يبدو أن الانتخابات الامريكية التي تجري وقائعها هذه الأيام ستأخذ منحى "تراجيديا" بالنظر الى حجم الاحتقان والتراشق بالاتهامات بين المتنافسين الجمهوري دونالد ترامب والديمقراطي جو بايدن. وفي الوقت الذي تعيش فيه هذه العملية الانتخابية التي تشد أنظار العالم باسره بالنظر الى تأثير نتائجها المباشر على التوازنات الإقليمية والدولية، مراحلها النهائية في ظرف صحي استثنائي، تتعالى أصوات المرشحين الاثنين بالتهديد والوعيد في حال هزيمة أي منهما خصوصا دونالد ترامب المعروف باندفاعه المفرط الى حد التهور. فقد اتهم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته والمترشح للانتخابات الرئاسية دونالد ترامب "كبار المانحين" و"كبريات مؤسسات الإعلام" و"وسائل التواصل الاجتماعي الكبرى" بالتآمر عليه لإلحاق الهزيمة به في الاستحقاق الانتخابي الحالي الذي يخوضه ضد منافسه جو بايدن الديمقراطي المدعوم من الأقليات العرقية التي تشتكي أيضا من "قمع التصويت" بسبب عدم توفير الشروط القانونية لها للإدلاء بأصواته.
ويبدو أن الرئيس المثير للجدل، والذي خلفت مواقفه خصوصا في تعامله مع جائحة كورونا استياء كبيرا من قبل الشعب الأمريكي، بصدد اعداد العدّة للانقلاب على نتائج التصويت التي تصب معظمها الى حدّ الآن في صالح غريمه جو بايدن الذي حقق نتائج مهمة في بعض الولايات المصيرية او الولايات المفاتيح على غرار نيفادا واريزونا فيما ما يزال الجدل محتدما حول مصير النتائج في ولاية جورجيا التي عادة ما يحقق فيها الجمهوريون نتائج مهمة لكن الوضع لا يبدو مشابها مع دونالد ترامب. وفي ولاية بنسلفانيا، فقد دونالد ترامب تقدّمه المريح أمام خصمه بايدن وكذلك الأمر بالنسبة لولاية كارولينا وظل الفارق بينهما ضئيلا نسبيا.
ولم تصب سهام نقد دونالد ترام هذا الثالوث من الكبار فقط بل مسّنت كذلك عددا مهما من حكام الولايات التي يترأسها ديمقراطيون على غرار حاكمة ولاية ميشغن - التي آلت نتائجها الى جو بايدن بعد أن فاز فيها ترامب في الانتخابات السابقة-، متهما إياهم بغلق الولايات ومنع الناخبين من التنقل للإدلاء بأصواتهم بصفة مباشرة والاقتصار على طريقة الانتخاب البريدي. بل وذهب ترامب في توصيفه الى أبعد من ذلك واصفا الانتخابات بأنها «ستكون هذه أكثر انتخابات فسادًا فى التاريخ الأمريكي» متهما مراكز الاقتراع في بعض الولايات باحتساب "الأصوات غير الشرعية".
وقد دعا هذا الأمر "الرئيس المشاكس" في عديد المواقف وخصوصا عبر تغريداته المتواترة على حسابه الرسمي بتويتر، الى التشكيك في نزاهة هذه الطريقة معتبرا أنها ستؤدي الى عمليات "تزوير" وهو ما يتهم به خصومه حاليا مهددا إياهم باللجوء الى القضاء في حال لم تكن النتائج في صالحه وداعيا أنصاره في الآن ذاته الى النزول الى الساحات والدفاع عن مراكز الاقتراع "لمنع سرقة الانتخابات من الجمهوريين " على حد تعبيره.
ويأتي هذا التلويح باللجوء الى القضاء في ظل تخوفات من تكرار سيناريو انتخابات العام 2000 الذي انتهى بفوز الجمهوري جورج بوش الابن على حساب الديمقراطي آل غور حيث ظل الأمريكيون لمدة خمسة أسابيع في انتظار الرئيس القادم للولايات المتحدة الى غاية إقرار المحكمة العليا آنذاك بوقف إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا وإعلان دخول بوش الابن رسميا الى البيت الأبيض.
ولا تبدو الأمور تسير عكس هذا الاتجاه الاتجاه خصوصا أن النتائج الوقتية تشير الى تقدم مريح للديمقراطي جو بايدن في انتخابات وصفت بالاستثنائية من حيث الاقبال الذي فاق كل التوقعات حيث ادلى قرابة 160 مليون ناخب بأصواتهم بنسبة تناهز 67 % . وتشير المعطيات الى أن نسبة كبيرة من هؤلاء الناخبين اختاروا التصويت بشكل غير مباشر بسبب تفشي الأزمة الصحية في أمريكا التي تسجل يوميا أرقاما قياسية في عدد الإصابات فاقت 100 ألف إصابة.
والواضح أن تدفّق عدد بطاقات البريد الانتخابات البريدية فاقت قدرة مراكز الاقتراع على مجاراتها مما أدى الى تعطيلات في عملية الفرز من ناحية، ومن ناحية أخرى انقلاب الموازين وتقدم جو بايدن التدريجي بسبب اقبال عدد كبير من أنصاره الديمقراطيين على هذه الطريقة من الاقتراع التي فاجأت نتائجها الى حد الآن الشق الجمهوري وعلى رأسه دونالد ترامب الذي لوح في أكثر من مناسبة رفضه الخروج من البيت الأبيض.
ويثير تكرار هذا السيناريو مخاوف الأمريكيين من تعمّق الأزمة السياسية وبقاء البلاد التي تمرّ بأسوأ أزمة صحّية في تاريخها زاد سوء التعامل معها من قبل حكومة ترامب منذ البداية تعقيدا وخطورة، في قلب صراع قضائي قد يدوم لأسابيع اذ قد يستمر التحكيم لمدة طويلة يمر عبرها من محاكم الولايات والمحاكم الفيدرالية، وصولا إلى المحكمة الدستورية العليا. في الوقت الذي يتهم فيه الديمقراطيون الرئيس الحالي بتعّمد ابداء الاستعداد لرفض قبول النتائج والانقلاب عليها ودفع الأمر نحو القضاء بعد أن قام ترامب بإجراء تعيينات جديدة صلب هذا السلك الحيوي والحال أن القانون يمنع اجراء مثل هذه التدابير في السنة الانتخابية. وهو ما قد يؤدي حسب نظرهم الى إمكانية الحكم لصالح غريمهم الجمهوري في انقلاب صريح على نتائج الصناديق على الشرعية والديمقراطية.