ترامب يضرب، إيران ترد: إسرائيل تحت النار والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    نسبة النجاح في المعاهد الخاصة تقدر ب 13 بالمائة بالمعاهد الخاصة خلال الدورة الرئيسية لإمتحان باكالوريا 2025    إيران: لا تلوث إشعاعي بعد القصف الأمريكي على منشآت نووية    نسبة النجاح العامة تبلغ 41.63 بالمائة في المعاهد العمومية خلال الدورة الرئيسية لإمتحان باكالوريا 2025    104 مترشحا بصفة فردية يحجزون مقاعدهم في مدرجات التعليم العالي    مونديال الأندية (المجموعة الخامسة) : مقابلة ريفر بلايت و مونتيري بدون فائز (فيديو)    كأس العالم للاندية.. فلومينينسي البرازيلي ينتصر على أولسان الكوري الجنوبي    ترامب.. قصفنا 3 منشآت نووية إيرانية ودمرنا موقع فوردو    ترامب يوجه خطابا للأمة والعالم بعد قصف منشآت إيران النووية    أنصار الله.. على واشنطن تحمل تبعات هجومها على المواقع النووية في إيران    التلفزيون الإيراني: تم إخلاء المنشآت النووية الثلاث في نطنز وفوردو وأصفهان منذ فترة    بعد إطلاق سراحه من سجن أمريكي.. الناشط محمود خليل يتعهد باستئناف تأييده للفلسطينيين    عاجل/ تتصدرها شعبة الرياضيات: التفاصيل الكاملة لنتائج الدورة الرئيسية لبكالوريا 2025..    منظمة الأطباء الشبان ترد على بيان وزارة الصحة: ''مطالبنا حقوق.. لا إنجازات''    أخبار الحكومة    شارع الفل ببن عروس.. خزنة توزيع الكهرباء خطر محدّق؟    وزارة الفلاحة تحذّر    نتائج الدورة الرئيسية للباكالوريا .. 37.08 % نسبة النجاح والتميّز للرّياضيات    قصور الساف .. «حكايات القهوة» بدار الثقافة البشير بن سلامة .. سحر البُن.. وعبق الإبداع والفن    المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون .. صابر الرباعي في الافتتاح وغزّة حاضرة    صيحة فزع    رانيا التوكابري تتوّج بجائزة ''النجاح النسائي'' في مجلس الشيوخ الفرنسي    بطولة الجزائر - مولودية الجزائر تتوج باللقب تحت قيادة المدرب خالد بن يحيي    أنس جابر تغادر بطولة برلين في الزوجي والفردي    استخدام المروحة ''عكس المتوقع'': الطريقة الأذكى لتبريد المنزل في الصيف    بطولة افريقيا للرقبي السباعي بالموريس: المنتخب التونسي ينهي الدور الاول في المركز الثالث    كأس العالم للأندية 2025: برنامج مباريات السبت 21 جوان    حملة رقابية مشتركة بشاطئ غار الملح: رفع 37 مخالفة اقتصادية وصحية    بكالوريا 2025: نجاح ب37% فقط... ورياضيات تتفوّق ب74.9%    الميناء التجاري بجرجيس مكسب مازال في حاجة للتطوير تجاريا و سياحيا    عاجل: بداية الإعلان عن نتائج الباكالوريا عبر الإرساليات القصيرة    الدورة 56 لمهرجان الساف بالهوارية ستكون دورة اطلاق مشروع ادراج فن البيزرة بالهوارية ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لليونسكو (مدير المهرجان)    المنستير: انطلاق المسابقة الدولية في التصوير الفوتوغرافي والفيديو تحت الماء بعد تأجيلها بيوم بسبب الأحوال الجوية    المهدية : تنفيذ عمليات رقابية بالمؤسسات السياحية للنهوض بجودة خدماتها وتأطير مسؤوليها    عاجل/ نفوق أسماك بشواطئ المنستير.. ووزارة الفلاحة تدعو إلى الحذر..    مدنين: 56 مريضا ينتفعون من عمليات استئصال الماء الابيض من العيون في اليوم الاول لصحة العيون    محسن الطرابلسي رئيسا جديدا للنادي الإفريقي    قبلي: اجراء 37 عملية جراحية مجانية لازالة الماء الابيض في اطار اليوم الوطني الاول لصحة العيون    تعمّيم منصة التسجيل عن بعد في 41 مكتبا للتشغيل بكامل تراب الجمهورية    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    "اليونيدو" والوكالة الايطالية للتعاون من أجل التنمية توقعان اتفاقا لتمويل مشروع "تونس المهنية " بقيمة 5ر6 مليون اورو    الكاف: لأول مرة.. 20 عملية جراحية لمرضى العيون مجانا    فيديو من ميناء صيادة: نفوق كميات هامة من الأسماك بسبب التلوث    وزير السياحة: التكوين في المهن السياحية يشهد إقبالاً متزايداً    عاجل/ الاحتلال يعلن اغتيال قائدين بارزين في الحرس الثوري الإيراني..    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بعد فوزه على لوس أنجلوس... الترجي الرياضي يدخل تاريخ كأس العالم    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عودة دولة الفاسدين تبدأ بخلط المفاهيم ونشر الخرافات ..

إذا صاح الديك قبل شروق الشمس فهذا لا يعني أن الشمس أطلت علينا بفضل ذلك الديك. إذا أكل شخص صحن ملوخية ثم توفي بعد دقائق فهذا لا يعني أن صحن الملوخية هو سبب الوفاة. إذا ساهمت قناة الجزيرة في تغطية حراك 17 ديسمبر في تونس فهذا لا يعني أن الانتفاضة كانت مؤامرة قطرية. إذا تخاصم لص جديد مع اللص الذي يسرقك كل يوم فهذا لا يعني أن اللص الجديد طيب ويبحث عن خلاصك.
مجموعة من هواة الصيد السويديين وقع إيقافهم عندما كانوا في طريقهم إلى المطار يوم 15 جانفي 2011 وفي حوزتهم بعض البنادق التي يظهر من شكلها أنها بنادق صيد، فيقع استغلال هذه الحادثة من بعض العباقرة و"المثقفين" و"المحللين" الذين ذاع صيتهم في المدة الاخيرة، لتفسيرها على أنها عملية قبض على قناصة جاؤوا من الخارج للتآمر على بن علي...
القرضاوي وقادة الإخوان سيلجئون إلى الإقامة في تونس ... قناصة من الموساد دخلوا إلى تونس للتآمر على بن علي ...
ما ذكرناه آنفا يمثل قليلا من كثير... خرافات لا علاقة لها بالمنطق ينشرها العباقرة ونجوم الإعلام هنا وهناك، ويعيد الناس نشرها واجترارها بكل حماسة، فنسمع أشياء صادمة ومثيرة للحيرة، كأن يقوم أحد الفاعلين الفكريين بنشر واجترار معلومات وتحليلات ساذجة لا علاقة لها بأبسط قواعد التحليل. والغريب في الأمر أن يجد آذانا صاغية ويتحصل على عدد كبير من المعجبين بعبقريته.
هذه تقريبا الحالة العامة السائدة في تونس، والأسباب لا تعود إلى الغباء فحسب بل هناك عوامل متداخلة ومتشابكة يمثل الغباء جانبا منها. فالكثير من الفاعلين ينشرون هذه الخرافات بطريقة ممنهجة لإحداث هستيريا وحالة شلل وتخبط ذهني لدى العامة، ولخلط الأوراق بطريقة ممنهجة حتى يختلط الحابل بالنابل وحتى يقع تمييع القضايا الأساسية. فيتحول اللص إلى منقذ ويتحول الجلاد إلى ضحية ويتحول الفساد إلى فضيلة ويتحول المناضل إلى مخرب ويتحول قائل الحق إلى عميل ويتحول الغبي غلى عبقري ويتحول العبقري إلى جاهل معزول ... إنها عملية خلط للقيم والمفاهيم بطريقة ممنهجة.
هذه الحالة العامة السائدة في تونس تعود أساسا إلى مناخ التخلف. وهنا لا نقصد التخلف بذلك المنظور السطحي – البرجوازي الصغير - الإستعلائوي، فالتخلف مسألة معقدة، ولا علاقة له بالتحصيل المعرفي والتقني والعلمي، ولا علاقة له بالمكانة الاجتماعية ومستوى الرفاه المادي. وهناك دراسات تربط بين التخلف من جهة والاستبداد القهر من جهة ثانية، سواء كان مصدر القهر والاستبداد داخليا أو خارجيا، فالاستبداد قد يكون ماديا أو معنويا أو حضاريا، وقد يكون متغلفا بنوع من الرفاه والترف المادي فيتحول إلى مبادئ وسلوكيات اجتماعية تعيق التطور وتشوه نسق التنمية الشاملة والرقي.
التخلف مسألة معقدة وشائكة تجعل الفرد - مهما كان مستواه الطبقي والتعليمي والمعرفي - مشتت الذهن ومتناقضا وانتهازيا واستعراضويا ومتسلقا، وهذا ما يعيق التطور والتنمية والرقي. وإن كانت انتفاضة 17 ديسمبر 2010 وفرت نسبيا مجالات من الحرية السياسية وحرية التعبير، إلا أن مخلفات الاستبداد ما زالت قائمة وفاعلة كما أن الاستبداد بمضامينه الواسعة ما زال قائما باعتبار التبعية الاقتصادية وتغوّل بيروقراطية الدولة والتدخل الخارجي والنزعات الانتهازية لدى أغلب السياسيين الذين يعيشون حالة تخبط.

في الأيام الأخيرة وقع طرح مسألة التفويت في أحد الشركات الفرنسية. وكانت الدوائر السياسية الفرنسية الرسمية تقدم للعموم الفرضيات والخيارات حول الجدوى الاستراتيجية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية لهذه العملية. أما في تونس فيأتي العرض جاهزا من الكواليس وفي أقصى الحالات يقع عقد ندوة صحفية لتقديم صورة طوباوية عن عمليات التفويت في المقدرات الوطنية. وفي نفس الوقت تشهد الساحة الحزبية والإعلامية والإجتماعية غوغائيات وتنبيرات ومزايدات انتخابية ومشاحنات ايديولوجية فارغة.
بعد الضجة التي أحدثها الزحف القطري على شركة تونيزيانا وتحويل اسمها إلى أوريدو. كانت ردود الفعل متباينة، فهناك كتلة واسعة تدعو إلى مقاطعة هذه الشركة والالتجاء إلى شركة تيليكوم. ولكن لاحظت في بعض الأحيان استنكارا من بعض الأفراد الذين رأوا أن هذا الطرح ساذج، وهؤلاء الأفراد معنيون بهذه الشركة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كأن يكون الفرد أو أحد أقربائه المقربين عاملا في هذه الشركة. وفي هذه النقطة لن نتحدث بمنطق الإيجابي والسلبي ولن ننحاز إلى أي رأي ولن نقيّم المردود الاجتماعي والاقتصادي لهذه الشركات، إنما نشير إلى هذه الظاهرة ونوعية ردود الفعل.
هذه النقطة السوسيولوجية تبين لنا بعض الجوانب المخفية من الذهنية التونسية المتخلفة. وتتعدد الأسباب بين التشتت الذهني / الموروث الإستبدادي / مخلفات الاستبداد / غياب الشفافية / غياب الثقافة والإطلاع على المستجدات الكونية حول هذه المطبات .../ نوعية الإعلام ونوعية الأعمال الإعلامية التي يقبل عليها التونسي / الإعلامي الذي لا يحبذ مثل هذه الأعمال لأنها لا تضمن له الشهرة و كثرة القراء. / المشاحنات الحزبية والإيديولوجية التي يطغى عليها طابع الإسهال والانفلات...
تونسي يعشق ياسين العياري ويعتبره عبقريا وينشر خرافاته لا لشيئ إلا لأنه من أنصار النهضة ... تونسي يعشق قيس معالج أحيانا ويكرهه أحيانا أخرى وينشر خرافاته حسب المزاج لا لشيئ إلا لأنه يشتم هذا الطرف السياسي أحيانا وذلك الطرف السياسي أحيانا أخرى ... تونسي يعشق جلال بريك لا لشيئ إلا لأنه يكره النهضة... تونسي يعشق بن عرفة أحيانا ويكرهه أحيانا أخرى وينشر خرافاته حسب المزاج لا لشيئ إلا لأنه يشتم هذا الطرف السياسي أحيانا وذلك الطرف أحيانا أخرى... تونسي ينشر كتابات منسوبة زيفا لعبد الباري عطوان وهو لا يعرف عبد الباري عطوان أصلا ولم يطالع له مقالا، لا لشيئ إلا لأن ما قرأه فيه شتم لطرف سياسي معين... تونسي ينشر خرافات من قبيل أن القرضاوي وقادة الإخوان يستعدون للإقامة في تونس ... تونسي ينشر خرافات من قبيل أن القناصة هم عملاء من الموساد تسللوا إلى تونس وفروا يوم 14 جانفي 2011 ...
بعد كل هذا لم يعد غريبا أن تسيطر اللوبيات والمافيات على البلاد وتتحكم في التونسيين ....
ماكينة بن علي نجحت في إخضاع التونسيين طيلة 23 سنة وكان ذلك تحت ذريعة الأمن والأمان ومقاومة الإرهاب. أما اليوم فالأساليب تختلف نوعا ما، فنفس الماكينة نجحت في إرجاع الأوضاع إلى نفس النقطة انطلاقا من تفاصيل صغيرة ( عرض فيلم لا ربهم لا سيدهم ؛ تشويه المطالب المشروعة وتحويلها بطريقة ممنهجة إلى مطالب من أجل الزطلة) ويبدو أن هذه الماكينة ما زالت تعمل وتستغل بعض التفاصيل السوسيولوجية الدقيقة من أجل الإبقاء على نفس السياسات ونفس المصالح التي تتمتع بها فئة قليلة في الداخل وبعض الدوائر الخارجية. فالتونسي قد يعتبر الفساد والرشوة أشياء عادية وطبيعية، لكن تثور ثائرته بمجرد أن تقول له ان هناك من اعتدى على الإسلام في ذلك الركن أو ذاك، فيضخم الحدث الخاص ويسقطه على العام ويحيد ذهنه غريزيا عن القضايا الأساسية.
التونسي أيضا قد يتسامح مع اللص خاصة إذا كان مدججا بالثروة والمال، لأنه يمثل نجما ومثالا للنجاح الإجتماعي باعتباره جمع ثروة كبيرة في وقت قياسي وبدون مجهود، لكن هذا التونسي لا يتسامح مع من يدخن سيجارة زطلة ويرى في ذلك جريمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.