نشر الوزير السابق في عهد الرئيس بن علي،الصادق شعبان مقالا مطولا على حسابه في الفايسبوك ورد فيه مايلي: عندي تعليق محرج ، فعذرا عن الاحراج هناك تعليق تماسكت لحد الان عن الإفصاح عنه و لم أرد ان أقوله ، وذلك لسببين : - احترامي لكل الناس ، من كل المستويات و من كل الجهات ، و امتناعي دائما من إيذائهم بكلام لا يليق ، و هذا هو طبعي ، يعرفه كل الناس منذ مدة طويلة الان ، - و ثانيا لآتي كنت دائما رجلا جديا ،مترفعًا عن الجزئيات ، انظر غالبا الى بعيد ، لا أتوقف عند الأحداث العرضية التافهة التي مع الأسف كثرت في الفترة الاخيرة التي عرفت بالثورة . لقد عرفت اناسا شرفاء ظهروا قبل الثورة و مع الثورة ، عدد هؤلاء كبير ، و انا اليوم أقدرهم ، او ازداد عندي التقدير لهم ، أناس من حساسيات سياسية مختلفة متباينة ، كما أني اكبر في بعضهم الثبات على العهد ، و موقف الرجولة الذي لم يغيره الظرف ، و هم يعرفون أنفسهم ، لم يجروا وراء الرياح ، يمينيين كان بعضهم ، و بعضهم كان من الشمال . غير أني في نفس الوقت ، و هو الحال الغالب ، لمست عند أشخاص و " قيادات "- سميت نفسها هكذا ، سلوكيات غريبة و تصرفات يشمئز منها البشر . هم أناس كنت اعتقد انهم أناسا بحق ، و كنت اعتقد انهم ارفع عما مارسوه بكثير ، لكن للأسف . هؤلاء كانوا من مهن مختلفة ،و من مستويات عديدة و من جهات متنوعة . لا أشير فقط الى مناضلي حقوق للإنسان ، هذا الصنف الغريب الذي كانت مواقفي منه واضحة . ما عدا البعض النادر منهم الذي ظل بشهامته الانسانية و باخلاصه لمبادئه - و هم يعرفون من اقصد منهم ، انقلب " الحقوقيون المحترفون " ، او المرتزقة ، عَلى حقيقتهم ، و تاكدت علاقتهم بالسفارات و بالخارجيات الأجنبية ، و باللوبيات المشبوهة . تعرى المكب على هؤلاء " النشطاء " مع الثورة ، و انقلبت " حقوق " الانسان الى " اسهم " في البورصة سياسية ، و تهافت العديد من هؤلاء على المناصب التي غادرها مالكوها او أرغموا على ذلك باسم بالديمقراطية و الشرعية الثورية ، و تقاسموا المنافع السياسة ، و حصلت بينهم و بين حلفائهم في الأحزاب الجديدة الصفقات ، وهي سيناريوهات كنّا في الحقيقة نعرفها من البداية ، و خرافة حقوق الانسان و البعض من النقابيات كانت بالأساس مطية سياسية . أشير ايضا الى " جامعيين عظماء " ، كانوا في السابق حراس الاستقلال الجامعي ، و لما كنّا زملاء في التدريس كانوا خطباء الحرمة الجامعية ، و كم كانوا يحاضرون في السابق في عهد بورقيبة و بن علي على أهمية التمييز بين المثقف و بين السياسي ، و كم كانوا ينبذون خوض الاستاذ الجامعي - و هو في اعلى ربوة العلم - مستنقعات العمل السياسي " الخسيس " . هؤلاء الجامعيون هم اليوم في مناصب سياسية رغم " خسارتها " ، تدحرجوا بسرعة مذهلة من الربوة الجامعية العالية الى المستنقعات ، ، بعضهم يتقاضى من منظمات اجنبية عسشزات آلاف الدولارات ، فعلوا ما لم يفعله السابقون أبدا . تلاعبوا بالقانون كما شاؤوا ، طوٌعوه و شلكوه ، و صنعوا دستورا اقل ما يقال فيه انه لا خليقة و لا صنيعة ، " عصامي " كما تقول النكتة المعروفة ، خلق نفسه بنفسه و ليس من خلق الله ، لم نألفه في كتابات الفقهاء و لا في الأنظمة المقارنة ، بل انهم وصل بهم الحد الى التنظير للإقصاء من العمل السياسي ، و حل الأحزاب ، و استصدار الاملاك دون قضاء ، و ضرب مباديء العدالة كالقول بمرجعية القوانين و التشريع للعقوبات الجماعية ، كل الأشياء التي لمًيقبلها لا نظام بورقيبة و لا نظام بن علي . فما أروعكم يا جامعي العهود السابقة امام جامعي العهود اللاحقة . لا أنسى ايضا ان أشير الى عديد الصحفيين و أشباه المحامين - الذين اضروا بمهنهم النبيلة ، و أهانوا سمعة زملائهم الذين كانوا شرفوا في الماضي الصحافة و المحاماة . ليس جل صحفي و لا محامي اليوم ، أبدا . فأغلبهم بقي شريفا ، صامدا ، متمسكا بأخلاقيات المهنة ، لا يبتز و لا يفتري ، يدافع بجسارة عن الكلمة الحرة ، و بحماس عن الحق المسلوب . هؤلاء و غيرهم ، ظل بعضهم ينبري ضد كل من يظهر في الفضاء السياسي من الذين عملوا مع الزعيم بورقيبة او مع الرئيس بن علي ، و ينعتونهم بكل النعوت ، تجنيا ، دون تروي ، و دون تحريات . لا تفسير لذلك سوى انه فقط خوفا منهم ، و حفاظا على مواقع جديدة اكتسبوها ، يخشون فقدانها ان عاد هؤلاء القدامى من العيار الثقيل . أقوال لهولاء ان الرجال الذي خدموا البلاد زمن الرئيس بن علي ، و في عهد الزعيم بورقيبة ، هم من أفضل ما أنتج هذا الوطن . كفاءات متميزة ، حاملة لأرفع الشهادات . و خلافا لما يعتقد البعض ، لم يتسلقوا المصعد من خلال الحزب ، بل بالعكس ، اختيروا في الدولة اولا لكفاءاتهم المتميزة ، ثم مرروا للحزب الدستوري - الاشتراكي سابقا او التجمعي فيما بعد - ليتدربوا على العمل السياسي الذي هو ضروري لما قيادة ادارية عليا ، و لينتفع من هم شعبيا ايضا مثلما انتفعت منهم الدولة ، لا ادعي ان ليس هناك من كان في وقت ما و لسبب ما عبئا على الحزب و على الدولة ، و من كان منهم متطفلا . و الحركة الدستورية تحتاج الى نقد ذاتي ، و اثارة الأفعال و الانحرافات ، و بحث سبل تجاوزها ، و ضبط ميثاق شرف جديد ، و يقود هذا الحديث في تجارب الماضي المقدمة لتصور استراتيجيات المستقبل . و أقول اليوم ان بعد الثورة ،و الحمد لله ، معظم المتطفلين هؤلاء هاجروا للحركات السياسية الاخرى ، فتلقفتهم ، و هنيئا لها بهم ، و هنيئا للحركة الدستورية التي تخلصت منهم . كما لا ادعي ان ليس ثمةً كفاءات عالية بقيت في السابق خارج هياكل الدولة و تشكيلات الحزب ، لكني اكاد اجزم ان جلهم كان شارك بشكل او باخر في الجهد الوطني او الحزبي في مواضيع مختلفة ، و أفد الدولة والمجتمع. و كانوا ادوا ذلك عن طوعية و بكل اعتزاز . و اعتقادي ان اغلبهم لم يكن يحس انه يخدم حزبا او نظاما بعينه ، بل كان يشعر عن حق انه كان يخدم و طنا ، يخدم شعبا ، و يخدم أمة . و الغريب أني رأيت العديد منهم يقصى من العمل ، او يحرم من الوظيفة ، او من الارتقاء ، لانه دعي للمساهمة في ببناء تونس العزيزة. الكفاءات الدستورية ، رجال زمان - أعضاد بورقيبة و أعضاد بن علي ، لهم شهادات عالية ، غير مزيفة ، لم يهاجروا البلاد و لم يسكنوا كواليس السفارات . لهم حنكة بكل الأشياء ، و لهم دراية عالية ، تفوق حنكة و دراية المتسلقين الجدد من كفاءات مازالت متدربة ، و اخرى لا أقدمية لها ، فضلا عن تلك القيادات التي لا تمس بأية صلة بمواصفات كفاءات . و قيادات الدستور اجيال تلي اجيال ، و الأجيال الصاعدة تنبئ بكل خير . لم تحظ بالصعود في اخر زمن الحزب الدستوري الذي غلق منافذ عديدة ، لكن اليوم يحدوها الحزم لأخذ القيادة و مواصلة المسار . حقوة القيادة السابقة مع بورقيبة و مع بن علي كانت ترتكز فيما ترتكز على اختيار الأفضل ، ا و على الاستعانة بهم مؤقتا ، و كانت ايضا تعطيهم الفرصة للمبادرة و لأخذ القرار ، و كم نحن اليوم في حاجة لمسؤولين اقوياء جريئين قادرين علي أخذ القرارات السليمة في الأوقات الضرورية دون تلكأ او ارتباك او تاخير . إنجازات الماضي لا تقل أبدا عن إنجازات اليوم . بل هي تفوقها بكثير . راجعوا ارقام المنظمات الدولية . و هي ليست ارقام النظام السابق . فترون أين كنّا ، و أين أصبحنا ، و كيف - وهو الاخطر - سوف سنكون . لاحظوا بأعينكم المجردة ، كل مظاهر الحياة اليومية ، ان ليس لكم الإمكان بقراءة الأرقام ، الديمقراطية التي أتت مع الثورة ليست في الحقيقة ديمقراطية ذات قيمة مضافة ، تفيد المجتمع . فالديمقراطية التي لا تنتج افكارا جديدة ، بين احزاب لها برامج حقيقية متنافسة ، و لا تقدم حلولا جديدة للناس، ليست أبدا ديمقراطية جدية . الديمقراطية التي نعيشها هي في اغلبها ثرثرة ، لا برامج ملموسة و لا مسائل حياتية مدروسة ، و تحاليل خاوية ، يكتنفها الصياح كأسلوب للإقناع او قل لفرض الرأي و اسكات الخصم ، و لا تحدث سوى الفوضى ، و ما يخشى هو انها تهيء للخراب . النقاشات البيزنطية التي تجري في دواليب البرلمان و في شاشات التلفزات او في الإذاعات تحوم حول في مسائل جلها عقيمة ، انقلبت في اغلب الأحيان الى تهريج مجتمعي لا منفعة منه ، سئمها الناس العاديون و المثقفون على حد سواء ، و احتكرها السياسيون و ردفاءهم الاعلاميون ، حيث أصبحوا هم في واد ، و المجتمع كله في واد اخر . رجال الدستور ، و انا منهم ، المخضرمون بين الزعيم و الرئيس ، بين هؤلاء الذين بنوا تونس على مدى ستين سنة ، لا يمكن ان يستحقوا اليوم سوى التقدير و التكريم . كم انا سعيد عندما ارى جل الناس الذين ألقاهم يعاملونني بكل التكريم . و لست الوحيد ، من الاداري في المكتب ، الى العامل ، الى المزارع ، الى رجل الأمن ، و غيرهم كثيرون . فمعظم الذين هم مثلي يلقون هذا التبجيل ، و كل عبارات المحبة و التقدير . صحيح ان البعض منا اساء للحركة الدستورية و لنظام الدولة في السابق ، و لا احد ينكر ذلك ، لكن عدد هؤلاء قليل ، و الحركة قادرة على ان تصحح نفسها ، و ان تزيح الشوائب عنها . و على أية حال ، من هي الحركة السياسية التي لم تخط و لم تسيء في مسارها . هناك حركات لا يفوق عمرها بضع سنوات ، استطاعت فيها ان تتجاوز وان تنحرف ، باشياء اخطر من الحركة الدستورية التي يقترب عمرها من مئة سنة كاملة . دعائي الى أبناء بورقيبة و الى أبناء بن علي ، الى كل اجيال الحركة الدستورية الموحدة . أقول لكم ان المستقبل بين ايديكم ، و تونس اليوم في حاجة أكيدة إليكم . لن يقصيكم احدا أبدا ، فأنتم الجزء الأعظم من الوطن . لن يزدريكم احدا أبدا ، فأنتم بناة المجد و العزة ، و عدالة تونس التي تشرفت بان عرفتها لسنوات لن تكون الا لجانب الحق ، و لجانب المشاركة العادلة في خدمة الوطن . اذا أتهمكم احد بالازلام ، وهي كلمة لا تعني شيئا بالنسبة الي و لا اعرف لحد اليوم معنى لها ، فقولوا الحمد لله ان في العهد هذا لستم من الاقزام . أنتم يا دستوريون وطنيون فعلا ، قادرون مع الاخرين من كل الاطياف السياسية ، ان تهيؤا المناخ الديمقراطي الجديد غير المزيف ، و ان تحموا التنافس السياسي من الانحراف الذي اليوم للأسف لم ينته ، و ان تساهموا في صون تونس من الاخطار المحدقة بها . عودوا كما كُنتُم ، في كل المحافل و في كل الفضاءات ، و تقاسموا مع الصادقين من الحساسيات الاخرى جميعا ، خطاب الوحدة الوطنية و لغة التآخي الاجتماعي ، و انشروا لدى الجميع قيم الذود على سلامة ترابنا ، و حماية أمن وطننا ، و الحفاظ على نمط العيش الحداثي المتفتح الذي ألفناه . حزب الدستور يعود ، بأجيال متوثبة صاعدة . يعود في ثوب متجدد . يعود بالنضالية الوطنية التي طبعته زمن التحرير ، و بالاخلاق العالية و نظافة اليد التي سادت زمن بورقيبة ، و بجدية البناء و قوة الانضباط التى عرفناها زمن بن علي . قد ينتقدني البعض عن هذا التعليق ، و هذا المرة سوف يأتي ممن له كره دفين لبورقيبة ا و ابن علي ، او لكليهما و و حقد لا ينتهي للدستوريين جميعا . و لكني متيقن الان ، و قد لمس الناس معنى الثورة ، و شاهدوا رجالها البررة ، ان النقد سوف يكون قليلا ، منحصرا في تيارات قليلة ، كما انا متيقن ان اغلب التونسيين يريدون ان تعود تونس اليهم ، مثلما كانت ، آمنة ، هادئة ، مزدهرة ، تفتح المستقبل لابنائها ، بعيدا عن مغالطات " أين البترول" ، و عن خطاب الكراهية الذي يزداد انتشارا ، و التلويحات بالانقسام ، و بمخاطر الاقتتال . مناخناالجيوستراتيجي اليوم يتعقد ، و اذا لم نتماسك للحفاظ على نمط حياتنا و مستوى عيشنا ، ستدوسنا الأقدام الهائجة ، و تتسلط علينا السيوف المهجرة ، و تنتصب عندنا حماية كنّا عهدنا مظالمها و مأسيها . الصادق شعبان ، جويلية 2015