تعتمد الحركة الجهادية المسلحة في تونس اليوم،أسلوب حرب العصابات كتكتيك عسكري للمواجهة مع الأجهزة الأمنية والعسكرية ،و يبدو أنها قد نجحت إلى مدى بعيد في ذلك من خلال جرد الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها الدولة على مدى تاريخ المواجهة من ديسمبر 2012 تاريخ الإعلان لأول مرة عن وجود "كتيبة عقبة بن نافع" في جبل الشعانبي،على لسان رئيس الحكومة الأسبق،علي العريض. هذا الأسلوب القتالي ذي المنشأ اليساري الثوري،ابتكرته حركات التحرر الوطني في حقبة الاستعمار في مواجهة الاحتلال،في الصين و فيتنام وفي لبنان و كردستان والعراق بل حتى في تونس إبان فترة الكفاح المسلح من 18 جانفي 1952 إلى تاريخ زيارة منداس فرانس إلى تونس و اقتراح الاستقلال الداخلي على الحركة الوطنية في جويلية 1954. و تعرف الأدبيات القتالية الثورية حرب العصابات :" بأنها حرب غير تقليدية، بين مجموعات قتالية يجمعها هدف واحد وجيش تقليدي، حيث تتكون هذه المجموعات من وحدات قتالية صغيرة نسبيا مدعمة بتسليح أقل عددا ونوعية من تسليح الجيوش. وتتبع أسلوب المباغتة في القتال ضد التنظيمات العسكرية التقليدية في ظروف يتم اختيارها بصورة غير ملائمة للجيش النظامي. ومقاتلوا حرب العصابات يتفادون الالتحام في معركة مواجهة مع الجيوش التقليدية لعدم تكافؤ الفرص، فيلجأون إلى عدة معارك صغيرة ذات أهداف إستراتيجية يحددون هم مكانها وزمانها بحيث يكون تأثيرها موجع للخصم". نسق نشاط العناصر الجهادية المتحصنة بالشعانبي يكشف ببساطة أنها تعتمد هذا التكتيك القتالي من خلال الكمائن والإغارة و التي توفر لها مزايا أهمها :"عنصر المباغتة والسرعة والحسم،سهولة الانسحاب من موقع العملية،تأمين الحماية للعناصر المهاجمة،عجز الخصم (القوات النظامية)عل الحركة بحرية " كذلك اختيار التوقيت المناسب والذي يكون فيه الخصم في حالة غير متيحة للدفاع (مثلا في عملية رمضان العام الماضي والعملية الأخيرة في "هنشير التلة" عمد الإرهابيون على تنفيذ الهجوم وقت الإفطار،كذلك عملية مركز "سندس" في رمضان 1994". كذلك يتميز هذا النوع من "القتال" بالتركيز على استنزاف العدو على كل المستويات بما فيها المستوى المادي من خلال تخريب خطوط اتصال الجيش ، شن حرب نفسية ضد القوات المعادية عن طريق بث الشائعات التي من شأنها إضعاف الثقة بين أفراد قواته،والأهم من ذلك وضع "القوات النظامية" تحت المراقبة من خلال عمليات الرصد والاستطلاع والتجسس لتحركات الجيش النظامي وفي الأغلب يتم تكليف قسم من "العصابة" بهذه المهمة وبالاعتماد على عناصر غير قتالية على الأرض (وهو ما يسميه ماو تستونغ في نظرية الحرب الشعبية طويلة الأمد - واندماج القوات العسكرية بين الفئات الشعبية المساندة لها واستقطاب عناصر جديدة). هذا التفصيل في المنهج العسكري للمجوعات الإرهابية في تونس،لا يشكل سوء تكتيك في إستراتيجية متكاملة تسير وفقها هذه المجموعات داخل رؤية فكرية وعقائدية (إسلامية – سلفية – جهادية).إستراتيجية من مراحل تتوج بإعلان "الهيمنة على الأرض" و يسمى في الأدبيات الجهادية "التمكين" أي المرحلة الداعشية بإعلان الدولة –الكيان السياسي- فالحالة التونسية مازلت في المرحلة الأولى ،مرحلة الاستنزاف (شوكة النكاية) وفي الأفق المتوسط والقريب لن تبارح هذه المرحلة بالنظر للوضع العام للدولة ولغياب عامل مهم لمرور أي حركة جهادية لمرحلة إدارة التوحش ألا وهو "الحاضنة الشعبية"،فدروس التجربة تكشف عن أن كل الحركات الجهادية في العالم التي نجحت في فرض سيطرتها على مجال جغرافي محدد،كما في العراق وسورية وأفغانستان كانت تملك حاضنة شعبية واسعة وعميقة وذات أرضية طائفية وهذا غاب تماما في تونس و مستحيل الوجود في الأفق القريب والمتوسط. لكن ما العمل ...هذا السؤال " اللينيني" الذي يطرح نفسه بشدة الآن وهنا،على الجميع،و لكن قبل البحث عن الإجابة يجب أن ندرك مسألة على غاية من الأهمية تتعلق بالمزاج العام للشعب ،بالمعنويات،بالأفكار،و بالمعرفة وبأهمية الوعي بالمسائل من أجل السيطرة عليها. فتاريخيا و في كل تجارب حروب "الدولة" ضد "الإرهاب" تطول مرحلة "الاستنزاف" لتباين شكل الصراع بين "قوة نظامية" و"حرب عصابات" ومعها تتنوع أشكال المواجهة ،في معدل المواجهات تكسب "قوى التمرد" بين معركة إلى معركتين من 20 معركة، لذلك فإن ما حصل في الشعانبي أمر متوقع، فمنذ بداية العام تم إحباط العشرات من العمليات بينما نجح الإرهابيون في تكبيد خسائر للدولة أقل من المعدل العام الذي اشرنا إليه ،مثلا في روسيا تكبدت القوات النظامية في الشيشان وداغستان خسائر هائلة وفي النهاية تمكنت "قوة الدولة" من هزم "قوة العصابات"،الأمر نفسه في مصر. فمثلا خسرت الجزائر في الشهريين الماضيين أكثر من 15 جندي جزائري في حوادث إرهابية متفرقة (عدد تقريبي) بالرغم من أن الجزائر تملك جيش من أقوى الجيوش العربية (الأقوى مغاربيا) ومجهز على أعلى مستوى ولها اتفاقيات تدريب مع الولاياتالمتحدةالأمريكية،ولديها مخابرات عسكرية عريقة وقوية ،وتملك قانون إرهاب "لا يرحم" و خبرة ذات 20 سنة في مكافحة الإرهاب . يشير أبو بكر ناجي، مؤلف كتاب "إدارة التوحش" الذي بات يعتبر "خارطة طريق" للجماعات الجهادية في توصيف مرحلة "شوكة النكاية" إلى أنها مرحلة استنزاف شامل للدولة والمجتمع، فالنشاط خلالها موجه إلى الجمهور العريض على صنفين:صنف أول يمكن أن يتعاطف مع الإرهاب وصنف ثاني يجب القضاء على معنوياته...هذا ما يريده الإرهابيون وهو بث الذعر والخوف في نفوس الجميع، فانتظار الفزع أقوى من الفزع نفسه، يجب أن نصر على الحياة والعيش في مواجهة الموت،يجب أن نعمل أكثر وننتج أكثر ونقرأ أكثر ونكتب أكثر، فأحد أهداف الإرهاب القضاء على "المجتمع الجاهلي" وبناء مجتمع بديل، فلو نجحوا في جعلنا سجناء الخوف فقد انتصروا.وعلينا أن نقهر الموت بالحياة ...نعيش نعيش و يحيا الوطن