يتواصل غضب شباب الحوض المنجمي ومنطقة الفوار رغم ما قدمته حكومة الحبيب الصيد مؤخرا من حلول ثمّنها البعض في حين اعتبرها البعض الآخر بمثابة "ذر للرماد على العيون". في الحقيقة تحيلنا هذه الاحتجاجات بمنطقة الحوض المنجمي الى تحركات سنة 2008 التي اخمدها بن علي في حين ظلت نيرانها تلتهب تحت الرماد الى ان اشتعلت في أواخر ديسمبر 2010 –بداية جانفي 2011 فكانت الثورة باختصار. هذه الثورة التي يتفق كل التونسيين على اسباب اندلاعها وهي الفقر والبطالة والتهميش الا ان الحكومات المتعاقبة منذ 2011 الى اليوم تقف عاجزة على ايجاد حلول سريعة و واضحة وناجعة و تستجيب ولو لجزء من مطالب شباب المناطق المهمشة، هذا الشباب الثائر منذ سنوات طويلة. برامج متشابهة وباهتة في الحقيقة المتأمل في المشهد السياسي التونسي يلاحظ ان ما تقدمه الاحزاب السياسية من برامج، وخاصة تلك الاقرب منها لاعتلاء سدة الحكم، هي في مجملها برامج متقاربة جدا خاصة من المنظور الاقتصادي وهو الذي يهم المواطن التونسي بالدرجة الاولى وبالأساس. لهذا السبب توالت الحكومات وتعاقبت منذ 14 جانفي 2011 وربما بلغنا ارقام قياسية في هذا المجال إلا انه لم يتغير إلا القليل جدا حتى اننا لا نكاد نلمسه في الواقع المعيشي للمواطن البسيط. هذا المواطن الذي احترق بنيران الأسعار وبالتالي تواصل تدهور مقدرته الشرائية من يوم لآخر. ربما ما نحتاجه اليوم أو بالأحرى ما نطلبه من الحكومة هو الكف عن استهداف المواطن البسيط ومواصلة استنزافه بطريقة او بأخرى والالتفات الى من يملك رأس المال ومن هو اكثر قدرة وتأهيلا لملء خزينة الدولة. الاقتصاد والارهاب مبدئيا من الصعب ان ننتظر مثل هذه الحلول من حكومة مبنية على تحالف وصف باليمين-اليمين وكلنا نعلم ان التيار اليميني معروف اكثر بانحيازه لرأس المال، الا ان ما آل اليه الوضع الاجتماعي في تونس من تدهور للمقدرة الشرائية والظروف المعيشية للمواطن العادي خصوصا في دولة تعيش حرب ضد الارهاب يصبح هذا المواطن في جزء منه فريسة سهلة المنال للمنظمات الارهابية التي تستغل مثل هذه الأوضاع الهشة والخانقة لتدس سمومها بالمجتمعات فتصبح بذلك ازمتها ازمتان. بات من الضروري تجاوز المبادئ الحزبية الضيقة وإيجاد حلول آنية وجريئة وشجاعة تندرج ضمن نموذج تونسي بحت يقطع مع الماضي بمعنى انه يجب أن نرفع شعار "كفانا ترقيعا وتعديلا لبرامج بن علي" لأنه من الواضح أنها لن تجدي نفعا. اصلاح المنظومة الجبائية ربما لهذه الاسباب وغيرها ليس هناك أمام الحكومة أهم وأنجع طريقة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية من إصلاح المنظومة الجبائية. هذه المنظومة التي تعتبر أساس تردي كل من الواقع الاقتصادي والاجتماعي في بلادنا ، إذ لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية دون تحقيق عدالة جبائية. ثم أنى اجد نفسي عاجزة عن فهم كيف لمنطقة غنية بالفوسفات أو البترول او غيرها من المناجم وتحتوي على شركات وطنية تساهم بنسب هامة وهامة جدا في مداخيل الدولة أن تعيش حالة من العزلة، والفقر، والتهميش، وانعدام التنمية كليا. هذه المناطق التي أنصفتها الجغرافيا وظلمها الحكام طيلة أكثر من 50 سنة هي في الحقيقة تجسد الظلم واللاعدالة في أقصى حالتهما. فهل ان مثل هذه المناطق خاصة منطقة الحوض المنجمي ومنطقة الفوار لا تستحق حلول تنموية عاجلة وخارقة للعادة للنهوض بها وإنصافها من جهة والمحافظة على سلامة واستمرارية هذه الشركات الوطنية من جهة اخرى؟ لماذا مرت أربع سنوات دون إيجاد حلول لها في حين كانت نتيجة ذلك خسائر قدرت بمليارات من الدنانير ووضعية حرجة للشركة الوطنية للفوسفات. كل هذا بتعلة ان القوانين الحالية لا تسمح بذلك و أن الأمر معقد جدا. أية قوانين هذه التي تجعل من منطقة تدر الخيرات للمصلحة الوطنية تحت درجات الصفر من التهميش وتكاد تستحيل فيها الحياة؟ لو كانت هذه المناطق من أولويات الحكومات المتعاقبة لما وصلنا لهذا الحد من التوتر الاجتماعي والتدهور الاقتصادي؟ الجرأة والشجاعة لأن بلادنا لم تعد تتحمل حراكا شعبيا آخر، ولأننا في حرب ضد الإرهاب، ولأن الاخطار تداهمنا من كل مكان، ولأننا نعي جيدا خطورة الوضع في حال مررنا نحو تحركات اجتماعية شاملة، بات من الضروري أن تعي هذه الحكومة أنها مطالبة بالجرأة والشجاعة والتخلي عن كل ما يعقيها عن القيام بإنجازات جذرية وربما صادمة للبعض. لا بد أن تعي هذه الحكومة جيدا أنها لن تنجح ولن تستقر إلا بإقامة منظومة جبائيه عادلة تسعى بكل الطرق الى الحد من التهرب الجبائي وتحقق التوازن الجهوي خاصة بتكثيف الاستثمارات الوطنية في المناطق المهمشة.