مثل "غاز الجنوب" نقطة تلاق للأطراف السياسية و النقابية و الجمعوية خلال السنوات الثلاث المنقضية على خلفية دوره المفترض في إحلال التنمية بالجهة. وإصطدمت ارادة الأهالي منذ البدء مع رؤية السلطة لإنجاز المشروع مسارا واسغلالا...و تطلب الوصول الى حل مجز بين الطرفين تجاذبا أكل من الزمن مدى لا بأس به . فتأخر الإنجاز و تراكمت العراقيل و أصبح المشروع شيئا فشيئا قميص عثمان يرفعه البعض للثأر من إهمال الحكومات السابقة لجهة تمسح ربع مساحة الجمهورية. وعرفت الاشهر الاخيرة مجيء حساسيات جديدة الى المشهد السياسي والنقابي تروم جميعها حصة من النضال من اجل مستقبل الجهة وليس من مركوب اقصر من "غاز الجنوب" يصلح مدخلا للتباري في الملعب السياسي . فالفوز به كاملا متكاملا يمنح الفائز به شهادة اعتراف من ابناء الجهة تبيض الوجه و تعلي اسهم الجدارة في سوق المزايدة السياسية التي بات المجتمع التونسي مغرما بها الى حد الوله . ووضعت هذه المجموعات الساعية الى ترسيخ اقدامها في المشهد العام برنامجا واضحا يرمي الى التموقع في الساحة السياسية و ذلك ب: _ الإعلان في خطوة أولى عن موت الاحزاب عبر امواج اذاعة تطاوين _ اجتذاب الشباب المعطل بالتركيز على احضار مفقودين اثنين هما التنمية و التشغيل . _ الهاب المشاعر عبر تفعيل المخزون التاريخي للغبن و الحرمان . _الإمعان في التعاطي الشعبوي من خلال وعود بالمن و السلوى في مجال التشغيل ، وتحقيق التنمية التي تأخر قطارها . و سلكت هذه الأطراف اسلوبا مزدوجا في تعاملها مع الجهات التي تعتبرها في حكم الاموات ، ومع المنظمات الجهوية ...يقوم على الوصل و الفصل و المدح و الذم و اعلان الرغبة في العمل المشترك و فعل خلاف ذلك و آية ذلك أنه حين يستجاب لرغباتها في التلاقي من اجل مصلحة الجهة تهرع الى التصعيد و المزايدة لتدبيير القطيعة. و يبقى هذا السلوك مقبولا اذا نظرنا اليه من زاوية العمل السياسي القائم على التكتيك و المناورة غير أن الأمر لم يبق عند هذا الحد بل عبر الى ضفاف أخرى بإدخال عناصر آتية من أفق التاريخ القريب المضرج باستباحة كل الوسائل من اجل ادراك الأهداف التي يظل اغلبها غير معلن. و لعل الأمر راجع الى " تسونامي " الثورة الذي أيقظ _عكس المتوقع منه _مكبوت المنازعات القديمة حول الإمساك بزمام الأمور لتوجيه دفة الأحداث المتسارعة نحو الإستحواذ على مفاصيل اللعبة. سيما و "تسونامي الثورة " قد هز اركان المجتمع و تلاعب بأحلامه و دفع بأفواج منه الى مدارات الوهم . ان تنزيل النظريات السياسية الآتية من رحم الهزيمة و الوهن التاريخيين على ارضية متحركة ليس أمرا هينا في زمن برهنت فيه " الإيديولوجيا" شرقا وغربا عن عجزها عن استيعاب مفردات الواقع التي تكتسب كل يوم دلالات جديدة في سياق تحولات تعجز قوالب الإيديولوجيا عن الإحاطة بها... و من نافلة القول التأكيد على أن المسارات السياسوية المشبعة بروح المغامرة قد قطعت أحذية كثيرة و أرهقت أطيافا و أطيافا دون إستخلاص الدروس لترشيد الأداء في زمن بدا و كأن التاريخ يهزأ بالجميع و يتخذ له دروبا مغايرة. "غاز الجنوب" مشروع للتنمية لا يحتمل كل هذه الخلافات ،فليعمل الجميع أجل إنجاحه على قاعدة " ما تحت الجبة الا مصلحة الجهة".