قالت النائبة سامية عبّو في جلسة المجلس التأسيسي يوم 21/12 "هناك مشاريع تنموية معطّلة رغم وجود تمويلاتها وعلى رئيس الحكومة شرح أسباب ذلك", وفهمنا منها بأن هناك أسباب غير معلنة وخطيرة أيضا خارج التعقيدات الإدارية تعطّل المشاريع في الجهات. وتأكيدا لجزء من كلام النائبة فإن التنمية, وهي هدف كبير من أهداف ثورتنا, لم تتحقق بالشكل الذي يبعث السكينة في قلوب الذين ثاروا من أجلها, بل هناك جهات لم ترى إلا زيادة في كميات الفساد وإحساس بالتراجع إلى الخلف, وهو ما تعرضه الفضائيات يوميا وما نلمسه في خطابات المواطنين ميدانيا. وأما في ما يخصّ التفسيرات والمبرّرات لتعطّل التنمية فلا نجد لذلك أثرا مهمّا أتى من هرم السلطة, ولكن وجدنا بعض التصريحات المحتشمة مع الكثير من الحديث الرائق عن كثرة المشاريع المزمع القيام بها إن سمحت أسباب تعطيل التنمية. فقد ذهب وزير التنمية جمال الدين الغربي في تصريحه لأفريكان مانجير في 4 أوت 2012, بان الأسباب الحقيقية لتعطيل التنمية تعود " خاصة لتقصير من المجلس الجهوي و بالخصوص من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي في عدم تتبع هذه المشاريع و العمل على حلّ مشاكلها و رفع الأمر للوزارة للنظر فيها" , وحقيقة لمسنا ذلك خاصة في نواب التأسيسي الذين أخذت بعضهم العزة بمناصبهم الجديدة, وآخرون منهم أخذهم الاصطفاف السياسي بعيدا عن واجبهم تجاه جهاتهم, وآخرون اعتمدوا في تنمية مواهبهم القيادية على معلومات يستقونها من العامّة ومن أصحاب المصالح وبنوا عليها كل ّ قراراتهم السياسية, وجعلوا من التنمية التي لا يعرفونها ولا يعرفون كيف يتعاملون معها من آخر اهتماماتهم. وأمّا السيد محمد الهادي الوسلاتي, مدير عام التعاون الدولي بوزارة التنمية ويشغل خطة مدير لجنة متابعة المشاريع, فقد صرّح أيضا لأفريكان مانجير في 4 أوت 2012, بان تعطيل المشاريع التنموية يعود لسببين أساسيين, التمويل والإجراءات الإدارية. ويقول "بان 57 بالمائة من الصعوبات تكمن في التمويل نظرا لمحدودية مصادره" كما قال أيضا بان "بعض المشاريع تلاقي صعوبات في الإجراءات الإدارية مؤكدا على ضرورة تطوير وتوضيح المسارات داخل الإدارة وتبسيط الإجراءات الإدارية التي يتطلبها انجاز أي مشروع". ويذهب السيد وزير أملاك الدولة سليم بن حميدان في تصريح له بجريدة الشرق الأوسط في 22 أوت 2012, بان «غالبية أسباب تعطيل المشاريع التنموية تعود إلى مشاكل عقارية في تلك الجهات» واعتبر أن هذه المشاكل قد أجلت تنفيذ مجموعة كبيرة من المشاريع في جهات داخلية على غرار سيدي بوزيد (أراض اشتراكية تشترك المجموعة في ملكيتها) وقابس وبن قردان في الجنوب التونسي. وقد ذهبت جريدة الصباح في تحقيق لها نشر يوم 29 نوفمبر من السنة الجارية بان العنف كان من الأسباب الهامة في تقلص نوايا الاستثمار بالجهات, إذ تراجعت هذه النوايا في ولاية صفاقس من 28,3 مليون دينار مقابل حوالي 144 مليون دينار في نفس الفترة من السنة الماضية, كما تراجعت في جندوبة من 115,2 مليون دينار خلال السداسي الأول من 2011 إلى 65 مليون دينار في 2012, وفي القصرين تراجعت أيضا هذه النوايا إلى 56,8 م د بعد أن كانت قيمتها خلال نفس الفترة من سنة 2011 في حدود 102,2 م د. ولعل السؤال الأهم هو الذي تقدّمت به النائبة عبّو, فإذا تواجدت تمويلات المشاريع فلماذا يتعطّل الإنجاز, هل هناك أسباب أخرى غير تقاعس المجلس الجهوي وأعضاء التأسيسي, والإجراءات الإدارية المقعدّة و والمشكل العقاري والانفلات الأمني في بعض الجهات؟ هذا السؤال الذي لم يجب عليه الوزير الأول لاعتبارات سياسية, فانه يحتاج إلى تفكير عميق والى شجاعة خارقة لتحديد المسؤوليات. فالقول بان تعطيل التنمية بالجهات ليس سوى لعبة سياسية إستراتيجية لفائدة بعض الأحزاب له مبرّراته الواقعية, فانجاز مشروع تنموي يحسب سياسيا كنقاط انتخابية لفائدة الأحزاب الحاكمة, وإسقاط مشروع يحسب أصوات انتخابية مسحوبة من رصيد الائتلاف الحاكم. ويناء عليه فان هناك الكثير من مسئولي المؤسسات والمدراء ولحسابات سياسية ومصلحيّة فقد انخرطوا بشكل مباشر في تعطيل انجاز المشاريع اعتمادا على القوانين الموجودة, هذا داخل المؤسسة العمومية, وأما في الاستثمار الخاص فقد اعتمدت بعض الأحزاب لإثارة الشغب في بعض الجهات عند وصول بعض المستثمرين, الذين قرّروا في وقته وساعته بالعدول عن أي الاستثمار وعدم العودة إلى هذه الجهات. ولا يزالون يصرّون على تعطيل التنمية, ربما إلى أن يسقط الائتلاف الحاكم. ولذلك فالتنمية لن تكون أبدا مسؤولية الحكومة لوحدها وإنما هي مسؤولية الجميع, إذا تعطّلت فسيتحمّل الجميع المسؤولية, ومن هنا توجّب على الحكومة التحدّث بوضوح لشعبها التي انتخبها لتفسّر له كل الأسباب المساهمة في تعطيل التنمية. د. محجوب احمد قاهري