تونس تشارك ب118 رياضيا في الألعاب الإفريقية للشباب بأنغولا    عاجل : الكويت تسحب جنسية الداعية طارق السويدان    مركز الكواكبي يقدّم جملة من المقترحات من أجل إصلاح شامل وعادل" للمنظومة الجزائيّة في تونس    إنتر ميامي يتوج بلقب كأس الدوري الأمريكي لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه    سوريا وفلسطين في كأس العرب اليوم .. الموعد والقنوات الناقلة    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    تظاهرة ثقافية احتفالا باليوم العالمي للأشخاص ذوي الاعاقة يومي 10 و11 دسمبر الجاري. بسيدي حسين بالعاصمة    المنستير/ افتتاح الدورة 29 لمهرجان خليفة السطنبولي للمسرح    كأس العرب 2025 : التشكيلة المحتملة لتونس ضد قطر    الإعلان عن موعد انطلاق التسجيل لدورتي فيفري وأفريل بمراكز التكوين المهني    المالوف التونسي يشدو في باريس    لونا الشبل حديث العالم العربي : شكوني وشنوّة حكايتها مع بشار الاسد ؟    راموس يعلن نهاية مشواره مع مونتيري المكسيكي    "سماء بلا أرض" لأريج السحيري يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    قابس : إحياء الذكرى 90 لوفاة المفكر المصلح الطاهر الحداد    بالفيديو: تخريب ورشة أطفال بمرسى السعادة وسرقتها يثير غضب الأهالي وصدمتهم    أصالة تخرج عن صمتها و تكشف حقيقة انفصالها عن زوجها    المنيهلة : يقتل عمه طعنا بسكين!    نواب الجهات والأقاليم يصادقون على قانون المالية لسنة 2026 برمّته    عاجل/ انقلاب عسكري في هذه الدولة واقالة الرئيس..    ثلاثة منتخبات في ربع نهائي كأس العرب 2025 : شوف شكونهم ؟    بعد دعوة مادورو.. آلاف الجنود ينضمون إلى الجيش الفنزويلي    الجزائر: وفاة 14 شخصا وإصابة 34 في انقلاب حافلة    الهند: ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سياح    طقس الاحد : الاجواء هكذا ستكون    حضور لافت لوزيرة المالية تحت قبة البرلمان يكشف عن شخصية اتصالية واثقة    عاجل : للمعتمرين... مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي وتنظيم الدخول    رئيس الجمهورية: التطورات المتسارعة التي يعيشها العالم اليوم تقتضي تقاربا وتعاونا أكبر    برشلونة يمطر شباك ريال بيتيس بخماسية ويعزّز صدارته في البطولة الإسبانية    وزير الخارجية الفرنسي: الغرامة المفروضة على منصة "X" هي مجرد البداية    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل تقر الاضراب العام ليوم 21 جانفي 2026    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    مونديال 2026 – برنامج مباريات المنتخب التونسي في الدور الأول    في عملية أمنية ناجحة .. حجز 42 كلغ كوكايين و 475 كلغ زطلة وإيقاف أفارقة    الديوانة التونسية.. حجوزات تفوق 250 مليارا وتقدّم لافت في مكافحة التهريب    كيفاش نحميّو ولادنا فالشتا؟ نصائح ذهبية لكلّ أم وأب    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    غدا    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    وزارة الصناعة تفتح باب الترشح للجائزة التونسية كايزان دورة 2026    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    الغرفة الوطنية للطاقة الفولطوضوئية بمنظمة الاعراف تدعو المجلس الوطني للجهات والاقاليم إلى تبني مقترح الحكومة في التخفيض في الأداءات الديوانية على القطاع    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    المهدية: وفاة تلميذين وإصابة اثنين آخرين في حادث مرور ببومرداس    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    شنيا الفصلين الي ''أسقطهم'' مجلس الجهات و الأقاليم من مشروع قانون المالية؟    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    انقطاع الكهرباء بمناطق مختلفة من هذه الولاية غدا الأحد..#خبر_عاجل    حادث مرور قاتل بهذه الجهة..#خبر_عاجل    عاجل/ حجز قرابة ألف قطعة مرطبات وأطنان من المنتجات الغذائية غير صالحة للاستهلاك    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    تحسّن العجز الجاري إلى 1،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في رواية "جبل الزمرّد": نصّ يتمرّد على لعنة الإرهاب !
نشر في حقائق أون لاين يوم 21 - 03 - 2015

بدأت مطالعة رواية "جبل الزمرّد" مباشرة اثر استفاقتي من صدمة أحداث باردو... كان لا بدّ لي أن أهرب من بشاعة الموت إلى جمال الحياة بين صفحات كتاب... وبدل أن تمنحني الرواية الطمأنينة التي كنت أنشد، قذفت بي وسط متاهات الأسئلة المشبعة بالقلق والحيرة... إنّها رواية محرّمة على مريدي الأجوبة الجاهزة...
في شقّتها المطلّة على نيل الزمالك، ذات قاهرة 2011، تنكفئ "بستان بحر" على التّدوين بلا كلل... هي التي ولدت في ستينات القرن العشرين، على مقربة من أطلال قلعة ألموت الإيرانية، مشحونة بهاجس الإحياء... فلقد درّبها والدها مبكّرا على السّرد والحكاية وبثّ فيها ما حفظه من حكايات وقصص وأشعار، وحمّلها أمانة استعادة زمرّدة أميرة جبل قاف المختفية، وتنقية قصّتها ممّا شابها من تحريف واعتراها من نقصان...
تكتب "بستان" قصّة سقطت من "ألف ليلة وليلة"، أو هكذا توهمنا منصورة عزّ الدّين... فهي تسند لروايتها، الصادرة عن دار التنوير،عنوانا فرعيا هو "الحكاية الناقصة من كتاب الليالي" ليشتبك نصّها الحديث مع الحكاية القديمة اشتباكا بنيويا مخاتلا... في 224 صفحة مقسّمة إلى 17 فصلا سرديّا، نجحت الكاتبة في تفكيك حكاية حاسب كريم الدّين في "ألف ليلة وليلة" ومن ثمّة نقضها وإعادة كتابتها بأسلوب تخييلي مختلف.
ولا عجب أن تستهدف منصورة عزّ الدّين كتاب الليالي بالتفكيك والنقض، باعتباره أقدم نصّ كان له وما يزال أثر في النصوص الأدبية اللاّحقة شرق اليابسة وغربها.
يتناوب الواقعي والغرائبيّ في "جبل الزمرّد" تناوب الزمان والمكان في فصول الرواية... فمن عالم ألف ليلة وليلة بشخصيّاته القصصية الأسطورية (نورسين، زمرّدة، بلوقيا، ايليا، الملك ياقوت، مروج، الرّاعي،...) وفضاءاته الغريبة (جبل المغناطيس، جبل قاف، جولستان...) إلى عالم الرواية الواقعي بشخصياته (هدير، شيرويت قنديل، كريم خان، نادية، كمال...) وفضاءاته الحقيقية (ميدان التحرير، الزمالك، مدينة ثاكاتيكاس المكسيكية...)
عالمان مختلفان متنافران لم يجتمعا إلا بقدرة محور الرواية ومركز ثقلها "بستان دريا"... كان لا بدّ للبطلة والراوية في "جبل الزمرّد" أن تكون منحدرة من بلاد فارس، حاصلة على اسم له وقع السّحر وتأثير الغرابة، مغلّفة بالغموض كبطلات الليالي، ممحونة بهاجس القصّ كشهرزاد...
تكتب منصورة عزّ الدّين فتتمرّد على قانون "قاف" الذي يقضي بمنع النساء من التدوين... كما تمرّدت "مروج" من قبلها فكتبت سيرة الأميرة زمرّدة ليكون في ذلك هلاك هذه الأخيرة وتهاوي مملكة والدها وتشرّد سكّانها...
اللّعنة محرّك أساسيّ من محرّكات أحداث الرواية بشقّيها الواقعي والغرائبي... فلعنة الملك ياقوت والد زمرّدة طالت كتاب "ألف ليلة وليلة" ف"صار مطاردا منبوذا في ثقافته الأمّ، من يقرأه كاملا يموت مع انتهائه من آخر كلمة فيه"... ولعنة الحنين انقضّت على نورسين والدة الأميرة زمرّدة الرّاغبة في الهرب من "قاف" والعودة إلى مدينتها جولستان فانتهت بين جذع "ملكة الحيّات" التي اعتصرتها حتى أسلمت الرّوح... ولعنة البحث عن اللّيل أصابت عيني إيليا بالظلام الدّائم فسافر إلى جبل المغناطيس بحثا عن حجر الفضّة الذي يعيد إليهما نورهما فكان مصيره الخلود في النسيان... ولعنة التدوين المحرّم على نساء "قاف" أصابت مروج وأهلكت زمرّدة ومملكة أبيها وحكمت على شعبها بالتّيه طوال قرون... أمّا في الواقع، فكان الجمال لعنة نادية، والاستسلام في مركز التحقيق لعنة شرويت قنديل، وإضاعة خاتم الزمرّد لعنة هدير...
السرّد في "جبل الزمرّد" غير متزامن، فهو عبارة عن قصص محشوّة في "صندوق" الرواية، وهو تكنيك أدبيّ انتشر كثيرا في روايات القرنين السّابع والثامن عشر... لا تكتب "بستان دريا"، ومن ورائها منصورة عزّ الدين، لتخبر بل لتسائل... فيجد القارئ نفسه باذلا قصار جهده لفهم مكنونات السّرد المغرقة في المخاتلة...
لا تكاد تقبض في الرواية على حقيقة مصرّح بها واحدة... فالترميز فيها أسلوب وغاية ... والسّؤال محرّك ثان من محرّكات الأحداث... فالراوية كما شخوص روايتها يدفعهم السّؤال إلى الرغبة في كشف المخبوء، أو تعرية الأسرار المكنونة، أو القبض على المعرفة، أو معانقة الخلود... أسئلة ورغبات تقود أصحابها إمّا إلى الجنون أو الموت...
في هذا الإطار، تعتمد منصورة عزّ الدين، على تراث أدبي وديني متنوّع... فأسلوبها في الغرائبية مشابه لألف ليلة وليلة قاطع معه في آن، ومراجعها مستمدّة من فريد الدين العطّار وابن الوردي وأفلاطون وابن فضل الله العمري، ومصائر شخصيات روايتها محكومة بمآل التاريخ في تيه آل "قاف" المشابه لتيه بني إسرائيل...
تجعل الاستعارات والرموز التي بثّتها عزّ الدين في جسد روايتها، القارئ محكوما بعبء تفكيك الشفرات... فهي تارة تسري به نحو عالم الغيب والماورائيات وتارة أخرى تعرّج به الى ميدان التحرير حيث آثار ثورة 2011 ما تزال قائمة... فالثورة المصرية، وان كانت زمنا واقعيا لكتابة الرواية، تبدو في "جبل الزمرّد" إطارا موازيا لا محورا رئيسيا للأحداث...
حصدت "جبل الزمرّد" جائزة أحسن رواية في معرض الشارقة لعام 2014، ولا شكّ أنّ لجنة التحكيم رأت فيها ما رآه كلّ قارئ أصابته الرواية بفيروس الحيرة... فهي نصّ مضادّ لألف ليلة وليلة، لكنّه يبدو مضادّا لكلّ المسلّمات التي تواضع البشر عليها...
رواية تحكي ثورة مصر دون أن تحكيها فعلا، وترافق المرتحلين إلى عوالم المعرفة الطالبين الخلود في طيّات كتاب أو رواية أو في أحضان الموت... نصّ يتمرّد على لعنة الإرهاب بنعمة السؤال...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.