جعلنا الاعتراف بأن الإرهاب سدّد لنا ضربات موجعة، وكبّدنا خسائر فادحة ومؤلمة، نقيّم بموضوعية خطواتنا القادمة ونحسبها جيّدا، لأن نصف الانتصار هو المعرفة الجيّدة والمتأنية بالعدو، بعيدا عن الانفعالات، وبعيدا عن نشوة الانتصارات الظرفية التي قد تحققها عملية أمنية نوعية وناجحة. إنّ الاستهانة أو الاستخفاف بالإرهاب في هذه الفترة بالذات لا يخرجان عن أمرين اثنين؛ إما أنهما محاولة مبتورة لطمأنة الرأي العام والتخفيف من حالة الذعر و الخوف المخيّمة على المشهد والتي تزداد حدّة كلما تواترت الأنباء عن سقوط شهداء جدد في عمليات وحشية لسفك الدماء، تجاوزت نظرية "الطاغوت" لتصل إلى إهدار دم المدنيّين كما حصل مؤخرا في عملية جندوبة، أو محاولة مشبوهة لتبييض الإرهاب واعادة تشكيل حاضنة اجتماعية حوله ، وذلك باعتماد أسلوب التشكيك في الرواية الأمنية وفي العملية الإرهابية في حدّ ذاتها (كما حصل في حادثة قبلاط والتي حوّلتها بعض وسائل الاعلام الموالية ايديولوجيا الى مغامرة للتنقيب عن الكنوز انتهت بالقتل وإراقة الدماء؛) أو من خلال العمل إعلاميا على تحويل الجلادين الى ضحايا مغرّر بهم.. لقد خلق مثل هذا التعامل الاعلامي نوعا من التعاطف حول ذويهم؛ كما حصل مع والد كمال القضقاضي الذي انتزع تعاطفا ساذجا من خلال رسم صورة للأب الملتاع لفقدان ابنه المثقّف والمتعلّم في ظروف أراد البعض أن يُضفي عليه نوعا من الغمُوض المحفّز على التخمين والارتياب. لكن الأخطر في كلا الأمرين أن نجد وزير الداخلية يتبجّح بانتصار واهم على الإرهاب تدحضه فتاوى إهدار الدمّ المتواصلة الى أجل غير مسمّى وتدحضه الخلايا النائمة التي تمتلك السلاح والعتاد؛ ولا نعرف تحديدا أين وكيف زرعت؛ وتدحضه تصريحاته المتناقضة مع الانتصار والتي تحدّث من خلالها عن منع وزارة الداخلية سفر ما يناهز 8 آلاف شاب تونسي يعتقدُون في الجهاد إلى سوريا. فمنع هؤلاء الشباب من السفر لا يعني تخليهم عن فكرة الجهاد، كما وقع تلقينهم ذلك، إلى جانب طبعا العودة المرتقبة "لمجاهدينا" بالخارج في بؤر الإرهاب العالمية وعلى رأسها سوريا والعراق ، فكيف لبلد ما تزال كل فرضيات الحرب على الإرهاب قائمة فيه وما تزال قيادات هذه التنظيمات المتطرّفة متحصّنة بالفرار أو سافرت إلى جبهات القتال لتطلب النفير أن تعلن الانتصار؟..إلا إذا كان هذا الانتصار من قبيل المخدّر الموضعي حيث يغلب الاستبلاه على الاقناع. وفي نفس السّياق نجد حقوقيين وسياسيين ورجال فكر وثقافة يستبسلون في الدفاع عن الإجرام باسم الدين في حق الشعب والوطن ، ويحاولون قدر الإمكان التشكيك في الروايات الرسمية حتى بتدنيس ذكرى الشهداء أو بالبحث عن منافذ لتبرئة ما لا يبرّأ أخلاقيا ودينيا وقانونيا..و ما يصدر اليوم عن هؤلاء هو امتداد لموجة التبرير الأولى لاختراق الجماعات الإرهابية للمجتمع وبحثها عن مواطئ قدم في المدن وحاضنة شعبية تلمّع إجرامها في ما بعد. وحتى لا نقترف نفس الأخطاء التي قتلت فيما بعد خيرة أبنائنا، يجب علينا سدّ جميع المنافذ على الإرهاب حتى لا يفرز موجة تطبيع معه؛ إما بالاستخفاف به من صنّاع القرار أو بمهادنته وتبريره من المستفيدين المحتملين منه سياسيا . إن الإرهاب والقتل الهمجي ليسا وجهات نظر ، والحقيقة التي لا تقبل الجدل والتي تلزمنا في مواقفنا هي أن التيارات الدينية المتشدّدة ترفض الانخراط في الديمقراطية التي تعتبرها كفرا ومروقا عن الدين؛ ولذلك هي تفضّل العيش في سراديب الظلام لاستلاب حريتنا باسم الدين. افتتاحية الصباح الاسبوعي بتاريخ 24 فيفري 2014