بالتعاون مع مركز التضامن الأمريكي نظمت جامعة النسيج يومي 25 و26 ماي 2012 بمدينة الحمامات الشماليّة ندوة حول «الاقتصاد غير المنظّم»، الندوة شهدت حضور أعضاء الجامعة العامة والكتاب العامين للنقابات الأساسية الذين عبّروا عن انشغالهم من استفحال هذه الظاهرة المهددة لديمومة المؤسسات في القطاع وللحقوق المادية والاجتماعيّة التي راكمها عمّال النسيج بفضل النضالات النقابيّة على مدى سنوات. الاقتصاد غير المنظّم قدّم الأخ نبيل الهواشي في اليوم الأول من الندوة مداخلة تأطيريّة شخّص من خلالها المشكلات التي يسببها الانتشار المتزايد للوحدات الإنتاجية غير المنظمة، أهمّ ما جاء فيها: مفهوم الاقتصاد غير المنظم يعرف الاقتصاد غير المنظم أو غير المهيكل أو غير الرسمي بكونه مجموعة الوحدات الإنتاجية غير المسجلة إداريا. يعني ذلك وحدات الإنتاج التي لا تدخل ضمن الإطار القانوني المحدد من قبل الدولة والذي يتطلب مسبقا التسجيل الإداري والقيام ببعض الإجراءات الإجبارية وبالأخص الاشتراك في نظام الضمان الاجتماعي و التصريح لدى مصالح الجباية. خصائص الاقتصاد غير المنظم يستوعب الاقتصاد غير المنظم عمالا لولاه لأصبحوا دون عمل أو دخل وخاصة بالبلدان النامية التي بها قوة عاملة كبيرة وسريعة النمو. إن معظم الناس يدخلون منشآت الاقتصاد غير المنظم لا باختيارهم بل لحاجتهم إلى البقاء على قيد الحياة في ظروف البطالة والبطالة المقنعة والفقر المدقع تصبح إمكانات الاقتصاد غير المنظم على توليد الوظائف والدخل كبيرة بسبب سهولة دخوله وما يتطلبه من شروط بسيطة في مجالات التعليم والتكنولوجيا والمهارات ورأس المال.لكن غالبا ما تفشل الوظائف التي يتم إنشاؤها على هذا النحو في احترام معايير العمل اللائق لأنّ العمال في الاقتصاد غير المنظم لا يعترف بهم ولا يتم تسجيلهم أو تنظيمهم أو حمايتهم فهم لا يتمتعون بحقوقهم الأساسية ولا يمارسونها ولا يستطيعون الدفاع عنها، وأنّ العمل في ظل الاقتصاد غير المنظم ينجز في فضاءات صغيرة وظروف غير مأمونة وغير صحية ومستويات منخفضة من المهارات والإنتاجية ومداخيل زهيدة وساعات عمل طويلة. حيث يتعرض معظم العمال في الاقتصاد غير المنظم لمخاطر جمّة ويعانون ضيق العيش ورغم ذلك فإن الحماية الاجتماعية المتاحة لهم منعدمة. وبخلاف الضمان الاجتماعي التقليدي فهم لا يتمتعون بحماية اجتماعية في مجالات مثل التعليم وتكوين المهارات والتدريب والرعاية الصحية ورعاية الأطفال وهذه لها أهمية كبرى خاصة بالنسبة إلى المرأة العاملة. كما أن المنشآت غير المنظمة كثيرا ما لا تسدد الضرائب ولا تدفع استحقاقات العمال وبذلك تشكل منافسة غير مشروعة للمنشآت المنظمة. كما أن العمال والوحدات الاقتصادية في الاقتصاد غير المنظم لا يسهمون دائما في دفع الضرائب الأمر الذي يحرم الحكومات من إيرادات هامة وبالتالي يحد من قدراتها على توسيع نطاق الخدمات الاجتماعية. كما يوفر الاقتصاد غير المنظم بيئة خصبة لاستنبات عمل الأطفال. وعمل الأطفال مقوم أساسي من مقومات الاقتصاد غير المنظم وهو ما يقوض استراتيجيات خلق العمالة وتخفيف حدة الفقر فضلا عن برامج التعليم والتدريب واحتمالات التنمية. إضافة إلى ذلك لا يستطيع العمال في الاقتصاد غير المنظم متابعة حقوقهم من خلال المفاوضة الجماعية أو ممارسة الضغط على مقرري السياسات بشأن عدة قضايا.إن الشباب والنساء يشكلون جل العمال في الاقتصاد غير المنظم الذين يعملون بلا تمثيل ولا صوت. الأطراف المتضررة وقد حددت الأطراف المتضررة من هذا النمط الاقتصادي غير المنظم بالدولة بسبب حرمان ميزانيتها مما ينبغي أن يتأتى لها من مداخيل. والأعراف جراء المنافسة الشرسة لأنشطتهم من الهيئات الإنتاجية غير الرسمية والعمال بسبب شبح البطالة الذي يتهددهم باستمرار بفعل واقع المنافسة غير المتكافئة الناشئ عن انتشار المنشآت غير الرسمية النقابات جراء وجود عمال خارج دائرة الفعل النقابي غير مؤطرين وغير مدرجين على قوائم الانخراط. تطور الاقتصاد غير المنظم وكثيرا ما يرجع نمو الاقتصاد غير المنظم إلى خيارات اقتصادية متخلفة وسياسات اجتماعية غير ملائمة كثيرا ما توضع دون تشاور ثلاثي. كما يرجع إلى نقص الأطر المؤسسية والافتقار إلى أجهزة الحكم الرشيد. نتيجة خوصصة المؤسسات العمومية وما ارتبط بها من تسريح للعمال وطرد تعسفي جراء تطبيق سياسات الإصلاح الهيكلي وهو ما يشكل سببا مهمّا لازدهار الاقتصاد غير المنظم. ولعلّ تدني مستوى الأجور وانخفاض القدرة الشرائية للأجراء يمثلان سببين رئيسيين للبحث عن مصادر دخل إضافية لا يمكن الحصول عليها إلا في مقاولات الاقتصاد غير الرسمي. كما أنّ تسارع نسق ظاهرة التحضر بفعل تزايد الهجرة من المناطق الريفية المحرومة في اتجاه المدن بحثا عن شغل هو من العوامل الدافعة لانتشار الوحدات غير النظامية. بالإضافة إلى أنّ تراجع مجانية التعليم وتنامي ظاهرة التسرب المدرسي هو من الأسباب التي تقف وراء انتشار منشآت الاقتصاد غير المنظم. ورشة مفتوحة للجميع اختار الإخوة المؤطرون أن يكون العمل داخل ورشة واحدة بطريقة تفاعليّة تعتمد أسلوب التنشيط الذي يقوم بالأساس على الخبرة الميدانيّة للنقابيين من خلال تعاملهم مع المنشآت غير المنظمة، وحجم المشكلات التي يتعرضون لها خاصة في الدفاع عن الحقوق الشغليّة والاجتماعية للعمّال لينتهوا من خلالها إلى تشخيص عملي للمعضلة والتوصّل إلى الحلول المناسبة لتجاوزها على مستوى قدرتهم على إقناع العمّال داخل هذه المنشآت بالانتظام في هياكل نقابيّة تضمن استمراريّة مواطن رزقهم دون التفريط في حقوقهم الماديّة والمعنويّة وذلك بدفع أصحاب المؤسسات غير المنظمة إلى التسجيل الإداري والقيام ببعض الإجراءات وخصوصا الاشتراك في نظام الضمان الاجتماعي و التصريح لدى مصالح الجباية وخاصة احترام حقوق العاملين بالمؤسسة. التهريب أكبر معضلة أكّد الأخ حبيب الحزامي على أهمية قطاع النسيج ودوره في الدفع بالاقتصاد التونسي وقدرته على ضمان تشغيلية عالية رغم الأزمات التي مرّ بها قبل وبعد الثورة وخاصة في ظلّ حالة الانفلات الاجتماعي وتردّي الظروف الأمنية، وذكّر بسرعة عودة القطاع إلى ظروفه نشاطه الطبيعيّة بفضل دور الجامعة العامة للنسيج وبقيّة الهياكل النقابيّة في وقفة حازمة مع رجال الأعمال والمستثمرين من خلال الحرص على تقديم خطاب تطميني يؤكد أن الاستقرار الاجتماعي والأمني رهين التوافق بين الأطراف الاجتماعيّة من خلال الحوار المسؤول. ولعلّ الإشكاليات العالقة في بعض المؤسسات والمناطق تعود حسب رأيه إلى غياب التجاوب من قبل عديد الأطراف الشريكة في قطاع النسيج. ويعتبر أنّ المشكل المؤرق يعود إلى الاتفاقيّة المشتركة في الملابس والأحذية والنسيج التي تحتوي على بنود لم تتغيّر منذ عقود، ما يتسبب في الحدّ من طموح العمّال في الترقية وتحسين وضعياتهم والتطلع إلى آفاق مستقبليّة من حيث الدرجة وتحسين الأجور وهو ما سبب لنا تأخيرا عن بقيّة القطاعات بما قيمته ال 10 دنانير أي ما يعادل قرابة 170 دينار تأخير في الأجور من سنة 1990 إلى سنة 2007. ويضيف الأخ حبيب: وقد اقترحنا في مجمع القطاعات أن يكون التفاوض في النسيج قطاعيا نظرا إلى خصوصيّة المشكلات. فهل يعقل في سنة 2012 وإثر الثورة أن يتقاضى عمّال النسيج من خلال التقدم في نظام الاقدميّة ثلاث مليمات ؟. أمّا بالنسبة إلى لاقتصاد غير المنظم الذي انتشر داخل قطاع النسيج فيؤكد الأخ حبيب على أنّه ورغم كون المسؤولية الأولى تعود إلى الدولة فإن الجامعة العامة تقترح رؤية للحد من تأثيراته التي تفاقمت أكثر من الضعفين اثر الثورة، مثل الحدّ من التهريب وتعديل المعاليم الديوانيّة حتى تكون بحسب مواصفات السلع المستوردة وخاصة في قطاعي الاحذية والملابس. فعلى الدولة أن تعلم أن سبب غلق عديد المؤسسات يعود إلى استفحال ظاهرة الاقتصاد غير المنظم وإغراق الأسواق بالسلع المهربة وهو ما يتطلب منها تكثيف المراقبة من قبل الجهات المختصة الإدارية والديوانية والصحيّة. وذلك للتقليص من انتشار هذا الاقتصاد الموازي غير المنظم عبر تنظيمه وحصره في فضاءات خاصة مراقبة تخضع للضريبة نظرا إلى صعوبة القضاء عليه نهائيا في ظلّ الظروف الاقتصادية الحاليّة. تغييب الصحّة والسلامة المهنيّة الأخت عايدة الزارعي الكاتبة العامة المساعدة بجامعة النسيج والمسؤولة عن الإعلام والنشر تحدثت عن وضع المرأة داخل القطاع وأكدت أنها تمثل نسبة 85 بالمائة من اليد العاملة وهي المعرضة إلى الكثير من المشاكل خاصة على مستوى الصحّة والسلامة المهنيّة (أمراض على مستوى الظهر والرقبة بسبب الكراسي) بالإضافة إلى تردي المرافق الصحيّة التي تشهد نقصا كبيرا (خاصة دورات المياه وغرف تغيير الملابس) إضافة إلى كون العاملات معرضات إلى التحرّش الجنسي وخاصة في المؤسسات غير المهيكلة نقابيا والتي وصلت حدّ الاعتداءات على كرامتهن الجسديّة والمعنويّة، واستغلالهنّ مقابل أجور زهيدة وخاصة بالنسبة إلى العاملات الصغيرات المتربصات اللاتي يؤدين عملا كاملا ولا يتمتعن بأجور مناسبة. ومن المشكلات التي تواجهها المرأة في العمل عدم الاستمراريّة نتيجة الزواج وتغيير مقرّ السكن وخاصة الحمل وهو ما يدفع العديدات منهنّ إلى إخفاء حملهنّ حتّى لا يتمّ طردهنّ نظرا لعدم تمتعهنّ وبالأخص المتعاقدات وهنّ الأغلبية بالحقّ في إجازات الحمل والمرض. أمّا في قطاع الأحذية فتحدثت الأخت عايدة عن انتشار ظاهرة تشغيل الأطفال الصغار بأجور متدنية وعدم تمتيعهم بشهادات الخلاص والضمان الاجتماعي مقابل العمل لمدّة تصل أحيانا 12 ساعة في محلات صغيرة ومغلقة غير مجهزة بالتهوية ممّا يتسبب لبعضهم في حالات إدمان نتيجة استنشاق مواد اللصق (كول) وتنتشر هذه الظاهرة خاصة في المنشآت غير المنظمة التي لا تخضع للصحّة والسلامة المهنيّة. مفاوضات جادة الأخ فوزي بن مراح كاتب عام مساعد مسؤول عن الدراسات والتشريع اعتبر إن من أهمّ المطالب داخل قطاع النسيج الدخول في مفاوضات جادة في الجانبين الترتيبي والمهني نظرا لأهمية الجانبين، ففي الجانب الترتيبي اعتبر أن من أهم الأولويات فتح الآفاق المسدودة بالنسبة إلى العمّال بخصوص الترقية في القطاعات الثلاثة النسيج والملابس والأحذية وتحسين الأجور، وتمتيع العمّال بالتكوين والتدريب وهو ما «اتفقنا ونصصنا عليه في الجولة السابقة للمفاوضات وبقي حبرا على ورق ولم يقع تفعيله من طرف أرباب العمل»، وايلاء أهمية لمقاييس الإنتاج باعتبارها المحدد الرئيسي للحياة المهنيّة داخل المؤسسة وهو ما يستدعي نشر ثقافة علميّة داخل المؤسسات تجعل العامل والمؤجر يعرفان حقوقهما وواجباتهما وهو ما يضمن تقدّم وازدهار المؤسسة ويستبعد سوء الفهم بين المؤجر الذي يتصور أن العامل لا يقدم المجهود الكافي والعامل الذي يعتقد أن المؤجر يستغل مجهوداته دون إعطائه حقه. العامل مطالب بالوعي بأن أجره يقابل المجهود الذي يبذله وأن كل جهد زائد منه (ساعات عمل إضافية) يستحق أن يجازى عليه بمنحة دون أن يتخطّى الحدّ الذي يسبّب له أضرارا جسديّة مزمنة وان يفهم العلاقة بين مقاييس الإنتاج ومنحة الإنتاجيّة. كما أكّد الأخ فوزي على ضرورة إعادة النظر في التصنيف المهني نظرا إلى تطوّر عديد المهن وتشعّب الاختصاصات وتنوع القدرات الفنيّة وتعقّد الآلات المستخدمة وهو ما لم ينعكس في التشريعات ولا في التصنيف الذي تمّ وضعه عام 1973، وأشار إلى ظروف العمل المتردية للعمال والمتميزة بضيق مكان العمل وسوء المرافق الصحيّة وغياب التهوئة الكافية وهو ما يضرّ بصحّتهم ويؤدي إلى انقطاعهم المبكّر عن العمل لأسباب صحية مع نظام عمل ب 48 ساعة - بين 8 و9 ساعات يوميا بما فيها يومي السبت والأحد عند ضغط العمل مع تقاعد يصل ال 60 سنة وهو ما يجعل من المهنة شاقة رغم عدم إدراجها من ضمن الأعمال الشاقة. أمّا فيما يخصّ المطالب المهنيّة فأكد الأخ فوزي أن الجامعة تطالب بعديد المنح مثل التنقل واللباس ونصف اليوم والمواظبة والحضور وهي منح زهيدة مثلها مثل الأجور، يضاف إليها الفارق المالي البسيط بين الأصناف في الترقيات الذي يكاد يكون نفسه بين عاملين تفصلهما 10 سنوات عمل، وتمنّى أن تكون الزيادات القادمة في القطاع محترمة تغطّي الطاقة الشرائيّة للعمال وتحسن من وضعياتهم الاجتماعية.