سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يمكن أن ينتصر النصّ في تصوير البطل المهزوم ...؟ رواية "الطلياني " أنموذجا
نشر في حقائق أون لاين يوم 05 - 06 - 2015

مقاربة نقدية تجاه رواية ليست ككلّ الراويات على الأقلّ من حيث التثمين والتتويج وطنيا وعربيا ودوليا ليست مهمّة سهلة.. هذا التتويج في حدّ ذاته عقبة أمام النفاذ إلى الرواية نقدا وقراءة ، فالقراءة وان كانت متأنية وعميقة مجازفة ، والتروي شرطا هنا لا فقط بداهة معرفية وأدبية.
ثمّ ليس التتويج وحده ما يربك الولوج إلى الرواية ومساءلتها ، متعة القراءة أيضا مسألة مربكة وملغزة ، فكيف لرواية بهذا العلو الشاهق في الإمتاع وشدّ القارئ ليلاحق الأحداث بنفس لاهث أن تكون تحت مجهر السؤال والمساءلة خاصة .
المساءلة حول :
حركة السرد الروائي و بنية الرواية الفنية ؟ اختيار أسماء الأبطال وصفاتهم ؟
ومن ثمّة رصد مرحلة مهمّة من تاريخ الحركة الطلابية في تونس باعتبارها مرآة من خلالها يمكن التعرّف ومقاربة تاريخ حراك مجتمع بأسره خلال أحد أهمّ مراحل الفوران والمخاض السياسي والفكري والاجتماعي ؟
لن أتوقف كثيرا عند مسألة الأسلوب في الكتابة ومسألة اختيار أسماء أبطال المبخوت رغم ما قد يسبّبه ذلك من اختلال للتوازن بين المسائل المطروحة ، سأتعمّد هذا الاختلال لما أعتبره أولوية وهو هذا الرصد روائيا لمرحلة مرجعية في تاريخ الحركة النضالية الطلابية في تونس .
" الطلياني " رواية سردية بطريقة خطيّة وبنسقية محكمة على الأقلّ منذ بداية الرواية إلى أكثر من نصف البناء للأحداث وتفرعاتها حيث تكاد تجعلك تركيبة الشخصيات ورصد الأحداث أمام سرد ا تاريخي لمرحلة من مراحل الحركة الطلابية ، اعتمدت على الذاكرة وتقنية "الفلاش باك " ففي هذا النصّ الروائي يجد القارئ نفسه أمام سرد وإخبار من صميم الواقع وضمن إطار مكاني وزماني محدّد، يغلب عليه الفعل في الزمن الماضي بتدخل من الرّاوي الذي كثّف من الوصف والنعوت ، تجميلا وتقبيحا من خلال وصفه لأبطاله ومميزاتهم الخارجية (المظهر ) والنفسية (سلوكياتهم ) وكلّ أفعالهم وحركتهم فذهب إلى التفاصيل الصغيرة في مجريات اليومي ليضفي على أبطاله الطابع البشري الإنساني لرصد المرحلة .
إلا أنه لم ينجو من بعض الارتباك وافتقاد القدرة على التحكّم في سردية الأحداث المحورية في الرواية لصالح السيرة الذاتية للبطل " عبد الناصر " حيث نجد في أكثر من مناسبة تطغى التفاصيل الخصوصية للبطل المركزي في الرواية على حساب تموقعه ضمن واقع موضوعي وحركة جماعية ، وكان يمكن أن يكون ذلك مقبولا لو أن الرواية من جنس السيرة الذاتية للبطل ولكن وان بدا جنس السيرة قائما من خلال واقعية الأمكنة والزمن والأحداث والوصف والنعت واستدعاء الماضي إلا أنّ البناء الروائي الكلاسيكي كان ميزة النصّ الروائي و خاصيته ، نصّا ينطلق من حادثة عرضية في ظاهرها أمام فاجعة الموت والدفن فتتابع الأحداث بعده وتدور في فلك ذاك الخيط الرفيع الذي أطلقه الروائي منذ بداية النصّ ليشدّ القارئ حتى النهاية ، فكان الانزياح وراء البطل حيث بدا وكأنه المتحكم في سير الأحداث وليس الروائي وكلّ ذلك على حساب الأحداث الكبرى التي بدت صغيرة أما البطل الذي وان كان جوهر هذه الأحداث فانّه من قيمتها كأحداث كبرى يستمدّ البطل بطولته وما رأيناه هو العكس ويبقى السؤال:
هل تعمّد الروائي تصغير الأحداث لصالح البطل أم أفلت منه بطله فأحتكر الحجم وصغّر الوقائع ؟
أما بطلا الرواية الأساسيين : "عبد الناصر" و"زينة" ، وكلاهما بثنائية الاسم ،" عبد الناصر" وهو أيضا "الطلياني " وزينة وهي أيضا "آنزور"
البطل طالب يساري يحمل اسم شكّلَ ذاكرة لدى الشعوب العربية ، اسم بطل رواية "الطلياني " هو اسم زعيم الفكر القومي : عبد الناصر ، وهو من ناحية أخرى يشبه الأوروبي (الايطالي ) في وسامته و سمات وجهه وهو لذلك سميّ "الطلياني" ، فالبطل منذ لحظة التعرّف الأولى هو بطل إشكالي حامل لتناقضات وتعقيدات لن تجعله سويّا ، يساري الانتماء السياسي وبذلك هو بمرجعية ماركسية لينينية فلسفة وإيديولوجيا ، باسم قومي وذاكرة "الانتصار العربي" في أذهان البعض من معتنقي هذا الفكر "العروبي" خاصّة ، وطلياني الملمح والوسامة.
الأسماء لها دلالة وتؤثر في شخصية المسمّى ، التشبيه أيضا له تأثير سيكولوجي وحتى فكري أحيانا كثيرة .
"زينة " طالبة يسارية تأتي من الداخل التونسي ، ابنة الشمال الغربي ومن أصول بربرية و هي الأخرى بهذا التعدّد في الاسم والانتماء ، اسم عربي في الظاهر، يخفي اسم أمازيغي ، بملامح بربرية ومن دواخل البلاد.
وبهذا إما أنّ الاسم والسمات عند المبخوت لا تحمل بيئة ثقافية ومرجعية قيمية وهو ما لا يستقيم منطقيا وسوسيولوجيا ، ولا أظنّ الكاتب يذهب هذا المنحى أو أنه تعقيد مقصود يهدف الكاتب من خلاله إلى تمرير رسالة ما ، فالأدب ليس بريء ودوما حامل لمشروع ولنا في أدب الاستشراف أمثلة عديدة ، حيث لعب هذا الأدب دورا تاريخيا في نقل الصورة السلبية عن الشرق من خلال الرواية كجنس أدبي مقروء وله سلاسة المرور مقارنة بالدراسة الأكاديمية .
وأسأل :
أين الاسم التونسي "الصميم " هنا ؟
هل هو في ، أبطال الأحداث الرئيسية أي" الطلياني " و "آنزور " وبذلك ليست تونس إلا ذلك التاريخ والانطولوجيا الهجينة الآتية من الإرث الغربي والأمازيغي ؟
أم في أؤلائك الأبطال الثانويين وما يمثلونه من تناقض اجتماعي طبقي واجتماعي جهوي بين مدنية متحضرة " بلدية " ونزوح على هامش الحضارة والتمدن أفسدوا طبيعة الحياة الحضرية بفوضى الفقر والجهل والتخلف ؟
أسئلة عديدة يمكن الإطناب في طرحها ، ومع ذلك لن أتوقف كثيرا عند هذه الأسئلة لأنّه على أهميتها وبالرغم مما ستسببّه من اختلال في توازن بنية النص ، وهو اختلال مقصود مثلما ذكرت منذ البداية ، لأن ما يشغلني أكثر هو رصد مرحلة من الحراك السياسي والفكري .
تجري أحداث الرواية للكاتب شكري المبخوت في فترة زمنية محدّدة أواخر حكم بورقيبة وعلى امتداد فترة حكم بن علي ، تنطلق من حدث عابر بسيطا في ظاهره أمام فاجعة الموت رغم ما يتسم به هذا الحادث من عنف ... ، بين طالب يساري المعتدي" عبد الناصر" " بلباسه السروال الدجين والسترة الدنغري والشعر الأشعث واللحية المعفاة " رمزية اليسار التونسي على الأقلّ في تلك الفترة "يلعن دين والديك يا منافق يا نذل ، يا ساقط ، أخرج من غادي يا نيي..." ورجل دين ، الإمام " علالة " المعتدى عليه بكل ما يمثله في الذاكرة الشعبية من معنى عقائدي ديني اجتماعي.
كانت نتيجتها إدانة اجتماعية للطالب اليساري في مقارنة بوالده "الحاج محمود" وما يمثله من وقار و وجاهة " كان الإحساس العام أن النار تخلف الرماد فأين وقار الحاج محمود وأناقته وجبته السكرودة التونسية وشاشيته الاسطنبولي أو في بدلته الإفرنجية وقبعته المستديرة على حدّ سواء " ص 5
وتعاطف اجتماعي تجاه الإمام .
فيقدّمه لنا الروائي منذ البداية بأنه غير جدير بالانتماء إلى وقار و وجاهة الانتماء الأسري ( النار تخلف الرماد) و يظهر لنا صلاح الدّين " الأخ الأكبر ل "عبد الناصر " في رمزية للعقل والعلم فهو الخبير الاقتصادي ومنه تستفيد الدولة التونسية وهو أيضا المرجعية القيمية من وجاهة واستقرار، الأخ الأكبر الذي كان دائما إلى جانب أخاه يساعده ." يحتض آخاه الأصغر وتنزل دمعة.." ( ص5)
"عبد الناصر" اليساري المتمرّد حتى على طقوس الموت والدفن بدا منبوذا اجتماعيا لا بوصفه مناضلا معارضا يرفض الانصياع لنواميس الطبقة الأرستقراطية ( الحاج محمود) والطبقة البرجوازية ( صلاح الدين ) ، نجده في حضن أخ ، والحضانة أو الحضن لها دلالتها التي تعني أن المحضون قاصرا وعاجز ولا يأتي سلوكه وخياراته بوعي وإدراك ، بل مزاجا وتهوّرا ومصادفة ، فلقائه ب" زينة " المناضلة اليسارية من باب الفضول والرغبة في الاكتشاف أثناء خطابها داخل الجامعة على مسامع الطلبة وخوض تجربة النضال الطلابي فلم تكن يومها في رأيه أكثر من " بوك علي " الرجل المجهول الانتماء البيئي والجغرافي محلّ السخرية والتهكم لقذارته واتساخه وهو أيضا الذي يسهر على خدمات وشؤون الأسرة .
اللقاء الذي كان يمكن أن يكون عملا نضاليا ومواجهة بوليس النظام لم تكن "زينة " المستهدفة ولا "عبد الناصر " كانت مصادفة جعلت العلاقة اليسارية بحكم انتماء كلاهما إلى اليسار التونسي الطلابي تتحوّل إلى علاقة حبّ وتأخذ الحيّز الكبير في الرواية ، المستهدون هنا هم الطلبة الإخوان ويطنب الروائي شكري المبخوت في وصف الاعتقالات ومظاهر التعذيب لطلبة الإخوان بالجامعة التونسية معتبرا أنّهم الأكثر هيمنة وحضور في الجامعة وبالتالي الأكثر تعرّضا إلى القمع من طرف أجهزة الأمن ، ولا أعتقد أنّ الهيمنة كانت لطلبة الإخوان بل لأن طلبة الإخوان في الجامعة كانوا امتدادا لحركة النهضة وما تمثلّه الحركة من انتهاج لسياسة العنف في مستوى أدبياتها التأسيسية ومنطق الشقين ( السياسي والعسكري ) ولا نرى من نضالات اليسار الجامعي المختزلة في "عبد الناصر " وزينة " إلا من خلال صراع الفصائل اليسارية و أسماء مسجلة في دفاتر الداخلية ، بل يذهب الروائي شكري المبخوت إلى حدّ اعتبار وجود علاقة طبيعية مع أجهزة الأمن والاستفادة من خدماته.
وان كانت " الطلياني " قد رصدت الانكسارات والشروخات التي عايشها ذاك الجيل فهي لا تعدو أن تكون شروخات أنطولوجية ، نراها في محاولة اعتداء الإمام "علالة " على فحولة عبد الناصر وحتى هذه الحادثة لا يذهب شكري المبخوت إلى اعتبارها سلوك مرضي ديني بل هو سلوك إمام أخذ الإمامة نتيجة الفراغ الديني ربّما وموت الإمام واضطراره إلى تسليم هذه الإمامة لرجل نازح غليظ من الطبقة المهمشة ولا تليق به الإمامة كوقار اجتماعي و وقار ديني اقتصر في العام على مكانة اجتماعية معينة وكأني بالكاتب شكري المبخوت ممن يشترطون في الامامة سلوك و وجاهة معينة . حادثة اغتصاب" زينة من المحارم أيضا جعل منها الروائي دلالة الانكسار الأنطولوجي في المجتمع التونسي . وهي ظواهر عرضية مسكوت عنها صحيح ولكنها ليست منتشرة إلى الحدّ الذي نجعل من تداعياتها أحد أسباب انكسارات المجتمع .
هذه الانكسارات أيضا وردت سيكولوجية وهي تشق علاقة "عبد الناصر " و" زينة" علاقة صوّر فيها الروائي "الطلياني " اليساري الشهم الأرستقراطي " النظيف.
و كانت " زينة " اليسارية الانتهازية الجاهلة ب"ايتاكات " الحضر والعلاقات العاطفية وجماليات اللغة والتواصل التي لم تستطع "نجلاء " تلقينها إياها رغم استعدادها للتعلم من أجل الحفاظ على "زواج الصداق " ويُسقط عنها المبخوت مبدأ المناضلة و لم تكن تناضل إلا من أجل تحقيق طموحها المادّي على حساب كلّ المبادئ والقيم التي يفترض أنها تدافع عنها كمناضلة فتنتهي إلى العجز في أعلى مظاهره وهو قبولها بمبدأ نتيجة الفساد الإداري والعلمي في الجامعة التونسية ورسوبها رغم تفوقها كلّ سنوات الدراسة .
بأسلوب ممتع يرصد شكري المبخوت مرحلة خصبة من تاريخ تونس النضالي الثوري ، فلا نرى انعكاس ذلك في الرواية ، فكلّ ما رأيناه هو ملامح اليسار السلبي المكبّل بالعجز أمام النظام من جهة والحركة الإسلامية من جهة " كان اليسار حسب تحليل عبد الناصر في مهبّ صراع خانق ، النظام أمامه والإسلاميون وراءه، لم يعد لطلبة اليسار من سند غير التعويل على قواهم الذاتية ، فحتى الاتحاد العام التونسي للشغل كان مستهدفا وحتى أمينه العام عاشور سليل حزب الدستور أصبح مستهدفا ولكن عبد الناصر بحماسته وخطابَتِه البارعة يصوّر في الاجتماعات العامة الأمر على أن البلاد تعيش حالة مخاض ثوري وأن النظام وزعيمه في خريفهما " ص 79.
بهذا المعنى يجعل المبخوت الحركة اليسارية الطلابية والتي ليست إلا جزء من الحركة الشعبية اليسارية محاصرة وقاصرة أمام واجهة النظام والإسلاميين في حين أن نضال اليسار كان دوما ضدّ السلطة وليس نضاله ضدّ الإخوان إلا عبر نضاله ضدّ السلطة أي أن النضال ضدّ الحركة الاخوانية لم يكن إستراتيجية مفصولة عن التصدّي للحزب الحاكم ولم تكن الفصائل اليسارية في الجامعة التونسية المنضوية تحت الاتحاد العام لطلبة تونس إلا جزء من مناضلين الاتحاد العام التونسي للشغل واستهدافه لم يكن مستحدثا من فرحات حشاد إلى اليوم ، وأسأل هنا عن البعد الرمزي لهذه الإشارة إلى أنّ عاشور سليل حزب الدستور ؟
هل يهدف الكاتب من وراء ذلك إلى إضفاء شرعية تاريخية لحزب الدستور وأنه الوحيد القادر على حكم البلاد وأن كلّ الحركات الأخرى يسارية ويمينية عاجزة وقاصرة وفوضوية وانتهازية ؟
خاصّة أنّنا نراه في أكثر من مناسبة داخل النصّ الروائي يصوّر أنّ كلّ ما هو من غير الحضر المدني " البلدي " رعاع و"همج" و"قعار ".
هل هو التسويق إلى المجتمع الأرستقراطي " البلدي " بالمعنى الأنطولوجي والثقافي ؟
يرصد المبخوت ملامح مجتمع تونسي وشخصية تونسية مهزومة انطولوجيا وثقافيا برجاله ونسائه ، مجتمع مغتصب في جسده ( عبد الناصر وزينة ) في قيمه وسلوكه مجتمع(بروستيتيسيون ) نجلاء للاّ جنينة مريم ، أيضا لن أقف على صورة المرأة التي لم تكن أكثر من مهزومة تقليدية وعاهرة و وصولية في رواية الطلياني لأنّ هذه وحدها تتطلب مقالات وقراءات.
ما يشدّني هنا هو هذا التقزيم الشاهق في تقديري لمجتمع بأسره في مرحلة من مراحله المميزة ثوريا وسياسيا ، ولأفترض هنا أن الروائي شكري المبخوت يرصد حركة المجتمع الثورية النضالية ويأخذها بمأخذ النتائج وبذلك يعتبر أن المجتمع التونسي لم يحقق حراكه منذ الاستعمار الفرنسي إلى اليوم انتصارات تحسب له كمجتمع سوي في وجوده وحركة نضاله وهو أمرا موضوعيا وملموسا إلى حدّ ما باعتبار أن كلّ الانتفاضات التي مرّت بها تونس كانت دائما بلا نتائج جذرية في الهدم وإعادة البناء.
ولكن هل تؤخذ ثورية وحراك مجتمع على مدى سنوات، انطلاقا من معنى القلب الجذري وإعادة البناء على إنقاذ ما يوجد وفق المفهوم "الكلاسيكي" للمادية الجدلية والمادية التاريخية ؟
أم انطلاقا من أخذ المتغيرات التاريخية وظهور العولمة وأدواتها في التصدّي لكلّ حراك ثوري عالمي وبذلك يصبح مفهوم الهدم وإعادة البناء مسألة غير ممكنة عمليا وتاريخيا وما هو متاح عمليا هو المعنى الابستيمولوجي للبناء أعني في ظلّ استمرارية القديم وتعنته يكون بناء الجديد واشتغاله على الزج بهذا القديم للانسحاب على مراحل ومن خلال اكتساح المواقع التي يشغلها ؟
أليست رواية " الطلياني " شاهدا على هذا المجتمع المتحرّك وانتصارا للحركة الثورية في تونس منذ الاستعمار الفرنسي إلى اليوم ؟
قد يذهب البعض إلى أنّ الطلياني هي الانتصار الذي يصوّر الهزيمة ، لعلّ ذلك صحيح بمعنى ما ، ولكن هل يمكن للهزيمة المطلقة إن صحّ التعبير أن تفرز أي مظهر من مظاهر الانتصار ؟
هل حقا كانت الحركة الطلابية واليسار الطلابي بهذا الاخصاء الأنطولوجي والسياسي اللذان كان عليهما أبطال " الطلياني " ؟
يسار فوضوي انفعالي عاطفي مراهق في جانب منه وانتهازي وصولي في بعده الآخر وربّما الإشارة الوحيدة إلى النفس اليساري الايجابي هي ذلك التعليق الذي بادر به من أسماه الكاتب ب الماركسي العربي حين احتج على صخب عبد الناصر وهما يمتطيان الحافلة ونعته بالبرجوازي الصغير " وإنما ببلادة المناضلين الصادقين وهو ينظر إليه مشمئز ، هذه النكت البذيئة لا تليق بالمناضلين ، إنها أخلاق البرجوازية الصغيرة المتعفنة " ص 30.
ولعلّ الكاتب شكري المبخوت في عبارة يتيمة محتشمة أراد الاشارة إلى ما يسمى باليسار العربي ، في مقابل ما يسمى باليسار الغربي المستورد . وهي تقريبا أحد الحجاجات التي دوما يحاجج بها اليسار على أنّه غير متجذّر في عروبته واسلاميته ، وان كان منطق انخراط اليسار التونسي والعربي بشكل عام في جغرافيّته ومقوّمات مجتمعاته فذلك لا يجعلنا نطلق عليه مفهوم أو تسمية اليسار العربي ، لأنّ اليسار كونيّ بمرجعيات ونظريات وانخراط في القضايا الأممية وان كانت لكلّ حركة خصوصية .فيجعل "الماركسي العربي " يتراوح بين ضدّين أمّا أنه اليسار المتشدّد الذي يكاد يفقد صفته الإنسانية اليومية كمناضل وملتزم بقضايا بلاده أو هو المناضل الايجابي المنخرط في الحركة الطلابية بوعي وبحسّ وطني وليس يسارا فوضوي طوباوي كما هو الحال بالنسبة ل " عبد الناصر " الذي نجده في نهاية المطاف ابن النظام و وسط رموزه واحتفالاته التي لم تكن "زينة " من عالمها وعالمه فتركته وارتمت في أحضان الغرب مفلسة من المعرفة والفلسفة ومن الحقوق والقيم ، من المبادئ من المشروع الذي من أجله ناضلت وربحت معاركه تلميذة الابتدائي والثانوي ويوم اشتدّ عودها تهزم في معركة يفترض أنها معركتها الأساسية وفق الرواية . فيتنقل بين ومع نساء صخّرت لخدمة المال والجنس والنفوذ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.