كثر الحديث مؤخراً عن ظاهرة التحرش الجنسي في العديد من الدول العربية على غرار مصر وتونس، خصوصاً إثر انطلاق الثورات في الدول العربية. وعلى الرغم من ان هذه الظاهرة ليست بجديدة سواء في مجتمعاتنا أو في الدول الغربية، إلا ان عديد المؤشرات توحي بتفاقمها خلال السنوات الأخيرة، حيث باتت أنباء الاعتداءات تصل إلى مسامعنا بشكل شبه يومي. ولعلّ أكثرها خطورة هو ما حصل في مصر خلال الاحتفال بتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً بميدان التحرير حيث تعرّضت سيدة لاغتصاب جماعي وحشي وتمت تعريتها بشكل كامل دون أي مراعاة لإنسانيتها. الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أعلنت في وقت سابق ان عدد المغتصبات في تونس بعد الثورة تضاعف ليصل إلى حوالي 1050 حالة أي بمعدّل 3 حالات يومياً. كما أفادت ان هذه الظاهرة لم تعد تهدد النساء والمراهقين فقط بل الأطفال كذلك. وفي هذا السياق، أكد الباحث يوسف بلحاج رحومة في حوار خصّ به حقائق أون لاين اليوم الخميس ان هذه الظاهرة موجودة قبل ما يسمى بالربيع العربي، لكن وقع تسليط الأضواء عليها أكثر بعد تحرر الأقلام ووسائل الإعلام. وأضاف أنها تفاقمت نظرا لضعف القبضة الأمنية وكثرة التحركات الإجتماعية، فضلاً عن تغول تنظيمات الإسلام السياسي ووصولها إلى السلطة في عديد البلدان، الأمر الذي أدى إلى تسويق صورة عن المرأة تربط بين لباسها وأخلاقها وسلوكها، هذا بالإضافة إلى تحميلها مسؤولية "الفساد" والانهيار الاجتماعي والاستحواذ على مناصب الذكور في سوق الشغل. واعتبر محدثنا انه بالإضافة إلى القوالب الجاهزة والنمطية التي يقع اجترارها يوميا في وسائل الإعلام، من قبيل الكبت والعقليات الذكورية وما إلى ذلك، فإن التحرّش يمكن ان يعدّ امتداد لمناخ التسلط والاستبداد والاستلاب الاقتصادي والاجتماعي المتسلسل في شكل هرمي من السلطة إلى المجتمع وعلاقاته الإنتاجية وصولا إلى العائلة والتعامل المجتمعي مع المرأة. وأشار إلى أن هذه الظاهرة موجودة في البلدان الديمقراطية والمتقدمة، وأحيانا تكون لا علاقة لها بالعوامل الاقتصادية، بل تكتسي طابع الانحراف والشذوذ. وبيّن رحومة ان العوامل الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وصعوبة الحياة قد تلعب أدوارا محورية في تغذية هذه الظاهرة قائلاُ انه في مصر مثلا تتم عمليات التحرش انطلاقا من تجمعات كبيرة تضم المئات وأحيانا الآلاف، ويلعب عامل السلوك الجمعي (psychologie de foule) دورا في تغذيتها. وتكون العملية بمشاركة جماعية تكتسي طابعا عنيفا مصحوبا بعملية تمزيق لملابس الضحية. وهذه العملية تحمل طابعا رمزيا يقوم على أساس رد فعل عنيف ناتج عن شحنة من القهر مستمدة من صورة اجتماعية سائدة تضع "الذكر" أمام مساومة لسان حالها يقول : " إذا أردت الحصول الاخلاقي والمشروع على ذلك الجسد المثير والمستفز الذي يتمايل داخل تلك الملابس، عليك الحصول على عمل ومسكن ثم إبرام عقد زواج". لكن تحقيق تلك الشروط ليس سهلا وليس متاحا لكتلة اجتماعية واسعة من الشباب. فتمزيق تلك الملابس وكشف ذلك الجسد وملامسته هو ناتج عن قهر لا يحمل طابعا جنسانيا فقط، باعتبار أن الحصول على جسد الأنثى متاح لدى بائعات الهوى مقابل بعض الجنيهات، بل يحمل طابع تمرد على معايير اجتماعية تعجيزية وحالة من الإحباط والعجز، بحسب الباحث. وختم يوسف بلحاج رحومة بالقول ان التصدي إلى هذه الظاهرة يكون بإرساء تشريعات صارمة، وبتكريس ثقافة التضامن بين جميع مكونات المجتمع من أجل التصدي إلى المعتدين وتضييق الخناق عليهم ، وكذلك بتهذيب الذوق من خلال التربية والتنشئة السليمة. هذا بالإضافة إلى القضاء على الاستبداد والقهر والاستلاب الاجتماعي والاقتصادي.