و«الستين حزبا» أخشى ما أخشاه على تونس من ساسة التعاسة لا أن يفوق عدد الأحزاب فيها «الستين حزبا» فهذا وارد لا محالة، وإنما أن يصبح عدد الأحزاب فيها يساوي عدد كراسي مجلس النواب ومجلس المستشارين وقصر الحكومة وربما أكثر. وكيف لا يكون ذلك كذلك والحال أن كل من اتخذ من السياسة وسادة «رقد فيها مزروعة» كما يقول أهل القول ممن جرّبوا خفايا الحياة: وهو يحلم بالرئاسة والجاه والسلطان وزرعه مزروع وخبزه مخبوز وزيته في «الكوز» ثم أليس بنو ساسة يقرون بأن السياسة لعبة والفوز فيها للألعب اللعوب في كل الشعوب. ولذلك لا نسمع اليوم في ساحتنا إلا من ينادي من «سادتنا» الساسة ضمنيا «نلعب وإلاّ نحرّم». ولهذا لا غرابة إن أدرك الشعب الكريم بأذكيائه وفطنته وحتى بمتخلفيه ذهنيا أن الجماعة يلعبون بتونس إذ لا نرى بينهم في صراعهم على الحكم إلا هذا «يشكّب» على الآخر. وهذا يحرم على الآخر ما حلله لنفسه معنى ذلك أن الكل «يلعب ويحرّم» في نفس الوقت. واللاعبون كثّر. والنبّارة أكثر والإعلام «رشّام» والشعب فرّاج والوطن في الرهان. وكل شيء مباح في هذه «الأطراح» والأمن «فارش» والاقتصاد يلعب على ورقة بمقياس لعبة «الرامي» والفوضى هي «الجوكير» الذي يحبذه اللاعبون بمصير السياسة ومستقبل البلاد. معذرة إن اتخذت من المقاهي لغتي فعذري إنها اللغة السائدة في الإعلام والشارع هذه الأيام. الثورة ليست عرسا تحييه فاطمة بوساحة في كل ساحة حتى ننظر للوجوه ونفرق الأحزاب عفوا اللحم. الثورة طوفان على الفساد والألاعيب بأموال ومصالح الشعب. أعتقد جازما أن الحكومة المؤقتة تدرك جيدا هذا وتعيه وتعرف كل «الأطراح» ولكن ما لا أعرفه هو متى ستقول هذه الحكومة لهذه الشريحة من الحزيبات «امسح مات».