ناجي جلّول وزير التربية الحالي واحد من عشرات الجامعيين الَّذين قرّروا بعد 14 جانفي 2011 مغادرة برجهم العاجي الأكاديمي وغزو هيولى المشهد السياسي الجديد، عُرف بخطاب راديكالي ومتشنّج ضدّ حركة النهضة خصوصا والإسلام السياسي عموما وعلى قاعدته تمّ إستقطابه من طرف القوّة السياسيّة الصاعدة وقتئذ وهي حركة نداء تونس. ولكن بقدرة قادر وبعد فوز حركته في الإنتخابات التشريعيّة ووصول الباجي قائد السبسي لقصر قرطاج أصبح الرجل الّذي قال في الإسلاميين ما لم يقله مالك في الخمر من أشرس المدافعين على التحالف مع حركة النهضة في الحكم. عند تشكيل حكومة الإئتلاف نال ناجي جلّول ثمن حربائيته السياسيّة بأن غنم حقيبة وزارة التربية بعد أن إحتفظ "الشيخ" بالفيتو تحت عباءته، زد إلى جانب ذلك أنّ السيّد الوزير ما فتئ يردّد في "سيرته الذاتيّة" أنّه يساريّ المنشأ ونقابي الهوى وعليه فهو وزير الإجماع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وهو الكفاءة الّتي لا تشوبها شائبة لتحمّل وزر هذه الوزارة الإستراتيجية. منذ تولّيه الوزارة أعلن السيّد الوزير "النقابي" الحرب على النقابات، بدأها بنقابة التعليم الثانوي وها هوّ اليوم يواصل حربه العبثيّة ضدّ نقابة التعليم الأساسي، لا أدري كيف سيستطيع هذا الوزير إصلاح المنظومة التربويّة الكارثيّة وهو في قطيعة تامّة مع المكوّن الرئيس للمؤسّسة التربويّة ألا وهو المربّين؟ خطاب ناجي جلّول الشعبوي القائم على شيطنة المربّين والإستخفاف بنقاباتهم سوف يعمّق أزمة المدرسة في تونس الّتي تحاصرها الأميّة والخرافة من كلّ حدب وصوب، هؤلاء المربّين هم من نستأمنهم على فلذات أكبادنا صفحات بيضاء يخطّون عليها أولى إرتسامات وجدانهم ويهندسون أرواحهم، الطفل يقضّي أكثر وقت في حضرة المربّي منه في حضن أمّه وأبيه وبالتّالي هذا المربّي لا بدّ أن تتوفّر له كلّ الإمكانيات الماديّة والمعنويّة لإنجاز هذه المهام النبيلة. كيف يمكن لمربّي يعيش الخصاصة و يدرّس في مؤسّسات تربويّة تفتقر إلى أبسط التجهيزات وليس له علم بآخر النظريات والأطروحات في علم نفس الطفل وفي علوم التربية وفي مناهج البداغوجيا وغيرها من العلوم ذات الصلة أن ينشئ جيلا سليما و متوازنا؟ الوزير فقد الصواب عندما حدّد علاقة وزارة الإشراف بالمربّين كعلاقة أجير بمؤجّر وفشل في إدارة التفاوض مع نقابتهم بسبب خطابه الإستعلائي المتشنّج.