هكذا سمّاه سيّد القاطرة، على الخطّ رقم 6 لعقود من الزمن، المرحوم عمر الوسلاتي. قبل أن يترجّل إلى الأبد على بعد محطّتين أو أكثر من بلدته قعفور ، وعلى مسافة أيّام فقط من سنّ التقاعد ليترك لوعة كبيرة لدى كلّ من عرفه. العمّ عمر لم يغادرنا لوحده بل رحل برفقة 17 مسافرا إقتطعوا تذاكر الموت. "القطار السعيد" توقّف في جهة الفحص ولكنّ الحزن واصل رحلته ليدخل دون إستئذان كلّ البيوت في بوعرادةوقعفور والعروسة، مدنا بُنيت على ضفاف سكّة الحديد منذ حوالي قرن ونصف. فالقطار هوّ عابر السبيل الّذي يهبها الحياة ، هوّ غنيمة حرب، هوّ وشم تركه المستعمر للذاكرة، هوّ نافذة يطلّ منها أبناء الحديديين على العالم. يتجوّلون بين عرباته كما بين غرف منازلهم، فِيه يضربون مواعيدا مع حبيباتهم أيّام الآحاد ليسافروا في إتّجاه الحاضرة محمّلين بما تيسّر من أحلام جميلة. أبوابه كأبواب بيوت الكرام لا تغلق أبدا، يجلس المسافرون على عتباتها كما على شرفات منازلهم ينفثون دخان سجائرهم ويسردون حكاياهم على وقع سنفونيّة السكّة الّتي خلّدها الشاعر الراحل الطاهر الهمّامي في قصيدة رائعة. يمشي بتؤدة ليترك للعين لذّة اللّقاء مع بحر سنابل القمح الناعمة وأفق يعانق الجمال. سلام على أرواحكم الطاهرة أيّها الحديديون، أنبئكم أنّ فخامة الرئيس قام بزيارة الجرحى وأنّ معالي الوزير أمر بفتح تحقيق جدّي. أمّا نحن فلا نزال بحقائب السفر ننتظر في محطّة لا يمرّ عبرها القطار.