مساحات شاسعة من الاراضي الزراعية تحولت الى بور، يغلفها غطاء بني متشقق بفعل اشعة الشمس الحارقة، بينما ازال المزارعون اشجار الزيتون بعد ان جفت اغصانها وتحولت جذوعها الى ركام من الحطب. ذلك هو حال المئات من الهكتارات من البساتين بمنطقة النوايل من ولاية سيدي بوزيد بسبب المياه المستعملة القادمة من معمل الحلفاء بالقصرين عبر وادي الفكة الذي تنساب جداوله بين الضيعات متدفقا بالمياه كلما هلّ الغيث النافع. حتى الزراعات الفصلية من خضراوات وغلال ، و التي تعد مورد الرزق الاساسي لاكثر من 5000 ساكن ، لم تعد قادرة على النمو في ظل تربة متسمّمة. يقول محمد الكبيّر " لقد تحول الوادي الى نقمة علينا و على مواشينا و نباتاتنا. في الماضي كنا ننتظر قدوم فصل الشتاء لاستغلال مياه الامطار التي يحملها لنا وادي الفكة لري الاشجار فصرنا نتذمر منها بعد ان صار الوادي مصبا للنفايات التي يتخلص منها معمل الحلفاء". في منطقة النوايل التي يقتات سكانها من النشاط الزراعي و يعول اغلبهم على تربية المواشي و يقصدها المئات من العمال القادمين من بعض الارياف المجاورة على غرار حاسي الفريد والكامور بمدينة القصرين و القلال و منزل بوزيان بسيدي بوزيد غادر الكثيرون اراضيهم نحو بعض المدن الاخرى بعد ان نفقت المواشي و فقدت اراضيهم نظارتها وقل منتوجها، بل عم الخوف اغلب الاهالي من تلوث المائدة المائية مما قد يتسبب في كارثة انسانية خاصة وان العديد من السكان يعولون على ابارهم في الشرب. اما المناطق البعيدة نسبيا عن وادي الفكة فهي بدورها تعاني من ندرة المياه بالرغم من تاكيد العديد ممن تحدثنا معهم عن محاولاتهم المتكررة للاتصال بالسلط الجهوية ( المندوبية الجهوية للفلاحة و معتمدية الحفي وولاية سيدي بوزيد ) لمساعدتهم على حفر ابار سطحية او بعث منطقة سقوية لاحياء الاراضي الشاسعة غير المستغلة. في هذا الصدد يقول عبيدة نايلي و هو يتامل اشجار الزيتون العطشى التي تحيط ببيته"انظر الى هذه الضيعة كيف تحولت الى خراب بينما يرفض المسؤولون تقديم المساعدة لاصلاح البئر الذي جفت مياهه". و امام هذا الوضع الصعب الذي يواجهه اهالي النوايل جراء ما يحمله وادي الفكة من سموم لم تحرك السلطات الجهوية ساكنا بالرغم من صيحات الفزع التي رفعها الاهالي. حتى التقارير التي تقدم بها ممثل وزارة البيئة الى والي الجهة لم تجد اي صدى يذكر، بينما كان من المفترض ان "يقوم الوالي و بالتنسيق مع مصالح وزارة الفلاحة وبعض الهياكل العمومية الاخرى بتحسيس المتساكنين بخطورة المياه المستعملة على اقل تقدير "بالاضافة الى اعلام السلط المركزية بضرورة وضع حد لهذه الكارثة "وفق ما جاء على لسان ممثل وزارة البيئة بالجهة جلولي البراهمي. كما اشار الى ان "وزارة البيئة قد قررت احداث محطة لتصفية الافرازات التي يتخلص منها معمل الحلفاء للتقليل من الانعكاسات السلبية للمواد الكيمياوية." وبالرغم من مرور اكثر من 6 اشهر على هذا القرار لا يزال الوضع على ماهو عليه.