويحدث.
وعندما برزت هذه التيارات "الشعبوية"مؤخرا في الولايات المتحدة وأوروبا، رأى فيها بعض المحللين أعراضا جانبية طبيعية لممارسة الديمقراطية لعقود عندما يمل الناخب المنظومة التقليدية ووعودها ويبحث عن بديل لها وعن خطاب جديد غير مألوف. ولكننا في تونس نشهد ظهور هذه النوعية من الشخصيات وتقدمها في استطلاعات الرأي حتى بعد بضع سنوات من بداية الانتقال الديمقراطي.
"الصباح الأسبوعي" فتحت هذا الملف وطرحت هذه الأسئلة المرتبطة ب"الشعبوية" وصعودها في تونس على عدد من الباحثين والمختصين في مجالات يمكن لها أن تساعدنا على تفسير أسباب هذا الصعود دفعة واحدة من جهة وعلى تحليل أداء هذه الشخصيات وخطابها وأدواتها التسويقية ومدى قدرتها على تحقيق نتائج فعلية كما تتنبأ استطلاعات الرأي.
كريم بوزويتة ل"الصباح الأسبوعي": "الشعبوية" .. استثمار لغضب الناخب إزاء "التوافق"
●الأحزاب التونسية تستخدم "الشعبوية" بأشكال متفاوتة
●"عيش تونس" الأكثر "شعبوية".. والقروي استغل التلفزيون كما فعل ترامب
يرى دكتور الانثروبولوجيا والمختص في الخطاب السياسي كريم بوزويتة في تصريحه ل"الصباح الأسبوعي" أن من فتح الباب على مصراعيه أمام ظاهرة الشعبوية في تونس هو التوافق الذي تم بعد انتخابات 2014. فقد سوّق الحزبان الكبيران وقتها لنفسيهما على أنهما يقفان على طرفي النقيض وظهر ما يسمى بالتصويت المفيد عندما اعتبر نداء تونس أن كل من لا يصوت له هو يصوت بالضرورة لحركة النهضة. ولكن بعد هذا الصراع الواضح والجلي اتجه الحزبان إلى التوافق والحكم معا وانضمت إليهما أحزاب أخرى.
والتوافق كما يوضح محدثنا أمر غير ديمقراطي يأتي عكس إرادة الناخب الذي لن يقف متفرجا بعد أن خانت هذه الأحزاب ثقته. ورد فعل الناخب الأول هو الغضب وتأتي "الشعبوية" كما يفسر محدثنا كاستثمار لهذا الغضب. فإذا حللنا الحصيلة السياسية بشكل منطقي يمكن أن نجد ما هو إيجابي وما هو سلبي- كما يتابع بوزويتة- ولكن لدى الرأي العام هنالك دائما خلط بين الحكومة وكل الأحزاب والدولة، كلها توضع في خانة واحدة. وفي المخيلة الجمعية دائما ما يكون المسؤول عن الوضع هو من يحكم. ومردودية الأحزاب والصورة السلبية للسياسيين ساهمت أيضا في تمهيد الطريق أمام الشعبوية، كما يفسر محدثنا.
الشعبوية الكلاسيكية
يشير دكتور الانثروبولوجيا إلى أن "الشبعوية" تنقسم إلى "شعبوية" كلاسيكية وشعبوية جديدة neo-populisme. ولكنه يضيف أن مختلف الأحزاب في تونس تعتمد "الشعبوية" وأن الشعبوية موجودة لدى الجميع على الساحة السياسية ولكن كل على طريقته وبمستويات وأساليب مختلفة. فمحدثنا يعتبر مثلا أن حزب التيار الديمقراطي يعتمد "الشعبوية" الكلاسيكية ولكنه ليس حزبا "شعبويا" بشكل مطلق، لأنه يعترف بالدولة والمؤسسات وينخرط في المنظومة السياسية والانتخابية، ولكن التيار يعتمد في خطابه إلقاء اللوم على الفساد والفاسدين ويقوم خطابه على ثنائية "أن الآخرين فاسدون ونحن طاهرون" وهو خطاب نجد أيضا صداه بحسب محدثنا لدى أحزاب أخرى مثل المؤتمر من أجل الجمهورية. عبير موسي تصنف كذلك في خانة "الشعبوية" الكلاسيكية لأنها لا تتحرك خارج قواعد اللعبة السياسية، على حد تعبير محدثنا.
"الشعبويون الجدد"
أما من يعتبر المختص في الخطاب السياسي أنهم يصنفون على أنهم شعبيون جدد، فهم نبيل القروي و"عيش تونسي" إذ أنهم يتحركون خارج قوانين اللعبة وخارج المنظومة السياسية.
وهنا يوضح محدثنا أن نبيل القروي عندما يقول إن عدوه هو الفقر هو بذلك يوجه رسالة بأن المسؤولين عن الفقر هو السياسيون والسلطة السياسية والمعارضة. ويشير بوزويتة إلى أن الشعبوي لا يقدم حلولا ولا يطرح برنامجا، ولكن الناس يتابعونه ويكنون ولاء له ويجمعون عليه. ويشير بوزويتة إلى أن نبيل القروي دخل إلى منازل الناس عبر شاشة خطيرة هي شاشة التلفزيون. وهنا يذكر محدثنا بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبل أن يُنتخب رئيسا كان قد قدم برنامجا تلفزيونا لمدة 13 عاما وهكذا ترسخت صورته لدى المواطنون الذين يشعرون أنهم يعرفونه جيدا، بل أنه فرد من العائلة.
"المتحدث باسم الشعب"
وبالرغم من أن نبيل القروي يصنف على أنه من الشعبويين الجدد، إلا أن محدثنا يرى أن التجربة التي يمكن أن تُصنف على أنها شعبوية مائة بالمائة هي " عيش تونس". ف"عيش تونسي" تسوق لنفسها على أنها تستمد شرعتها من الشعب كما أنها تأتي من خارج المنظومة تماما وتعتمد أساليب"شعوبية" متمثلة في أنها تسوق صورة من يبحث على كسب الثقة من الشعب، فالشعب يحدد-وليس غيره- أولويات تونس في المرحلة القادمة والبرنامج الذي يجب تنفيذه ضمن ما يسمى "وثيقة التوانسة" التي تضم 12 نقطة وأن "عيش تونس" اتجهت إلى الشعب وتحدثت معه وأن دورها فقط هو تنفيذ مطالبه. وهم يحاولون إبراز حجم من تم استجوابهم وحجم من وقعوا على الوثيقة حتى يقدموا أنفسهم على أنهم وسيط للشعب وأنهم يعبرون عن الشعب وما يرغب في تحقيقه.
أما بالنسبة إلى قيس سعيد فلا يعتبر محدثنا أنه يمكن أن يُصنف على أنه شعبوي. فهو يعد من داخل المنظومة ولديه مواقف سياسية وفئة من الناخبين الذين هم من ناخبي النهضة والمؤتمر سابقا والناخبين المنضبطين انتخابيا والمحافظين. ويرى أنه يحاول أن يكون "شعبويا" من خلال تقديم خطاب موجه لفئة معينة من الناخبين.
سلوى الشرفي ل"الصباح الأسبوعي": "الشعبويون" يدركون أن وعودهم غير واقعية.. ولن يطبقوها إن انتخبوا
●الخطاب " الشعبوي " يستهدف الفئات غير المسيسة أو الواعية بكيفية تسيير الدولة
●قيس سعيد أخطر المترشحين ولا يمكن إيجاد تصنيف له
تعتبر الأستاذة الدكتورة في معهد الصحافة وعلوم الإخبار سلوى الشرفي في تصريح ل"الصباح الأسبوعي" أن "الشعبوية" يمكن أن تعرّف على أنها أن نقول للناس ما يرغبون في سماعه دون أن تكون هنالك قدرة حقيقية على تحقيق هذا الوعد. فما يقدم لتحصيل تعاطف الناس يكون من المستحيل تطبيقه على أرض الواقع. وتبرز الباحثة المختصة في تحليل الخطاب والاتصال السياسي أن السياسي يخاطب الشعب ليطرح المشاكل والتحديات والحلول المقترحة ولا يتكلم بهدف إرضاء آذان الناس وإسماعهم ما يرغبون في سماعه.
و"الشعبوية" كما تفيد محدثتنا ليست أمرا خاصا في تونس بل تصاعدت في السنوات الأخيرة في بلدان كثيرة من العالم من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فاز المرشح الجمهوري -الذي كان محل سخرية وتندر- دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية سنة 2016 وسط ذهول لدى الأوساط والنخب الإعلامية والسياسية لا في الولايات المتحدة بل في العالم. وتتصاعد "الشعبوية" كما تفسر الأستاذة الشرفي نظرا إلى أن أغلبية الشعوب ليست "متسيسة" وليست على دراية ومعرفة دقيقة بكيفية تسيير دواليب الدولة. ولذلك نجد أن فئات اجتماعية في تونس لا تهتم بالخطاب السياسي التقليدي، لأنها لا تكون قادرة على فك مفرداته ورموزه ولأنه يكون في غالب الأحيان موجها إلى النخبة فلا يستقطب هذه الفئات غير المسيسة وغير المطلعة والمتابعة للشأن العام.
مخاطبة القوم بما يفهمون
ولكن "الشعبويين" كما تبرز محدثتنا في المقابل يعرفون مفاتيح هذه الفئات ويخاطبونها بلغة بسيطة يفهمونها، بالرغم من أن خطابهم يكون قائما على التناقضات والمغالطات ولكن عادة ما تصدق هذه الفئات هذا الخطاب البراق الذي يستهويها ويؤثر فيها.
وهذا ما يفسر نجاح العريضة الشعبية والهاشمي الحامدي في انتخابات 2011 فقد تأثرت عديد الفئات بالخطاب المقدم حينها والوعود غير الواقعية التي وبطبيعة الحال لم يتحقق منها شيء، على حد تعبير محدثتنا.
وهذا ما نراه اليوم وأكثر مع أربعة نماذج تتصدر نوايا التصويت في حين لا يكون لدى من سيصوت إليهم القدرة على تمحيص أقوالهم ومعرفة أن خطابهم غير واقعي.
"الرئيس لا يوزع إعانات"
وتقدم الشرفي ل"الصباح الأسبوعي" قراءة في الإستراتيجية التي يعتمدها كل مرشح يوصف بالشعبوية. إذ تبرز أن نبيل القروي مثلا لن يكون بإمكانه وهو في منصب الرئيس على سبيل المثال أن يجمع إعانات ويوزعها للناس، فليس هكذا تتم الأمور أو تُسيّر الدولة ولكن هذه هي الصورة التي استثمر في تسويقها فهو يقدم نفسه على أنه يجمع إعانات (وهي في الحقيقة ليست ملكه) ويقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين. وكذلك الحال بالنسبة إلى "عيش تونسي" التي تصنفها الشرفي على أنها تجربة تعتمد أساليب مشابهة لنبيل القروي حيث يتم توظيف المال والعمل الجمعياتي الخيري –الشعبوي بطبعه كما تشير محدثتنا- في أغراض وأهداف سياسية و في ذلك غش للمواطن.
"الإيهام بعودة الماضي"
أما عبير موسي فهي تستغل شعور البسطاء ممن يتجهون إلى القيام بمقارنة سطحية وبسيطة بين الوضع اليوم والوضع في ظل النظام السابق. في حين أن هذا الكلام –كما تبرز الشرفي- غير منطقي ولا واقعي ولا يمكن لها، إذا انتخبت أن تعود بنا سنوات إلى الوراء. كما أن خطابها ضد حركة النهضة لا يقوم على المقارعة الفكرية، الحجة بالحجة، بل هي تعد بأنها ستطردهم وتسجنهم، وهذا حقيقة أمر مخيف فكل من يخالفها الرأي ستقوم بزجه في السجن وهذه هي تماما عقلية بن علي، كما ترشح الباحثة والأستاذة الشرفي.
"سعيّد الذي لا يصنف"
أما قيس سعيد فهو بالنسبة إلى الأستاذة الشرفي حالة فريدة لا يمكن وصفها بالشعبوية. فلا تعتبر محدثتنا أنه يمتلك إستراتجية "شعبوية" بل ترى أنه يقول فعلا ما يفكر فيه. فمن يستعمل الخطاب الشعبوي –كما تشرح الأستاذة- هو على دراية ووعي بذلك وعادة ما يقدم هذا الخطاب للوصول إلى أهداف بعينها، ولكنه يدرك في قرارة نفسه أن وعوده "الشعبوية" غير قابلة للتحقيق، وهو سيتخلى عنها ما إن يحقق هدفه. ولكن ما يمثله سعيد لا يدخل ضمن أي تصنيف بحسب محدثتنا إذ يغيب عنه الحد الأدنى من المعقولية والوعي.
والهدف مما يقول قيس سعيد كما توضح الأستاذة في معهد الصحافة هو قول أي شيء جديد يجلب انتباه جمهور المتابعين وفقط. والمفارقة أنه أستاذ قانون دستوري وهو واع بالنصوص القانونية والعمل المؤسساتي، وعندما يتحدث عن إلغاء الانتخابات التشريعية والاتجاه إلى انتخابات قاعدية، فإننا نعود أيضا إلى الأحزاب والحملات الانتخابية فكيف يقول في نفس الوقت أنه سيلغيها ويتخلى عنها. وتعتبر الشرفي أنه بالنسبة إلى قيس سعيد لا بد من إيجاد تصنيف جديد، فيمكن وصف كلامه ب"الشعبوي" ولكن لا يمكن القول إنه يعتمد إستراتيجية "شعبوية" وهنالك من شبهه بمعمر القذافي بخطابه الخارج عن كل ما هو معتاد. وتذهب الشرفي إلى حد القول إن قيس سعيد قد يكون أخطر مرشح على الإطلاق لأن البقية ممن يوصفون ب"الشعبويين" يمارسونها لتحقيق أهداف معينة وهم على دراية بأن الأفكار "الشعبوية" لن تكون قابلة للتحقيق عندما يُنصبون على كرسي الحكم.
محمد الجويلي ل"الصباح الأسبوعي": المنظومة الحالية شبيهة ب"ريال مدريد".. والناخب التونسي يريد تغيير الفريق
●الشخصيات البديلة يمكن أن تحقق نتائج فعلية يوم الاقتراع
●من يؤيدون هذه الشخصيات يرون أن المنظومة الحالية هي "الشعبوية"
قدم الباحث في علم الاجتماع الدكتور محمد الجويلي ل"الصباح الأسبوعي" قراءة في صعود الشخصيات التي توصف ب"الشعبوية" في المشهد السياسي في تونس اليوم واحتلالها مراتب متقدمة في استطلاعات الرأي. نبيل القروي وقيس سعيد وعبير موسي على سبيل المثال هي شخصيات لم تكن بعيدة عن المشهد السياسي طوال السنوات الفارطة ولم تكن شخصيات مغمورة أو غير معروفة ظهرت على الساحة السياسية من فراغ. بل يبرز محدثنا أنها شخصيات تتابع الوضع السياسي وهي فاعلة فيه بشكل أو بآخر.
وهذا ما أتاح لهم فرصة مراقبة العمل السياسي ومتابعة نقاط ضعف المنظومة الحالية، ويحاول كل منهم بذلك أن يراهن على أوراق رابحة كل حسب آرائه وتوجهاته. فنبيل القروي على سبيل المثال يلعب ورقة تعويض الدولة ونصرة الفقراء والمحتاجين. في حين تقدم عبير موسي –كما يتابع محدثنا- ورقة مناهضة وإقصاء حركة النهضة واستعادة مناخ النظام القديم (استعادة مناخ بن علي) وليس بالضرورة النظام في حد ذاته ولكن إعادة تمثيل المناخ بوجوه قديمة أو جديدة. أما قيس سعيد فيقدم صورة الأكاديمي الذي يمكن أن تطمئن إليه فهو يعمل على أن يخلق لدى المتلقي إحساسا بالأمان ويبرز نقاط قوته.
قصور المنظومة الحالية
أما بخصوص الأسباب التي يمكن أن تفسر صعود هذه الشخصيات في المشهد السياسي اليوم فتعود حسب المختص في علم الاجتماع إلى حجم الأخطاء والهنات التي تتسم بها المنظومة الحالية، والساحة السياسية التي يغلب عليها الجدل، هذا إلى جانب الأزمات التي مرت بها الحكومة مثل حوادث العاملات في الفلاحة أو وفاة الرضع وغيرها.. كل ذلك يؤثر سلبا في صورة المنظومة ككل في صورة الحكومة والبرلمان والرئاسة ومختلف مؤسسات الدولة.
ويلاحظ محدثنا أن المشكل لا يتعلق فقط بالوضع الاقتصادي والنتائج التي أفرزتها هذه المنظومة فقط، بل أيضا بالأداء السياسي الذي يغيب عنه الاحترام المتبادل وبذل مجهود حقيقة لتحسين الأوضاع وإنما تسوده المشاحنات والاتهامات المتبادلة والفضائح وزلات اللسان والأخطاء الاتصالية، وحتى مع النتائج الاقتصادية السلبية، كان يمكن أن يقدّر الناخب هذا الأمر ولا يتخلى تماما عن هذه المنظومة مثل تشجيع فريق قدم لا يحقق نتائج ولكنه يقدم أداء جيدا، فتجد أن الجمهور يصفق له حتى بعد النتيجة السلبية. فالمواطن يمكن أن يقدر المجهود المبذول أو المناخ السياسي الجيد حتى مع النتائج الاقتصادية الصعبة ولكن هذا لم يحدث.
الرغبة في التغيير
والمواطن في ظل هذه الظروف يعبر عن رغبته في التغيير، تغيير كل الفريق بأن يأتي بفريق جديد، كما يشر الدكتور المختص في علم الاجتماع لأنه يرى أن الفريق الحالي لم يحقق أي شيء ولم يحاول حتى تحقيق نتيجة ما. وإذا تواصلت الأوضاع على ما هي عليه وبقينا في نفس الأجواء، فإن محدثنا يتوقع أن تنجح هذه الشخصيات البديلة في أن تحقق فعليا النتائج التي تتوقعها عمليات سبر الآراء إلا في حال حدوث معجزة، معتبرا أن النتائج التي أتت بها عمليات سبر الآراء على اختلاف المؤسسات أو الجهات التي تقوم بها تعكس بالفعل توجهات المواطنين.
"المنظومة الحالية شعبوية"
واعتبر محدثنا أن الناس الذين يتابعون هذه الشخصيات لا يرون أنها "شعبوية" بل بالعكس هم يرون أن هذه المنظومة الحالية هي "الشعبوية". كما يشير الدكتور الجويلي إلى أن مختلف الأحزاب تضررت واهترأت بما في ذلك حركة النهضة التي خسرت جزءا من قاعدتها، وهنا يعتبر محدثنا أن المنظومة الحالية شبيهة بفريق ريال مدريد الاسباني فهي وصلت إلى مرحلة ضعف تحتاج فيها إلى هدنة حتى تجدد نفسها وتقدم بديلا حقيقا. (فقد وصل ريال مدريد إلى مرحلة من الضعف جعلته يخرج من منافسات كأس رابطة الأبطال الأوروبية ولا يحقق أي لقب سواء البطولة الاسبانية أو كأس أسبانيا بالرغم من أنه كان فاز بكأس رابطة الأبطال الأوروبية في ثلاث مناسبات متتالية).
اروى الكعلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.