انطلاق أشغال المستشفى الجهوي صنف 'ب' بغار الدماء    تونس تتوقع صابة قياسية للتمور تقدّر ب404 آلاف طن هذا العام    تونس تطلق المنصّة الوطنية لرصد الأمن الغذائي foodsecurity.tn    ترامب.. إسرائيل ستخسر كل الدعم الأمريكي إذا ضمّت الضفة الغربية    أخبار النادي الصفاقسي ...رهان على المثلوثي لحل مشكلة الجهة اليمنى    بنزرت: سقوط حافلة يودي بحياة شاب في ورشة صيانة    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراوح بين 17 و24 درجة    تطاوين: وفاة وإصابة إثر حادث مرور: التفاصيل    عاجل/ القبض على عنصر خطير بحي ابن خلدون..وهذه التفاصيل..    أولا وأخيرا: «مبروك هالحصان»    ترشيح فيلم «قنطرة» لجوائز الأكاديمية الإفريقية للأفلام    مدينة القيروان تحتفي بالسّرد    فلسفة الإسلام في الإصلاح بين الناس    خطبة الجمعة ..حذار من موت الفَجأة    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بورصة تونس تنهي حصّة الخميس على منحى إيجابي    قابس: تظاهرات عديدة تؤثث احتفالات المدرسة الوطنية للمهندسين بقابس بالذكرى الخمسين لانبعاثها    عاجل/ سقطت عليه حافلة: حادث مأساوي يُنهي حياة شاب ثلاثيني    عاجل/ السوق التونسية تشهد نقصا في اللحوم الحمراء يناهز 65%    الاولمبي الباجي يعلن رفع المنع من الانتداب    كيم كارداشيان تعلن إصابتها بمرض دماغي "خطير"    صفاقس: دعوة المربين إلى الوقاية من الأمراض الحيوانية    يوسف البلايلي ينعش خزينة أحد أندية الرابطة الأولى    لاعبة الترجي الرياضي تحقق رقما قياسيا في المسابح الفرنسية    افتتاح ندوة دولية حول التعاون التونسي الفرنسي في مجال الآثار    الاتحاد الإفريقي يحدد موعد قرعة دور المجموعات لدوري الأبطال وكأس الكونفدرالية    المهدية: الأساتذة ينفذون وقففة احتجاجية بساعة في قاعات الأساتذة بالإعداديات والمعاهد على خلفية الاعتداء على أستاذة    مشروع ميزانية الدولة لسنة 2026 : ضبط النقاط التي ستتم إثارتها خلال جلسات الاستماع الى ممثلي رئاسة الجمهورية ووزارة الشؤون الخارجية    سموتريتش: لم يكن تصريحي بشأن السعودية موفقا وأنا آسف للإهانة التي سببتها.. أتوقع ألا يضرونا    ترامب يعلن رؤيته بشأن محمود عباس ويطلق تصريحا مفاجئا بشأن مروان البرغوثي    شنيا صاير: فيضانات وانقطاع كهرباء واسع في فرنسا؟ ...وهذا هو السبب    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    بشرى لطلبة الهندسة الاتصالية: شهادة دكتوراه تونسية – يابانية لأول مرة...هذه التفاصيل    عاجل: ضربة موجعة لبرشلونة قبل الكلاسيكو...هذا اللّاعب خارج التدريبات!    التونسيتان بيسان وبيلسان كوكة تتوجان ببطولة مسابقة تحدي القراءة العربي في موسمها التاسع    عاجل/ الموت يفجع حركة النهضة..    عاجل/ اصابة تلاميذ في حادث حافلة نقل مدرسي بهذه الجهة..    أول رد من حماس على قرار محكمة العدل الدولية ضد الكيان الصهيوني..#خبر_عاجل    المعلمون والأساتذة النواب ينتفضون ويحتجون أمام مقر رئاسة الحكومة..    خدمة دين الدولة لسنة 2026: انخفاض ب5,8 بالمائة وفق بيانات وزارة المالية    الرابطة الأولى: تعيينات حكام مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس: العثور على جثّة امرأة وطفل في حالة حرجة داخل منزل    تونس تصنف ضمن افضل 25 وجهة سياحية في العالم ينصح باكتشافها سنة 2026    بمناسبة العطلة المدرسية: رحلات ترفيهية على ذمة التونسيين    عاجل/ أحداث قابس: هذا ما قرره القضاء في حق الموقوفين…    الدورة الخامسة للمعرض الوطني للصناعات التقليدية بولاية بنزرت من 24 أكتوبر الى 02 نوفمبر 2025    المسرح الوطني التونسي وبيت الحكمة ينظمان بتوزر ندوة فكرية حول "أسئلة الهوية والغيرية وتمثلات الذاتية في المسرح التونسي"    الصحة العالمية: إجلاء طبي ل 41 مريضا بحالة حرجة من غزة    نابل : التوصّل إلى حل نهائي لإشكالية فوترة القوارص وتسهيل نشاط صغار التجار ( فيديو )    رابطة أبطال أوروبا: ريال مدريد يواصل التألق وليفربول وبايرن ميونيخ وتشيلسي يحققون انتصارات عريضة    تهديد بالقتل لساركوزي داخل سجنه في باريس.. وفتح تحقيق عاجل    بذور اليقطين أم الشيا.. أيهما أغنى بالألياف والمغنيسيوم والبروتين؟..    وزارة الصحة: إطلاق مشروع التكفّل بحالات التوقف القلبي خارج المستشفى    ترامب: ألغيت لقائي مع بوتين في بودابست    المنستير ولمطة في عدسة التلفزيون الإيطالي: ترويج جديد للسياحة التونسية    العلم يفكك لغز تأثير القمر على النوم والسلوك    حقل البرمة: نحو حفر 10 ابار جديدة لإنتاج النفط والغاز    ما معنى بيت جرير الذي استعمله قيس سعيّد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كوابيس الجنة"... عندما تحل لعنة شياطين السياسة والمال القذر
نشر في حقائق أون لاين يوم 11 - 06 - 2021

لنتفق منذ البداية أن رواية "كوابيس الجنة" لصاحبها فؤاد خليفة شابير هي استثناء قصصي بامتياز مضمونيا و بنائيا. هذه الرواية الصادرة عن دار وشمة والتي تزيّن غلافها بلوحة "أشباح ذهبية" لنور أحمداش، جاءت لتقدم لنا نموذجا متميزا من الأعمال الروائية التي مزجت بين السرد والعمل الاستقصائي حول موضوع المخدرات الذي بات حديث الساعة في بلادنا.

تميزت هذه الرواية التي بلغ عدد صفحاتها 308 صفحة بتناول موضوع آني وجريئ قلّ ما تم التطرق اليه بالنظر الى حساسيته وخطورته. تسليط الضوء على موضوع المخدرات وانتشارها داخل الاحياء الشعبية والمؤسسات التربوية والتعليمية والتعمق في ادق تفاصيل حياة المروجين الخاصة ونظمهم الحياتية بأسلوب قصصي جميل وجذاب جعل من هذه القصة التي مزج فيها الكاتب بين الأسلوب السردي والأسلوب الاستقصائي مرجعا نادرا لتمثل مدى استفحال هذه الظاهرة داخل مجتمعنا.

محاكاة الكاتب للعديد من الوقائع داخل" حي الخربقة "الذي نشأت فيه معظم شخصيات هذا العمل الروائي المتماسك، واصراره على جعل هذا الحي مسرحا للعديد من الوقائع والأحداث والجرائم وأحداث العنف يترجم مدى حرصه على الالتصاق بالواقع التونسي المعيش. اذ لا تخلو اليوم أحياؤنا الشعبية من الشمال الى الجنوب من تفاقم ظواهر العنف والترهيب والاغتصاب وبيع الخمر خلسة وترويج المخدرات بأنواعها ولم يعد تناول هذه المواضيع الحارقة من قبيل المحظورات بل أصبح حديث القاصي والداني. والأخطر من ذلك هو "تطبيع" المجتمع التونسي مع هذه الظواهر الخطيرة وقبولها على أساس أنها تندرج في إطار التطورات المجتمعية التي تشهدها كل الدول وهو أمر مرفوض وغير ذي منطق لما تمثله هذه التغيرات من تأثيرات سلبية على تماسك البناء المجتمعي.

حرص فؤاد شابير صاحب المجموعة القصصية" لا شيء مما تظن "من خلال هذه الرواية على جر القارء بأسلوب سلس وشيق في رحلة عالم المخدرات المليء بالأهوال والمخاطر. عالم تستباح فيه كل الحرمات وتنتهك فيه كل القيم وتزهق فيه الأرواح دون خوف ولا ندم. عالم مستقل بذاته وخفي لا تكاد تنخرط فيه حتى تصبح جزءا منه لا انت قادر على مغادرته ولا هو سامح لك بمفارقته. عالم، الوالج اليه مفقود والخارج منه مردود. عالم مليء بالسحر في ظاهره لكن داخله مرجل يغلي ويحي بالانفجار في اية لحظة. عالم، شبهه الكاتب بالجنة. لكنها جنة مليئة بالهموم والكوابيس. تضاد بنى عليه شابير هذه الثنائية. فالإحساس باللذة داخل هذه الجنة سرعان ما يتحول الى كابوس مؤرق. فهذه المادة الخفيفة وغير الدسمة والمنعشة هي في الأصل سم يحول مستهلكها الى هامّة بشرية قد تفتك بغيرها في أي لحظة دون شفقة او رحمة.

الخشبة، سوسن، شكري، مالك، سكامبيا، الطاهر، ليون، منى... ثماني شخصيات أثثت هذا العمل الروائي وحملت القارئ الى تمثل العديد من الأحداث المتشعبة في علم الجريمة كاملة الأوصاف. ولعل ما ميز تعامل الكاتب مع شخصياته هو طريقة عرضها للقارئ والتي قامت على ثنائيات عديدة كالفعل ورد الفعل، والفاعل والمفعول به، والراوي والمتحدث عنه، والمؤثر في الاحداث والمتأثر بها، والضحية والجلاد.

شخصيات حرص القاص والروائي التونسي فؤاد خليفة شابير على تمكينها فرصة التعبير عن نفسها وتقديمها بشكل ذاتي وكأنه يراهن عليها ويمنحها فرصة الجلوس على كرسي الاعتراف وتقديم شهادتها الذاتية بعيدا عن كل الضغوطات التي تتعرض لها داخل عالمها المشحون. وما يمكن استقراؤه أن الكاتب نجح في كسب هذا الرهان اذ أن الروايات الثمانية التي قدمها بشكل متتابع كانت متماسكة الى أبعد الحدود اذ تطابقت دون أن يكون هناك تكرارا لسرد الأحداث أو مللا في إعادة تقديمها كلما دعت الضرورة الى ذلك.

ولعل هذا الأسلوب يكون سلاحا ذو حدين اذ بقدر ما يجعل القارء ينفر من هذه الشخصيات المستوحاة من الواقع طبعا ويلفظها بقدر ما يجعل من إمكانية التأثر بها او الاشفاق عليها فرضية ممكنة جدا بالنظر الى البراعة التي ابداها الكاتب في تصوير المشاهد وتخيلها.

اذ بقدر ما توجد شخصيات" منفّرة" ومسيطرة توجد شخصيات أخرى متورطة في الفعل الاجرامي لكنها تتلحف برداء الضحية المفعول بها وغير القادرة بسلبيتها المفرطة على رد الفعل ودرء الوقوع في الخطيئة. ولعل شخصيتا الخشبة وسوسن اللتان تبدوان أقل تأثيرا في صيرورة الأحداث او في سيرورتها من أكثر الشخصيات جلبا للتعاطف بالنظر الى وقوعهما القسري بين مطرقة البيئة الاجتماعية المنشئة والمتسمة بالقذارة والتهميش والفوضوية وسندان الظلم والتحكم والقهر. الخشبة وسوسن هما نموذج حي عن عدد لا يحصى من الشباب التونسي الذي تختنق به اليوم أحياؤنا الشعبية المفقرة والمهمشة والتي ترزح تحت سطوة المتنفذين من بارونات الفساد والافساد والذين يستنجدون بوسطاء ووكلاء متموقعين في منزلة بين المنزلتين من امنيين فاسدين وسياسيين انتهازيين لتنفيذ رغبات اسيادهم عبر توظيف من هم أقل منهم شأنا.


التدرج الهرمي الذي اعتمده شابير المتخصص أيضا في البرمجيات الإعلامية في روايته التي ستنافس 34 رواية أخرى لنيل جائزة الكومار الذهبي لهذه السنة والقائم على الأساس الذي عرضناه آنفا كان مخالفا لما هو مألوف في بقية الروايات الأخرى التي يعتمد جلها على فتح المجال للقارئ للتعرف على الشخصية الرئيسية والمحورية في العمل القصصي. تعمّد شابير أن ينيط عهدة مسك طرف الخيط السردي لشخصية "تافهة" وتأثيرها يكاد يكون منعدما في سير الأحداث ليس خروجا عن المألوف أو تفرّدا واستثناء بل كان مبنيا أساسا على مماثلة لطبيعة الموضوع الذي بنى عليه روايته. فشخصية "الخشبة" والتي يدل اسمها على تفاهتها حتى في خيالنا الشعبي هي اسفل الهرم الذي ترتقي فيه الشخصيات بارتفاع مهامها وأدوارها وتأثيراتها في سير الأحداث و تطورها الى غاية الوصول الى رأس الهرم، مصدر القوة والتأثير والماسك بخيوط اللعبة والمتحكم في بقية الشخصيات.

لقد أبدى فؤاد خليفة شابير صاحب العديد من المقالات السياسية نشرت له في الكثير من الصحف التونسية جراءة كبيرة في استهداف الماسكين بخيوط تجارة المخدرات دون مواربة او تمويه.
اذ من خلال استنطاق شخصياته خصوصا النافذة منها يسقط شابير ورقة التوت عن فئة من السياسيين التونسيين ورجال الأعمال الفاسدين وبارونات التهريب والتجارة الممنوعة والموازية وشبكات ترويج عالمية اتخذت من بلدنا سوقا مزدهرة لبضاعتها ونقطة عبور وعن كل الذين يقفون وراء استشراء هذا الوباء بتواطئ خفي من أطراف متنفذة داخل أجهزة الدولة وفي مراكز عليا في مؤسسات سامية من نواب ووزراء وغيرهم.

يقول شابير على لسان الشخصية المحورية في هذا العمل وهي شخصية مالك المحامي وأحد أفراد العصابة النافذين الذي أصبح عضوا في مجلس النواب : "كان سفري خارج البلاد أخطر حدث يمكن أن يقع لي. أتسلم جواز سفر ديبلوماسي أزرق خاص واسافر في مهمة رسمية ثم أعود بحقيبة تعج بعقاقير مخدرة : اكستازي، سي دي، كوكايين هيروين..."

وتضيف هذه الشخصية التي ربطت علاقات متشابكة مع كل القيادات العليا في البلاد : "كانت مكاتب وزراء الدولة مفتوحة أمامي على مصراعيها. يعلمون أنهم سينالون دعما كبيرا من أجل خدمات بسيطة ينفذونها لي. أتعجب كيف تسير الأمور في هذا البلد. تخيفني الأحزاب في حملاتها الانتخابية الرنانة حتى انني استعد للهروب من البلاد في صورة اخذت مقاليد الحكم. لكن لا شيء يتغير. كبار الموظفين يتحكمون في سياسات البلاد. والوزير الذكي هو من يهادن هؤلاء.
لا شيء يتغير. رجال أعمال يمتلكون آلاف الملايين دون معامل ولا موظفين يعقدون صفقات وهمية ويتجولون كالملوك. يقاومون التهريب بمطاردة أصحاب الاكشاك البائسة ومن يعرضون سلعهم الرخيصة على قارعة الطريق".

لعل طرح هذا الموضوع الذي يأتي في سياق اجتماعي وسياسية واقتصادي متعفن ليس من قبيل الترف الثقافي بل هو ضرورة ملحة يجب ان يتم من أجلها تجنيد كل الوسائل المتاحة من وسائط إعلامية وثقافية وغيرها لكشف هؤلاء الشياطين الضالعين في هذا التخريب الممنهج لمجتمعنا ولجيل من شبابنا التلمذي، وبالأخص اولئك الذين يتحصنون بمناصبهم العليا وعلاقاتهم المتشعبة بأصحاب السلطة والمال الفاسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.