يوم 23 أكتوبر الجاري، يكون الائتلاف الحاكم في تونس بلغ من العمر السنتين. مدة كان من المفروض أن يتم خلالها سن دستور جديد للبلاد ووضع معالم أركان الدولة الجديدة، وذلك مثلما أتفق عليه قبل انتخابات المجلس التأسيسي. وهاهي حركة النهضة التي تتزعم هذا الائتلاف الذي يضم في صلبه كذلك حزبان لا ناقة لهما ولا جمل في السياسات العامة للحكومة الانتقالية، بإمكانها أن تطمئن على رصيدها الحافل من الانجازات خلال الفترة القصيرة من حكم البلاد. ففي ظل حكومة تسيطر حركة النهضة على رئاستها وعلى معظم وزاراتها البارزة، تمكنت البلاد من تحقيق استقرار لم تبلغه منذ استقلالها سنة 1956. فالتونسيين الذين اهتزت أركان دولتهم أثناء أحداث الثورة، استعادوا ثقتهم الكاملة والكلية في مختلف مؤسساتها. كيف لا يكون كذلك، والحال أن جميع الوزراء وولاة الجهات وكبار الاداريين تم اختيارهم وفق مبدأ الكفاءة والخبرة دون أن يكون لديهم أية شبهة ولاء أو تبعية إلى الحزب الحاكم؟ واستبشر التونسيون بفتح ملفات محاسبة رموز النظام السابق. حيث أًنشئت وزارة مخصصة للعدالة الانتقالية تمكنت من معاقبة جميع القيادات السابقة على الجرائم التي ارتكبوها ضد جزء من التونسيين. ويُقطع لسان كل من يقول أنه تم عقد صفقات مع رجال أعمال أو سياسيين سابقين لتسوية قضاياهم مقابل اعلان الخضوع إلى حكام تونس الوقتيين. أما بالنسبة إلى الآلاف من التونسيين الذين انخرطوا في النضال ضد الاستبداد السابق، فلا يُمكن وصف حجم الفوائد التي تحققت لهم. فشُيدت للشهداء المعالم والأضرحة التذكارية تخليدا لدمائهم التي سالت برصاص الدكتاتورية، حتى أن المجلس التأسيسي افتتح أولى جلساته بتلاوة قائمة كل من سقط منهم بنيران الشرطة. وما أدراك ! أما الجرحى منهم فقد فُتحت لهم أبواب المستشفيات، وحظوا بمختلف أنواع الرعاية الصحية والاجتماعية والنفسية الضرورية لحالتهم تلك. ويكفيهم فخرا أن رئيس البلاد يحمل دائما زرا يتضمن صورة لأحد الجرحى فوق ثيابه. وخلال هذه الفترة أيضا، بدأت آلة الاقتصاد الوطني تتحرك نحو الأحسن، بعد اصابتها بعطل بسبب فعاليات الثورة. فالإنتاج الفلاحي يرتفع تدريجيا ما أثّر بشكل ايجابي على أسعار المواد الغذائية التي أصبحت في متناول الطبقات المفقرة. بل نتوق، اليوم، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية في أقرب الآجال بفضل السياسة الحكيمة لوزارة الفلاحة لدينا. ناهيك عن الصناعة في تونس، فإنتاجها في صعود لا غبار عليه. حيث أن المصانع التونسية رجعت تعمل بوتيرة أكثر قوة من قبل، بعد ما تأكد أصحابها من استقرار الوضع السياسي في البلاد ووضعه في أيادي أمينة. والعمال يشتغلون في وضعية لائقة تحفظ لهم كرامتهم وتوفر لهم مداخيل مالية محترمة. أما القطاع السياحي، فلا حديث بخصوصه إلا عن امتلاء المطارات والمواني بالأعداد الغفيرة من السياح من مختلف الجنسيات الذين يتدفقون لهفة للإطلاع على التجربة الثورية التونسية الفريدة من نوعها. وبالكاد من يجد غرفة فارغة في نزل وضيع جراء الفترات الطويلة من الاقامة التي يقضيها الأجانب للتواصل مع أبناء البلد المتسامحين والمنفتحين والبشوشين. ونتيجة لهذا الازدهار غير المسبوق، تقلص التدافع أمام مكاتب التشغيل من طرف باحثي الشغل. وأوجدت أجهزة الدولة التي يشرف عليها خبراء من أفضل طراز، طرقا لإدماج العاطلين عن العمل في سوق الشغل عبر تقديم قروض اليهم بأيسر الفوائد ودون تعقيدات تذكر. وحُظيت المناطق المحرومة سابقا، ببرامج تنموية من مختلف المستويات، ما جعل صعبا على المراقب أن يلحظ فوارق بارزة بين المناطق المحظوظة على الشريط الساحلي وتلك الجهات. ولا يخفى على أحد، حديث بعض الأطراف عن عمليات ارهابية تحدث في تونس التي تزايدت وتيرتها في المدة الأخيرة. لكن لنكن واضحين. لا توجد دولة في العالم بمنأى هذه الظاهرة، وبالتالي فإن تونس لن تكون الاستثناء. حتى وان لم يوجد ارهابيين بمثل هذا الحجم قبل اندلاع الثورة، فما كان على الارهاب إلا أن يوجد، حتى لو دفع الأمر إلى أن تكون الحكومة الحالية هي التي تقف وراء انتشاره. فهل هناك دولة في العالم، بما فيها الشق العريق فيها ديمقراطيا، لم تبرز في حضنها حركات ارهابية؟ فلا نهوّل هذا الأمر كثيرا، وسنكون، بلا شك، في عون هذه الحكومة ذاتها في القضاء عليه يوما ما. ونحن اليوم ندخل مشارف السنة الثالثة من حكم الرشيد للائتلاف الحاكم، يتجه الاعلام التونسي نحو التموقع في المكانة التي يجب أن يكون عليها. اعلام محايد لا يترك نشاطا حكوميا أو رئاسيا دون أن يسلط عليه الضوء في مساحات واسعة لديه. اعلام مهني لا يهتم بأنشطة بعض أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني التي لا طائل من التركيز عليها. اعلام موضوعي لا يستمع إلى صوت المتساكنين ومشاكلهم وهمومهم. والطبقة السياسية ابتهجت بقرب الانتهاء من وضع دستور البلاد الذي تعهدت الحكومة أن يكون في مستوى تطلعات جميع الناس بغض الطرف عن انتماءاتهم. وبدأت العدة تُعد للمشاركة في الانتخابات القادمة التي تُشرف عليها هيئة مستقلة للانتخابات يُنتظر الاعلان عنها في أقرب الآجال. وهكذا تكون حركة النهضة استطاعت أن تقفز بالبلاد إلى مصاف الدول التي تمكنت من تجاوز المرحلة الخطرة للانتقال الديمقراطي بأخف الأضرار. ومن المؤكد أن الناخبين لن ينسوا لها هذا الجميل وسينزلون جحافل وزرافات لإعادة انتخابها من جديد.
__________________ * هذا مثال للمقالات التي تحلم حركة النهضة أن ينتشر على مختلف وسائل الاعلام. مقال بروباقاندي بإمتياز لا يوجد له مثيل سوى في ظل الأنظمة الفاشية.