فضيحة تعاطي كوكايين تهز ال BBC والهيئة تستعين بمكتب محاماة للتحقيق نيابة عنها    اليوم: أحمد الجوادي ينافس على ذهبية سباق 1500 متر في بطولة العالم للسباحة بسنغافورة    بطولة العالم للسباحة: الأمريكية ليديكي تفوز بذهبية 800 م حرة    برنامج متنوع للدورة ال32 للمهرجان الوطني لمصيف الكتاب بولاية سيدي بوزيد    تقية: صادرات قطاع الصناعات التقليدية خلال سنة 2024 تجاوزت 160 مليون دينار    وزارة السياحة تحدث لجنة لتشخيص واقع القطاع السياحي بجرجيس    الجيش الإسرائيلي: انتحار 16 جندياً منذ بداية 2025    عراقجي: قادرون على تخصيب اليورانيوم وبرنامجنا لا يدمره القصف    رفع الاعتصام الداعم لغزة أمام السفارة الأمريكية وتجديد الدعوة لسن قانون تجريم التطبيع    وزارة التشغيل: التسجيل في برنامج دفع تشغيل الاشخاص ذوي الإعاقة يتواصل الى هذا الموعد    بلدية مدينة تونس تواصل حملات التصدي لظاهرة الانتصاب الفوضوي    دورة تورونتو لكرة المضرب: الروسي خاتشانوف يقصي النرويجي رود ويتأهل لربع النهائي    إيمانويل كاراليس يسجّل رابع أفضل قفزة بالزانة في التاريخ ب6.08 أمتار    طقس الأحد: خلايا رعدية مصحوبة بأمطار بهذه المناطق    طقس اليوم الاحد: هكذا ستكون الأجواء    الإمضاء على اتفاقية تعاون بين وزارة الشؤون الدينية والجمعية التونسية للصحة الإنجابية    نانسي عجرم تُشعل ركح قرطاج في سهرة أمام شبابيك مغلقة    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    عاجل: ما تشربوش من''عين أحمد'' و''عين أم ثعلب'' في تالة!    عارف بلخيرية رئيسا للجامعة التونسية للرقبي لفترة نيابية جديدة    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    خطر تيك توك؟ البرلمان المصري يهدد بالحظر!    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    درجات حرارة تفوق المعدلات    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب التونسي يفوز على نظيره القطري 79-72    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بشرى سارة بخصوص مباراة السوبر بين الترجي والملعب التونسي..    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    كيف حال الشواطئ التونسية..وهل السباحة ممكنة اليوم..؟!    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيئة الحقيقة والكرامة بين المجهول والمأمول
نشر في حقائق أون لاين يوم 24 - 06 - 2014

قتل ثوار رومانيا الطاغية " شاوسيسكو" رميا بالرصاص، وقتل ثوار ليبيا " القذافي" سحلا في أحد شوارعهم كما كان يشنقهم في الساحات العامة ثم يسحلهم في الشوارع لمجرد معارضة حكمه، تلك أمثلة حية عن تجسيد العدالة الثورية، وتجسد التجربة اليمنية النموذج الأمثل الذي يرتضيه حكام العرب في تركيز وترسيخ مبدأ الافلات من العقاب، فقد نص في أهم فصلين فيه الأول والثاني على إعفاء كامل للرئيس على عبد الله صالح وأركان حكمه عن كل الأعمال التي قام بها اثناء كامل فترة حكمه، بحجة المصلحة الوطنية وبتنصيص صريح على الرعاية السعودية في ديباجة القانون،غير أن الأمر مختلف في تونس، فلم نشهد ثورة مسلحة ولم تتح فرصة للثوار للقصاص الثوري أو كما يقول البعض عجزا أو " أن التونسيين متسامحون " حيث لا يستهويهم الانتقام من جلاديهم وناهبي أموالهم، بل تركوهم يستمرون مؤقتا في إدارة الدولة حتى انتخابات اكتوبر 2011، كما لم تسمح موازين القوى بالإفلات الصريح والمقنن للمتسببين في الانتهاكات من الافلات من العقاب،وساهم في ذلك التمشي التشاركي الذي اعتمدته وزارة العدالة الانتقالية في صياغة القانون، والاختيار الحر غير المملى من أية جهة أجنبية في تصفية إرث انتهاكات الماضي عن طريق العدالة الانتقالية، أي بإصدار قانون ينظم ذلك التعامل ويؤطره طبقا لتجارب عالمية سابقة في الدول ما بعد الصراع أو الثورات.
لجنة الحقيقة والكرامة غموض واستفهام لقد صدر قانون 31 /12/ 2013 المنظم للعدالة الانتقالية الذي أحدث اللجنة التي تكونت مؤخرا تحت اسم لجنة الحقيقة والكرامة،فما هي مميزات هاته اللجنة؟ وما هي مهامها وصلاحياتها؟ وما هي طرق عملها والحماية الخاصة بها؟ وما مدى الحصانة الممنوحة لها؟ ثم السؤال الأهم هل تصدر قرارات نافذة؟ وما مدى السلطات الممنوحة لها في محاسبة المتسببين في الانتهاكات؟ وجملة الصعوبات التي قد تعترضها في تنفيذ مهامها؟ وأين تكمن نقاط ضعف الهيئة من خلال القانون نفسه؟ وأهم العوائق الواقعية لتنفيذ تلكم المهام وخاصة منها المحاسبة؟
" الحقيقة والكرامة " هل تكشف الحقائق المتوارية؟
كما في كل التجارب العالمية في مسألة العدالة الانتقالية وطبق ما يسمى بالمعايير الدولية للعدالة الانتقالية، فإن الهيئة التي تفرزها تلك القوانين دائما تركز على معرفة الحقيقة حتى من خلال التسمية، هيئة الحقيقة والمصالحة في المغرب مثلا، وهيئة الحقيقة والكرامة في تونس، فالنقطة المركزية في القانون هي كشف الحقيقة وكل عناصر العدالة الانتقالية الأخرى تعد ثانوية كمحاسبة المتسببين وجبر ضرر الضحايا والمصالحة، وفعلا فقد أعطى القانون التونسي لهيئة الحقيقة والكرامة التي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري وبالشخصية المعنوية، أعطاها سلطات واسعة جدا في عملها للكشف عن الحقيقة، فضلا عن أنه أضفى عليها مسحة دستورية لما تبنى الدستور كل منظومة العدالة الانتقالية مما يحصنها من الدفع بعدم الدستورية في أحكامه الانتقالية طبق الفصل 148، وتتمثل تلك المهام طبق الفصل 39 من القانون أساسا في عقد جلسات استماع سرية أو علنية للضحايا، جمع المعطيات ورصد الانتهاكات وأحصائها وتثبيتها وتوثيقها، وتحديد المسؤولين عنها ووضع برنامج للتعويض كما يمكنها اتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة،صلاحيات مقابل استرداد الحقوق المنهوبة ولإنجاز تلك المهام تتمتع الهيئة بعدة صلاحيات طبق الفصل 40 من القانون وهي النفاذ الى الارشيف وتلقى الشكاوى والتحقيق في الانتهاكات واستدعاء كل شخص ترى فائدة في سماعه ولا تجابه بالحصانة وتتخذ التدابير لحماية الشهود وتستعين بالسلطة العامة وتجرى المعاينات والتفتيش والحجز بالمحلات ولها ما للضابطة العدلية من صلاحيات بما في ذلك الاذن بالإيقاف، كما تطّلع على الملفات المنشورة لدى القضاء ذات الصلة بالانتهاكات كملفات شهداء وجرحى الثورة، ومكنها القانون أيضا وبصفة مطلقة من الالتجاء إلى أي إجراء أو آلية تمكنها من كشف الحقيقة .
ولتهيئة ظروف عمل الهيئة منحها القانون حماية الموظف العمومي فكل معتد على اعضائها هو بمثابة المعتد على موظف عمومي طبق الفصل 82 و125 جنائي تحصين اللجنة دون تحصين الحقوق كما جرّم القانون تحت طائلة السجن كل من يعيق عمل الهيئة بشكل متعمد او لا يمتثل لدعوة الهيئة للإدلاء بالشهادة او يحول دون النفاذ الى الوثيقة او المعلومة المطلوبة فضلا عن تطبيق العقوبات الجزائية الواردة بالمجلة الجنائية فيما يتعلق بالشهادة زورا أمامها،ومنحها القانون حصانة متعددة الأوجه، فلها حصانة مجالس التشريع اذ لا يمكن ملاحقة أي من أعضائها جزائيا فيما يقومون به من أعمال أثناء توليهم لمهامهم الا بعد رفع الحصانة عنه بثلثي اعضائها،وأعطى جلساتها حصانة مجالس القضاء وأعتبر كل معتد عليها كالمعتد على جلسات المحاكم،كما حصن اعضائها من الملاحقة القضائية بعد انتهاء مهامهم،ولتنفيذ تلك المهام طبق تطلعات الضحايا ولمعرفة حقيقة انتهاكات الماضي القريب منه والبعيد فقد مكنها من كل الخوارق القانونية المطلوبة للغرض كعدم الاحتجاج لديها باتصال القضاء ولا بمرور الزمن ولا بالعفو، كما لا تواجه في مباشرة ابحاثها وسماع من تريد سماعه من مشتبه بهم او شهود بالحصانة مهما كان نوعها، ولا تواجه ايضا في معرفة كل ما له صلة بالانتهاكات بالسر المهني،اللجنة مضخمة الصلاحيات محدودة الجدوى ولكن رغم كل تلك الصلاحيات والمهام تبقى سلطاتها محدودة الجدوى، محدودية الهيئة في اتخاذ القارات الملزمة: بقدر ما كانت يد الهيئة طولى في معرفة الحقيقة والكشف عن المتسببين فيها فإن قراراتها ليست أكثر من استشارية، ولا تكتسي أية صبغة الزامية أو تنفيذية، فهي تكتفي بمجرد صياغة التوصيات والاقتراحات بخصوص الاصلاح المؤسساتي، ففي هيئة الغربلة مثلا توصى وتقترح الاعفاء أو الإحالة على عدم المباشرة أو على التقاعد للمتسببين في الانتهاكات، ويبقى الأمر بيد أولى الأمر من السياسيين.
نقاط تستدعي الشكل والإعراب
أما فيما يخص مسالة حقها في متابعة قضايا الانتهاكات المحالة على القضاء كما نص عليه القانون فإنه يبقى مبتورا طالما لم يبين القانون كيفية هاته المتابعة ومداها وجدواها، كما لم يستشرف طريقة المتابعة بعد نهاية عمل الهيئة فيما سيبقى من ملفات عالقة لدى القضاء،
وحتى في انجاز تقاريرها السنوية او التقرير الختامي فإن كل ما يصدر عنها ليس سوى توصيات ومقترحات الهدف منها الاصلاح وضمان عدم العودة للانتهاكات، وان ما ورد من إلزام للحكومة بوضع برنامج تنفيذي لمقترحات الهيئة في تقريرها النهائي وتحديده بسلم زمنى فهو غير كاف طالما لم يحدد تفصيلا ضمانات قوية للاستجابة لبرنامجها، وهو ما سيجعل تلك المقترحات خاضعة للوضع السياسي بالبلاد والموازنات المتعلقة به أكثر من ارتباطها بضمان حقوق الضحايا ومحاسبة المفسدين ومنتهكي حقوق الانسان.
وكان المفروض أن الهيئة انطلاقا من استقلاليتها عن المنظومة القديمة وحتى عن المنظومة الحزبية الجديدة، أن يخوّل لها القانون حق اتخاذ قرارات الاعفاء أو الاحالة على التقاعد أو على عدم المباشرة، وحتى مواكبة والاشراف على تنفيذ مقترحاتها في الاصلاح المؤسساتي، وفي متابعة قضايا انتهاكات حقوق الانسان المنشورة لدى القضاء، وكان من المفروض أيضا ألا يبقى مصير البحث المجرى في تلك لانتهاكات التي تشكل جرائم بيد اجتهاد النيابة العمومية، خاصة وأن مؤسسة القضاء لم تخضع للإصلاح بعد. وقد جرّبت وفشلت في تناول ملفات جرحى وشهداء الثورة، ولم تتمكن من توفير الأدلة على جرائم القتل الواسعة أثناء الثورة للمتظاهرين.
مصالحة عرجاء أمام قوانين بتراء
ومن عيوب القانون أيضا أنه أنشا نظاما موازيا داخل نظام العدالة الانتقالية، المرتكز على كشف الحقيقة والمحاسبة، وهو نظام يركز على اعتذار الجلاد وعفو الضحية من خلال هيئة موازية منبثقة عن الأولى (هيئة التحكيم )، يعهد لها بقضايا المصالحة وهو ما سيشوش على عمل الهيئة الأصلية، وقد يخضع الضحايا أيضا الى كل أنواع الابتزاز والرشاوى، أما الحل المقترح في نص القانون لتجاوز ضعف المؤسسة القضائية وعدم تأهيلها لتناول ملفات الانتهاكات، والمتعلق ببعث دوائر ابتدائية متخصصة لدى كل محكمة استئناف يقع تكوين قضاتها تكوينا خاصا في موضوع العدالة الانتقالية، فهو حل منقوص لأنه لم يقترح حلا للطور الاستئنافي ولا التعقيبي، فضلا عن الانتقادات الموجهة لهذا الحل بخصوص التخوفات من عودة القضاء الاستثنائي الذي لا يساعد على إعادة البناء الديمقراطي؟ كما لم نجد فيه حلا في صورة ما اعتبر الانتهاك جناية وكان التحقيق وجوبيا فهل يقع تكوين حكام تحقيق للغرض؟ وإذا أعطى التحقيق إنابة عدلية للشرطة فهل لدينا شرطة مؤهلة ومتخصصة أم نعود على بدء؟ فمنطقي أنه بنفس المقدمات والوسائل نصل الى نفس نتائج فشل محاسبة المتسببين في الانتهاكات.
عندما يكون الفضاء الزمني منكمشا
ويزيد عمل الهيئة تعقيدا ما نص عليه القانون من اتساع نطاق عملها في الزمن إلى حدود أكثر من نصف قرن من الزمن، في ظرف لا يتجاوز خمس سنوات، وهو ما سيجعل عمل اللجنة في غاية التعقيد، فأما ان تضطر للاستعجال وعدم الجدية في البحث في الملفات أو لن يكفيها الوقت حتما لتناول كل أو حتى أهم الانتهاكات على معنى القانون، فهيئة تقصي الحقائق بقيت أكثر من عام وأصدرت مجلدات عن بحث انتهاكات لمدة شهر واحد من 17 ديسمبر2010 الى 14 جانفي 2011 ولم تكمل مهامها فما بالك ب55 عاما من الانتهاكات المتواصلة، وأما أن تسقط الجزء الأكبر من الانتهاكات وتقتصر على المفاصل الكبرى في تاريخ الانتهاكات وهو ما يجعل عملها منقوصا، وزيادة على هاته الصعوبات المنبثقة من القانون نفس، ثمة صعوبات وإعاقات واقعية أكبر وتحديات جساما قد تعترض عمل هيئة الحقيقة والكرامة، سواء في معرفة الحقيقة وكشف المورطين في الانتهاكات أو في محاسبتهم، مما قد لا يعيق فقط عمل اللجنة ولكن قد يؤثر على مسار الانتقال الديمقراطي بأكمله، ويجعله مهددا خاصة في صورة الافلات من العقاب، فهو أكثر ما يهدد استقرار المجتمعات، ألم يقل رسولنا محمد (صعس) "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإن سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، لذلك قال ايضا " وايم الله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " وفي الغرب يمكن لكل مواطن بسيط مقاضاة أي من السياسيين والحكام مهما علا شأنه والقضاء كفيل بأن ينصفه.
لجنة الحقيقة والكرامة بين الواقع والآمال أما في المجتمعات المتخلفة فإن السمة البارزة للتخلف هو إفلات ذوي الجاه والمال والنفوذ من العقاب وهو نذير الخراب،*وتتمثل تلك العوائق الواقعية بالأساس في حرق الأرشيف، ففي عدة مدن تونسية وبعد نجاح الثورة وقع حرق أرشيف ومكاتب الفرقة الأمنية المعروفة بالمختصة التي بحوزتها كل أسرار الانتهاكات السياسية السابقة.
*العمل في ظل مؤسسات غير خاضعة للإصلاح..وبمنظومة ما تزال تتصرف بعقلية الاستبداد وأدواته وينخرها الفساد، ولن تكون متعاونة إن لم تشتغل على عرقلة عمل الهيئة خاصة في الأسلاك الأكثر تورطا في منظومة الاستبداد والفساد وهي الأمن والقضاء والإعلام.
*العمل في وضع إقليمي سمته الإفلات من العقاب، ولعل المحاسبة عند أجوارنا وعشيرتنا من العرب هي نذير شؤم لهذا الوضع الإقليمي المتعفن الذي ما يزال ينتج الاستبداد ويشيعه ويسعى جاهدا الى الوقوف في وجه كل عملية محاسبة قد تتسرّب عدواها أو على الأقل تأثيرها عليهم
*الاشتغال في وضع دولي أيضا من مصلحته حماية وكلائه وعملائه السابقين حتى يجد عملاء جدد يستخدمهم للاستيلاب الحضاري والتبعية الاقتصادية والثقافية
*السماح لمنظومة الحكم الاستبدادي بإعادة التشكل والتنظم، وبالمشاركة السياسية بما تمتلكه من مال فاسد موروث عن الاستبداد وأداة إعلامية مورطة معها حتى النخاع، وأذرع في مؤسسات السيادة أمنا وقضاء وغيرها، وهي تهدد سلامة العملية الانتخابية القادمة، وكيف لو رجحت نتائج الانتخابات كفة تلك المنظومة؟ فما مصير العدالة؟ فلا ننتظر ممن اعترف صراحة في قنوات تلفزية على الهواء بتزوير الانتخابات في السابق، ويشمله قانون العدالة الانتقالية إذا ما فاز في الانتخاب أن يحاكم نفسه وعشيرته؟
حكومات تعاني البرودة والفتور
ونفس الشيء ينطبق على حكومة ما بعد الانتخابات، أي منظومة حكم اكتوبر 2013، فقد وقع توريطها في قضايا انتهاكات حقوق الإنسان فشهدت مرحلة حكم الترويكا أعمال قتل خارج إطار القانون، وحالات تعذيب وحالات اغتيالات وغيرها. فإن عادت للسلطة مرة أخرى فلن تكون أيضا متحمسة للعدالة الانتقالية وخاصة منها المحاسبة، لأن الهيئة إذا ما اختارت أن تبدأ بأقرب الانتهاكات في الزمن، فستبدأ بمنظومة حكم أكتوبر 2011 التي يشملها القانون الممتد نظره حتى 31 ديسمبر 2013
*كما أن وضع حكومة التكنقراط لا تهيئ الفرصة والظروف الطيبة لعمل هيئة الحقيقة والكرامة، فحكومة التكنقراط غير معنية تماما بموضوع العدالة الانتقالية، وليس أصلا لا من أولوياتها ولا حتى داخل في اهتماماتها، ولم يشر السيد رئيس الحكومة لهذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد ولا في أية مناسبة، وذلك بعد أن الغى وزارة العدالة الانتقالية وألحقها بوزارة العدل، لينهي كل إشراف حكومي حول ملف العدالة الانتقالية، أو على الأقل يجمده تماما إلى أجل غير مسمى، العدالة الانتقالية حلم مؤجل ويبقى الأمل الوحيد في تفعيل القانون هو مدى قدرة المجتمع المدني على الضغط الكافي لتفعيل القانون، وعلى دور الضحايا أيضا في ممارسة كل أشكال النضال لتفعيله ومسؤولية الشعب كله في الحقيقة بكل مكوناته الحزبية والاجتماعية، وهو ملف يستحق أن تتبناه المنظمة الشغيلة التي يمكن أن تلعب دورا مهما بهذا الشأن، وهي التي تتبنى الأدوار الوطنية والملفات الساخنة الكبرى في البلاد..
يبقى السؤال الملح: هل تبقى العدالة حلما في أذهان ضحايا الاستبداد ويبقى قانونها مهجورا منذ النشأة الأولى، أم هل ستظفر لجنة الحقيقة ببعض الحقيقة وتكتفى كما يدل عليها اسمها؟ هل سيضحى الساسة بعذابات الضحايا وحقوقهم في محاسبة جلاديهم من أجل استقرار موهوم ومغشوش قد لا يعمر طويلا؟
هل نضحّي بكل ذلك بما فيها الحقيقة لضمان تحول ديمقراطي وحرية مستقرة تستفيد منها البلاد والمنطقة كلها؟
ألم يكن هذا حلم كل مناضل ضد الاستبداد؟
فهل يتنازل المناضلون عن حقوقهم في المحاسبة وربما التعويض من أجل الوطن؟
هل يمكن أن تكون لنا الجرأة كي نطلب من ضحية أن يحترم جلاده ويعفو عنه حتى قبل أن يعتذر بل حتى بلا محاسبة ولا اعتذار؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.