سنغرق ما شاء لنا الوقت في الشكل دون الأكل. وسنعبّ من تعريفات الإرهاب ما تنوء بحمله القواميس. سنختلف في تحديد الفرق بين الترهيب والإرهاب. ونفترق في فصل المقال في ما بين الحرام منه والحلال. بين يدي المؤتمر الوطني لمواجهة الإرهاب الذي تداعى إليه طيف من المجتمع السياسيّ والمؤتمر الوطني للمثقفين التونسيين ضدّ الإرهاب الذي تنادى إليه نفر من المجتمع المدني لم يعدْ متاحا لنا أن نأمل كثيرا في كسب المعركة ضدّ الإرهاب، وقد بحّت الحناجر في إعلان الحرب عليه وتراخت السواعد في منازلته في ساحاته. وقلوب الكثيرين معك وسيوفهم عليك ! يخيّل إليّ، الآن، وقد طالت العنتريات الكلاميّة وعلت الظواهر الصوتية ضدّ الإرهاب بلا طائل على أرض الواقع أنّنا في مجرّد حفل تنكّري يدّعي كلّ من فيه وصلا بليلى، وليلى مريضة بالعراق.. سنغرق، من هنا إلى ذلك الموعد، في ضرب من "التبهنيس" الذي ألفناه طيلة هذه السنوات. جرت العادة أنّك إذا أردت طيّ ملفّ من الملفّات شكّلت له "لُجنة"، وأوكلت إليها مهمّة التباحث والتدارس والتشاور والتحاور من أجل الوصول إلى غاية الغايات وهي إحكام ردمه. ولكم في تاريخ اللّجان المشكّلة طيلة هذه السنوات الأخيرة شاهد لا يخيب. وبالمثل، لا بدّ في مثل هذه المناسبات التاريخيّة من التفكير في عقد مؤتمر وطنيّ، فالكلام فنون وذو شجون. ولا بدّ له من كراسيّ مصفوفة ومنصّة منصوبة. وكلّنا ضدّ الإرهاب ! سيهرع، كالعادة، جماعة من المتربّصين الجاهزين لعقد مؤتمر استباقيّ مواز للتنديد بالإرهاب والتشنيع على داعميه في البرّ والسماء. ثمّ يذيّل "بيان المثقفين" بذات الأسماء. سيصرخ، من منابر إعلام الزمقتال، لفيف من "الاستراتيجيّين" بأنّهم وضعوا خطّة استراتيجية في مجابهة الإرهاب على عهد الترويكا، ثم على عهد التكنوقراط، وسلّموها لرئاسة الحكومة. وتردّ رئاسة الحكومة بأنّ الخطّة إياها قد أكلها الداجن ! أمّا عن المؤتمر الوطنيّ لمكافحة الإرهاب المزمع عقده بعد أسابيع، فسنختلف في شكل هذا المؤتمر، وفي شخص من يرأسه، ومن يحضره. سنختلف في جدول أعماله، وفي أشغاله وطبيعة رهاناته. وها قد بدأت جعجعة المؤتمر تعلو بين من ينادي برئاسة فلان ومن يرفع الفيتو في وجه علاّن. وسيكفينا اللّه – كالعادة- شرّ القتال، وتسلّم القيادة لشخصيّة "توافقيّة" يجتمع حولها الائتلاف الرباعي، وتتذمّر منها بعض أطياف المعارضة قليلا، ثمّ تلعن الشيطان، وتلتحق بالركب. وتلك نعمة النسيان. سنختلف في من يجلس على المنصّة ومن يجلس في القاعة، ومن يقرأ ورقة ومن يرتجل كلمة، ومن يعقّب ومن "يشكّب". سنختلف في تعريف الإرهاب والإرهابي. ونفترق في تسمية مآتيه ومشاربه، وموارده ومضاربه. ونحترب في رسم سلالته وحاضنته، وملامحه وأقنعته. وسنتحايل – حرصا على جوّ الوفاق والنفاق – لكيْ لا نفكّ أحزمته الحقوقيّة والسياسيّة والدينيّة والإعلاميّة والأمنيّة. سنخوض مع الخائضين في الالتباس الحاصل بين الجريمة الإرهابيّة والمقاومة الشرعيّة. ونترامى بالاتّهامات. ونتراشق بالإدانات. وكلّ يعلّق وزر ما جرى ويجري على الخصم اللّدود. ولكلّ فريق ترسانة جاهزة لليوم الموعود. سيغضب هذا. وينسحب ذاك. وتشكّل لجنة وطنيّة للتباحث في ردّ الغاضبين والمنسحبين إلى "حظيرة" المؤتمرين. وستُستأنف المداولات وتترى المشاورات. وإنْ يسّر اللّه، سيتلو علينا "شيخ" منهم بيان تونس ضدّ الإرهاب. في حفل تنكّري تشتبه فيه المؤتمرات بالمؤامرات، ويقوم على "التبهنيس" والتقيّة، وتغيب فيه الصراحة والنقد الذاتي، لن يعترف أحد بمسؤوليته في انتعاش فلول الإرهاب. ولن يعتذر أحد عمّا زيّن فكره أو صنعت يداه. وسينسى الآخرون ما دبّجوا به راياتهم الانتخابيّة من وعد ووعيد، وترهيب وترغيب. وسيسارعون، زرافات ووحدانا، إلى توزيع البسمات الصفراء على المصوّرين. سيتعانقون في التلفزيون. ثمّ يعودون إلى أهلهم فرحين. "كلّنا ضدّ الإرهاب مهما يكنْ مأتاه " سيكون شعار المؤتمر ! *نقلا عن صحيفة الشروق