وزارة التجهيز: تحويل في الطريق الوطنية عدد 8 بداية من يوم الاثنين القادم    ملعب حمادي العقربي يفتح أبوابه الوقت هذا.. شنوة لازم تعرف قبل ما تمشي!    معهد الرصد الجوي يضع عددا من المناطق في الخانة الصفراء    أمطار وبَرَد في عز أوت: تقلبات مفاجئة تضرب 13 ولاية تونسية    18/20 وُجّه لعلوم الآثار بدل الطب... تدخل وزاري يعيد الحق لتلميذ باكالوريا    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    زغوان: حجز 735 كلغ من الأسماك الفاسدة كانت داخل براميل بلاستيكية كبيرة الحجم    عاجل/ زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ القبض على "بلوجر" معروفة..وهذه التفاصيل…    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    عاجل/ تزايد محاولات القرصنة..ووكالة السلامة السيبرنية تحذر..    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    غدًا.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    الشاب بشير يمتع جماهير مهرجان سلبانة الدولي    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تدعو إلى سنّ ضوابط لحضور الأطفال في المهرجانات والحفلات    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة فنية حافلة    مونديال الكرة الطائرة تحت 19 عاما - المنتخب التونسي ينهي مشاركته في المركز الثاني والعشرين    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    توقعات موسم أوت - سبتمبر - أكتوبر 2025: حرارة أعلى من المعدلات واحتمالات مطرية غير محسومة    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    طقس اليوم: أمطار رعدية متوقعة وارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بالجنوب    نواب أمريكيون يدعون ترامب لإنهاء الحرب في غزة    بعد إيقاف مسيرتها.. أنس جابر تتفرغ للدفاع عن أطفال غزة    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب الجزائري يتوج باللقب    النادي الإفريقي يعلن تعاقده رسميا مع "فوزي البنزرتي"    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    كولومبيا.. تعيين ممثل أفلام إباحية وزيرا للمساواة    محمد رمضان يرد على الشامتين بعد انفجار حفله الغنائي: "اللي معندوش كلمة طيبة يخرس!"    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    الرابطة الأولى: قطيعة بالتراضي بين فادي سليمان ومستقبل قابس    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    دكتورة في أمراض الشيخوخة تحذّر من اضطرابات المشي لدى كبار السن المؤدية إلى السقوط    انتعاشة هامة للسياحة/ هذا عدد عدد الوافدين على تونس الى 20 جويلية 2025..    وزارة الصناعة تمنح شركة فسفاط قفصة رخصة البحث عن الفسفاط " نفطة توزر"    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    خطبة الجمعة: أمسِكْ عليك لسانك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول دور المدونين في الثورة التونسية
نشر في حقائق أون لاين يوم 15 - 01 - 2014

لا تمرّ فرصة يتمّ فيها النقاش فيها حول الثورة التونسية وعن مختلف فعاليتها وأطوارها والفاعلين فيها، إلا وتُطرح أثناءها قضية مشاركة المدونين فيها ودرجة مساهمتهم في انجاحها. ورغم مرور ثلاث سنوات على رحيل زين العابدين بن علي، وتغير أولويات اهتمام التونسيين الذي أصبح ينصب في البحث عن حلول لمشاكلهم التنموية وفي تشييد أسس دولتهم الديمقراطية، ما يزال القليلون يلوكون بعض الأمور الجزئية التي لا طائل من النبش فيها سوى جرّ جزء من الرأي العام في اتجاه الجدل حول مسائل ثانوية لا تجلب لهم النفع الكثير.
ونظراً إلى أن عدة وسائل اعلام طرحت هذا الموضوع مرة أخرى تزامناً مع الذكرى الثالثة للثورة، استغلها البعض للتحدث من جديد عن هذه المسألة، ولتحويل وجهة الخلاصات المنبثقة عنها نحو مآرب غير مقبولة وتحمل في داخلها حقد كبير للثورة وللمناضلين من أجلها، كان من الضروري التعريج على هذا المسألة لتوضيح بعض الأمور التي ربما كانت ملتبسة في ذهن المتابعين للحياة السياسية في تونس.
وبحكم انخراطي الفاعل في المجال التدويني منذ بداياته في تونس سأحاول، بشكل قريب من الموضوعية، تسليط الضوء على حقيقة الدور الذي لعبه المدونون التونسيون خلال فترة الثورة التونسية. وقبل ذلك، من المهم جدا اعادة تفسير المفاهيم المتداولة. إذ أن المدون هو صاحب مدونة الكترونية.
والصحفي أو الناشط الحقوقي أو السياسي وغيرهم له امكانية أن يتحوّل الى مدون بمجرد امتلاكه لمدونة الكترونية. وعادة، يفتح الناس المدونات للأهداف الثلاثة التالية : - التعبير عن الرأي أو الموقف - الإخبار أو الإعلام عن حدث ما - تنظيم الحملات التضامنية والتحركات للتعريف بقضية شائكة ونظراً لسهولة استعمال المدونات التي لا تشترط توفر كفاءة تقنية عالية لدى مستعمليها، التجأ الكثيرون إلى ما أصبح يسمى لاحقاً ب"الاعلام البديل" لبلوغ تلك الغايات.
فضلا عن هذا العامل، كان الوضع الاعلامي في تونس الذي يتميز بالانغلاق شبه التام، محفزاً اضافياً للعديد من التونسيين للتوجه نحو المدونات الالكترونية. فرغم اني كنت أشتغل منذ سنة 2008 محرراً صحفياً بصحيفة "الطريق الجديد" المعارضة حينها (وهو فضاء اعلامي سمح لي بنشر مقالات نقدية لم يكن يتسنى لي نشرها في صحف تونسية أخرى)، اضطررت في ذلك الوقت، إلى اللجوء إلى فضاء الاعلام الالكتروني من أجل الإخبار بقضايا ومسائل مرتبطة بتجاوزات السلطة السابقة تجاه التونسيين، وذلك لسببين اثنين: أولهما هو الضغط الرهيب اذي كان يُمارسه النظام البائد على صحيفة "الطريق الجديد" من خلال مصادرة أعدادها الأسبوعية في بعض الأحيان، والتضييق على توزيعها وترويجها في معظم الأوقات.
وثانيهما هو ارتفاع عدد التونسيين مستعملي الانترنات ما مثّل فرصة ثمينة لايصال المعلومة إلى أوسع نطاق ممكن. فكانت المدونات بالنسبة لي أحد اشكال المقاومة ضد تسلط الحزب الحاكم السابق في المجال الاعلامي، وهو بمثابة الحلّ الاضطراري اكثر مما هو خيار طوعي. وهو نفس الغرض الذي دفع عدد من الزملاء الصحفيين على غرار كل من زياد الهاني ومنجي الخضراوي وأيمن الرزقي وغيرهم من الصحفيين الذين ذاقوا ذرعاً بحجم الرقابة التي مورست ضدهم في ذلك العصر، لنشر الأخبار الممنوعة على المدونات.
ولتغطية الأحداث الوطنية والأزمات التي عاشها التونسيون في ظل النظام السياسي السابق، والتي حاولت أجهزته اخفاءها عن الأعين، لعبت المدونات الالكترونية أدواراً مميزة في كسر ذلك الحظر. وكان وجودها أكثر بروزاً أثناء الثورة التونسية التي لم تثر اهتمام وسائل الاعلام المحلية التقليدية ما عدى بعض المحاولات الجريئة التي دفعوا ثمنها غالياً، لصحف المعارضة الثلاث (الطريق الجديد، الموقف، مواطنون) والقناة الفضائية "الحوار التونسي" والاذاعة الالكترونية "كلمة" وبعض النشريات السرية.
فشخصياً، زيادة على المقالات التي كنت أنشرها في تلك الفترة في صحيفة "الطريق الجديد" أو في جريدة "الأخبار" اللبنانية التي كنت أراسلها من تونس، والشهادات المباشرة في عدد من القنوات الفضائية الاخبارية العربية والغربية، كنتُ أنقل بشكل مستمر ومتواصل (سواء بالفيديو أو من خلال مقالات اخبارية) على مواقع الأنترنات، أهم الأنشطة الميدانية للمشاركين في أحداث الثورة، ليتمّ تداولها واعادة نشرها بكثافة فيما بعد. وهي عملية قام بها العديد من النشطاء على الأنترنات، سواء كانوا صحفيين أو غير اعلاميين، ديدنهم في ذلك اسناد الثورة التونسية ومساعدة المنخرطين فيها الذين تجرؤا على مقارعة الطغمة البوليسية. فالتدوين الالكتروني من هذا المنطلق، لم يكن الا شكلاً معاصراً للدعاية الاعلامية التي تصاحب التحركات والاحتجاجات. ففي السابق، كانت الكتابات الجدارية والمنشورات الورقية التي توزع خلسة والمعلقات التي تُلصق على الحيطان هي التقنيات الاعلامية التي كانت تُستغل لنشر الأخبار المناوئة للأنظمة. ومع تقدم التكنولوجيات الحديثة، عوضت المدونات، نسبياً، تلك الوسائل.
وأضحى الفايسبوك والتويتر والمدونات الأدوات الابرز للتشهير بأخطاء الحكومات. ولم تكن الأنترنات قناة للدعاية لفائدة المتظاهرين، بل كانت أيضاً أداةً لتحفيزهم على التظاهر. فأتذكر مثلا قيام شباب يقودهم الصديقان عزيز عمامي ونجيب العبيدي بتنظيم "فلاش موب" بساحة باب العسل بالعاصمة تضامناً مع أهالي سيدي بوزيد والقصرين، وبمجرد أن أنزل مقطع الفيديو الذي وثّق تلك الحركة على موقع الفايسبوك، حتى ازدادت حماسة الكثيرين للمشاركة في الوقفات الاحتجاجية اليومية التي كانت تُنظم بساحة محمد علي أمام مقر اتحاد الشغل. أما بخصوص قصص التدخل الأجنبي المزعومة في توجيه الثورة التونسية. فلا بد من ابداء الملاحظتين التاليتين: - الثورات في كل أرجاء العالم وفي مختلف العصور والأزمنة، لا تتأجج ولا تشتعل بمجرد الضغط على زر سحري. فالثورات هي سيرورة طويلة الأمد تأتي اثر تراكم عوامل موضوعية وذاتية كمية تفرز تغييرات جذية نوعية تسمى: ثورة.
وما حدث في تونس هي ثورة سياسية (بمعنى الاطاحة بنظام سياسي وتغيير بآخر على أنقاضه) حتى إن لم ينجر عنها أو تلتها ثورة اجتماعية (بمعنى تغيير كامل نمط الانتاج الاقتصادي) أو ثورة ثقافية أو ثورة تكنولوجية-علمية. والتحركات على الأرض التي شارك فيها الآلاف من التونسيين في الفترة التي تلت انتحار محمد البوعزيزي كانت تعبيرة من تعابير غضب تراكم منذ عدة سنوات تجاه الاستبداد والفساد واللاعدالة التي اتصف بها نظام الرئيس المخلوع بن علي. والمدونون في وسط هذا الحراك الاجتماعي لم يكونوا سوى الأعين التي شاهد من خلالها الرأي العام المحلي والدولي ما حاول النظام السابق طمسه.
وهذه المهمة ساهمت في تسريع وتيرة الثورة وانجاحها بأخف التكاليف المادية والأضرار البشرية الممكنة. ويبقى الحديث عن مخططات سابقة حاكتها أجهزة مخابرات أجنبية من أجل التخلص من بن علي سوى ترهات أفكار لا يستطيع تسويقها سوى المتضررون من هروب بن علي. قراءة مغلوطة للأمور لن تجد لها أي رجع صدى لدى المهمشين والفقراء والمعطلين عن العمل والاعلاميين الذين طالبوا بالحرية وبالكرامة في ذلك الزمن. - إن الحديث عن ورشات تدريبية شارك فيها مدونون في الخارج كانت السبب الرئيس لقيام الثورة التونسية يُعتبر من باب التخسيس من قيمة تضحيات أبناء الوطن في معركتهم ضد طغيان الرئيس الهارب.
فإن شارك عدد من المدونين التونسيين في دورات تدريبية من أجل تطوير مقدراتهم في التعامل مع التكنولوجيات الحديثة فإن ذلك لا يعني كونهم بالضرورة قد وُظّفوا لهذه المخابرات أو تلك (ما العلاقة؟!). فالصحفيون الذين يحضرون ورشات لتقوية مهاراتهم الصحفية، والطلبة من مختلف الاختصاصات الذين يشاركون في تربصات مهنية، ولاعبو الرياضة الذين يتدربون لفائدة فرق أجنبية، على سبيل المثال، هل يمكن القول أنهم هم أيضاً عملاء ومخبرين؟! إن الذين يعمدون إلى تشويه الدور المحوري للمدونين أثناء الثورة وما قبلها، هم الذين أصابهم الغبن بانهيار النظام السابق، وهم الذين لم يدركوا إلى حد الآن كيفية تجرؤ الآلاف من التونسيين على التخلص منه. ولن تُقتلع من أذهانهم فكرة المؤامرة الخارجية ما لم يستوعبوا أن عصراً جديداً من الحرية انبلج ولا يمكن وأده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.