بمجرد حصول حزب حركة النهضة على "الوقت المستقطع" في مباراة الحُكْم الفريدة من نوعها عبر العالَم حيث هو يخوضها على واجهات ثلاث محلية وإقليمية ودولية مُفضّلا -كما قال الباجي قايد السبسي- الخسارة الصغرى على الخسارة الكبرى، عاد هذا الحزب إلى "تدوير الدولاب" ... و"تدوير الدولاب" هذا يجري كما هو معلوم على ثلاثة محاور مترابطة: أولها إذكاء الجانب الدعوي وتحصين الإسلام الذي هو طبعا في خطر، وثانيها تعزيز العمل الأهلي والخيري الذي هو شيءٌ من غير اختصاص الأحزاب، وثالثها تأصيل الحزب في محيطه الوطني أو "تونسة النهضة" كما يُطلق عليها بإيهام الرأي العام بأنّ الحزب بات مَعملا للتنازلات من أجل تونس ! [2] صبيحة أول أيام الباكالوريا بغمراسن، شهدنا أمام معهد 2 مارس 34 وهو أحدُ مركزيْن لاختبارات الباكالوريا بالمدينة، جولة من جولات "تدوير الدولاب"، كان بطلها شباب حزب حركة النهضة بغمراسن، تمثلت وقائعها في "نصبة" للعصير وبطاقات دعائية دعوية مُحلاّة بشريط زرقاوي رقيق ، قُدّمَت للتلاميذ الذين كانوا يتأهبون للدخول إلى المعهد، شدّا لإزرهم وشحذا لهمهم وحفزا لمعنوياتهم .. أو هكذا شُبِّه للقائمين على "النصبة" هي ذي النسحَة المستحدثَة من "شبابُ العُلَى" .. ذاك الذي طالما جعلَه لمين النهدي مادة لكوميدياته المُرّة هزءًا وتهكما من سياسات ابن علي الشبابية وحماساتها الكاذبة وسخافاتها الذاهبة من "شباب التغيير" إلى "ميثاق الشباب" إلى "الشباب هو الحل" إلى "السنة العالمية للشباب" .. إنها النسخة المستجدّة من الشباب الذي أعيا الثورة وأعجزَها فلم تملك له تبديلا .. الشباب الذي مازال يرتضي لنفسه أنْ يلعب دور "الكومبارس" الصبور والمثابر على تأثيث كل المواكب والاحتفاليات التي يُصمّمها الآباء الحزبيون من الباك إلى العودة المدرسية إلى الأعياد الوطنية والدينية إلى المهرجانات الخطابية والفولكلورية .. إلى العُطل إلى يوم العلم ويوم الجزّ ويوم الزيتونة ويوم المقرونة .. وكل ما يُمكن أنْ يَرِدَ على خيال الأحزاب من الأيام .. واليالي في بدر التمام. [3] هذا بعضُ ما عساي أن أقول .. وقد ناحت بقرب معهد 2 مارس بغمراسن هذا الصباح الحمامة الزرقاء ! التي ردّتني إلى حمامة أبي فراس الحمداني في أسره رغم المسافات الفارعة بين النُواح الوجداني الفذّ لحمامة الشاعر والنُواح السياسي الفجّ لحمامة الحاكم .. علما بأنّ النقابيين قد سارعوا إلى التصدّي للأمر وإخطار كل الأطراف ذات الصلة بالامتحان وبالمؤسسة التربوية الواجب بقاؤها على الحياد بمقتضى الدستور والقانون .. وكان من ثمار ذلك حَملُ شباب الحزب المذكور على الانسحاب من المكان بعد تدخل السلطة الإدارية والأمنية.