خلاف لما نصّت عليه خارطة الطريق المنبثقة عن الحوار الوطني ، والتي تعدّ قطب الرحى في العملية السياسية خلال الفترة الراهنة من مرحلة الانتقال الديمقراطي،تضمنت قائمة وزراء الحكومة الجديدة عددا من الشخصيات التي تحوم حولها شبهة "التحزب" بشكل أو بآخر. ويتجلى هذا المعطى عند النبش في سجّلات بعض الوزراء الذين تعرضوا إلى انتقادات جمّة فور كشف المهدي جمعة عن تشكيلة حكومته التي يفترض أن تكون مستقلة وغير متحزبة حتّى تضمن ثقة الشعب والفاعلين السياسيين لا سيما حينما نعلم انّ اختيار رئيس هذه الحكومة تمّ بتوافق نسبي ممّا يعكس هشاشة الحزام المتمخض عن الشرعية التوافقية والذي سيستند عليه في حال ما اذا تمت تزكيته من قبل أعضاء المجلس الوطني التأسيسي. الحالة الأبرز، والتي تطرح نقاط استفهام عديدة حول المغزى من الاصرار على الزجّ بها في تركيبة الفريق الحكومي الجديد،تنطبق على وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكنولوجيا المعلومات والاتصال توفيق الجلاصي الذي من المعلوم أنّه ينتمي قلبا وقالبا إلى حزب آفاق تونس الذي كان يضطلع فيه بخطة المنسق العام لجامعة باريس في فرنسا التي يحمل جنسيتها كغيره من التكنوقراط القادمين من وراء البحار. بعض الوجوه الاخرى تحوم حولها شبهة وجود وشائج -خفية أو ظاهرة- تربطها بحركة النهضة التي تقول انّها غادرت الحكومة ولكنّها لم تبارح الحكم.و في هذا المضمار يمكن الاشارة إلى وزير الشؤون الدينية منير التليلي الذي عرف بدفاعه المستميت عن أطروحات حزب مونبليزير علاوة عن وزير التربية-وما ادراك ما التربية- الذي لا يخفى على أحد قربه من ذات الطرف السياسي الانف ذكره، بالاضافة إلى كاتب الدولة للشؤون الجهوية والمحلية عبد الرزاق بن خليفة الذي تنسحب عليه نفس الوضعية خاصة ونحن نعلم أنّه سيشرف على حقيبة يمكن اعتبارها مفتاح العملية الانتخابية المقبلة التي تتطلب تحييد الجهاز الاداري ومراجعة التعيينات خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة وتأثير على هذا الاستحقاق المفصلي والهام. علاوة عن ذلك، ضمّت قائمة وزراء مهدي جمعة صديقه نضال الورفلي الذي يبدو أنّه قد تمّ احداث خطّة وظيفية على مقاسه ستناط له فيها مهمة التنسيق وخاصة متابعة الملف الاقتصادي. السيد الورفلي تؤكد مصادر موثوقة لحقائق أون لاين أنّه جدّ مقرب من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية ، والابقاء عليه رغم اشتغاله في حكومة العريض كان ترضية لحزب رئيس الجمهورية المؤقت وتلبية لرغبات رئيس الحكومة المكلف وفق بنود خارطة الطريق. كل هذه المؤاخذات التي تبعث على التوجس والتشكيك في صدقية استقلالية وحياد هؤلاء الوزارء،تنضاف اليها مثالب أخرى من قبيل ضمّ التشكيلة الحكومية الجديدة وزيرا اشتغل في المرصد الوطني للانتخابات زمن الرئيس المخلوع بن علي الذي حوّل هذا الجهاز إلى آلة للمواربة والاستخفاف بعقول الشعب من خلال التغطية على تزوير ارادة المواطنين واغتيال الحلم الديمقراطي ، زيادة عن وجود وزيرة يشتبه في كونها من الذين لايرون غضاضة في التطبيع مع إسرائيل. انّ كلّ هذه الثغرات تحيل مباشرة على سؤال جوهري يتعلق بمدى تأثيرها على مصداقية الحكومة وثقة الشعب والفرقاء السياسيين ورعاة الحوار في توجهاتها وخياراتها المستقبلية. حول هذا الموضوع،يعتبر رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني انّ الفريق الحكومي الجديد يؤشر على امكانية النكوص والعودة إلى تجربة الترويكا بوجه آخر مخالف للسابق داعيا المهدي جمعة إلى حلحلة هذا الاشكال الذي وضع نفسه فيه. بدورها وصفت الناشطة الحقوقية نزيهة رجيبة في حديث مع حقائق أون لاين أنّ هذه الاخلالات في اختيار الوزراء بالمهزلة ، متهمة حركة النهضة بدسّ عناصر موالين لها بصفة مباشرة أو غير مباشرة من أجل اختراق الحكومة الجديدة وجعلها تحت السيطرة من الداخل وفي الخارج صلب المجلس الوطني التأسيسي. وحذّرت "أم زياد" ممّا أسمتها العواقب الوخيمة لهذا الخيار الذي سيجعل حسب قولها عامل الثقة في حكومة مهدي جمعة مهزوزا مشيرة إلى أنّ ذلك قد يعود بالضرر على العملية الديمقراطية برمتها خاصة ونحن مقبلون على انتخابات حاسمة في قادم الاشهر.