بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي يشكل كتاب «تطفل على السرد» للشاعر حميد سعيد وفرة قرائية، وعندما أصفه بالوفرة فانني لا أبالغ في هذا إذ على مساحة الكتاب (248) صفحة استطاع أن يقدم لنا (51) موضوعا، ولولا التكثيف الدقيق في كل موضوع لاحتاجت هذه الموضوعات الى ضعف أو ثلاثة أضعاف مساحة الكتاب الذي توقفنا عنده. ورغم علاقة كل هذه الموضوعات بالسرد الا أن اشتغالاته عليها تنوعت لذا ارتأى أن يوزعه على أربعة أبواب ضمّ كل باب مجموعة من القراءات المتجانسة، فالباب الأول عنونه (من قبيل الأسئلة) وهو باب تنظيري لكنه لم يجزم بما حوته فصوله فاعتبرها نوعا من الأسئلة التي طرحها مع نفسه حول فن الرواية بالذات... وسأسوق هنا عناوين هذه التساؤلات مثل: الانسان والرواية / لماذا الرواية؟ / الرواية شعر الدنيا الحديثة / القول بأفول الرواية / الرواية الشفوية / المصداقية الروائية / عن الرواية البوليسية. وعندما نعيد قراءة هذه العناوين نجد بأن الكاتب أراد أن يبحث عن الأسئلة / المداخل، ومن خلال أسئلته يريد أن يبحث عن جواب لم يجزم بل ليقدمه للمتلقي ناقدا كان أم قارئا يشاركه البحث عن جواب حيث لكل متلقّ جوابه، كما أن للكاتب جوابه الذي يضمه الفصل المخصص له. كانت هذه الفصول / الأسئلة هي اول ما استوقفني وذلك لحرارة ما فيها ورغبة في التعرّف، فطرح الأسئلة وحدها يكون أحيانا أهم من الوصول الى الأجوبة. لنتوقف عند فصل (الانسان والرواية) مثلا فهو في هذا الفصل يرى أن (الملاحم القديمة سواء تلك التي أنتجتها الشعوب الجزيرية التي استوطنت العراق وضفاف الخليج العربي وبحر العرب وبلاد الشام ومصر أو الملاحم الاغريقية والرومانية والهندية والصينية والفارسية تكاد تكون جميعها تتوفر على مقومات الرواية) ويرى أيضا أن هذه الملاحم فيها (وقائع وأبطال وصراع ومكان، وجميعها تمنحها المخيلة بعديها الأسطوري والجمالي بعيدا عن التجنيس النقدي وشروطه). ولعله في هذا القول أراد أن يؤكد لنا بأنه قارئ متذوق، سابر للعمل من داخله ولا تقوده اليه (شروط النقد) بل شروط القراءة. وحميد سعيد أكّد في عدد من كتاباته أهمية الحكاية العربية، ويذكر في هذا الفصل انه (ليس من قبيل الصدفة كون مدخل سرفانتس الى عمله الروائي الخالد «دون كيخوتة» أن ينسبها الى أحد الرواة العرب ويسميه «سيدي حامد بن الأيل» ولم ينس أن يذكر في هذا الصدد أن (العودة الى أساليب الرواية الشعبية حالةشائعة في الأعمال الروائية المعاصرة وبخاصة أسلوب «ألف ليلة ولية» فإذا كان نجيب محفوظ قد أفاد منها في عدد من أعماله الروائية فان مثل هذا التأثير امتد الى جغرافيات روائية أخرى) ويستعين هنا بما ذهب اليه الناقد الأردني خليل قنديل بشأن الروائي البرازيلي باولو كويلو باتجاه (كنز السرد الشرقي ألف ليلة وليلة) وأضيف هنا أن المرحوم خليفة التليسي قد أورد في كتابه «كراسات أدبية» ما أعلنه أحد أكبر مجددي الرواية العالمية الفرنسي مارسيل بروست من افادته هو الآخر من (كنز السرد الشرقي ألف ليلة وليلة) عندما كتب روايته الذائعة الصيت «البحث عن الزمن الضائع». لكن ما يحيّرني هنا ككاتب رواية أن هذا النص (المتجدد) والمثير للأسئلة ولصولات الرقباء والمتدينين المنغلقين (كما حصل في القاهرة أخيرا عندما أعيد طبع ألف ليلة وليلة كاملة وهي نسخة مطبعة بولاق، ولكن القضاء المصري انتصر لهذا الأثر العظيم)، أقول: إنّنا ككتاب عرب لم نستفد منه كما استفاد الغربيون (زخم الأفلام السينمائية مثلا) وربما كانت استهانتنا بأسلوبه البسيط هو الذي جعل أغلبنا ينأون عنه؟ ولعل الفصل التالي (لماذا الرواية؟) فيه من السجالية الكثير كما فيه أكثر من عودة لاراء كتبها أدباء وسينمائيون حول (المرويّ) بشكل عام. ويستعين برأي لعالم النفس ماندر الذي يرى بأن التذاذ هذا الشخص بالرواية وذاك بالفيلم (لأنهم يتقمّصون احدى شخصيات الرواية أو أحد أبطال الفيلم) ولكنه يستعين بهذا الرأي ليخالفه لا ليتفق معه. ولما كان المؤلف قد أقام سنوات في كل من اسبانيا والمغرب فانه أبقى على علاقته الثقافية والانسانية بهذين البلدين، ولذا يقدم لنا قراءة لرواية اسبانية هي «كتاب نُغيل» التي ترجمها للعربية الدكتور محمود صبح. كما كتب فصلا آخر عن (بواكير الرواية الاسبانية واشكالية التأثير العربي). وهذا الفصل مهم لكونه يضم شهادات عن تأثير الأدب العربي بالأدب الاسباني ويرى أن (تحالف رجال الدين الاسبان والزعامات العسكرية والأسرية حين انتصر بالقوة لم يكن انتصاره هزيمة للسلطة العربية الاسلامية فحسب بل امتد ليعصف بالأنموذج الحضاري الاندلسي) وذلك لأن (التأثير العربي الاسلامي في ثقافة شبه الجزيرة الأيبرية كان نمطا راقيا من أنماط العلاقات الانسانية لأنه ظلّ يشتغل في محيط يتّسم بالتكامل وتبادل المعرفة في أدق تفاصيلها اليومية والاجتماعية، وان التعصب لم يكن ظاهرة اجتماعية من قبل الايبريين بتعدد أصولهم ولغاتهم ولهجاتهم). وهناك تنوع في هذا الباب حيث يضم اليه فصلا عن رواية (عوليس) لجيمس جويس وآخر عن رواية (أكوتا جاوا) للياباني رايانو سوكي. كما يقدم قراءته لأربع روايات عن مدينة عمّان التي يقيم فيها، أما الروايات فهي «أرض اليمبوس» لألياس فركوح و(دفاتر الطوفان) لسميحة خريس و(أهل القلعة لزياد قاسم و(ليلة الريش) لجمال ناجي.