كان عددهم السنة الفارطة أقل من خمسمائة شخص، وانخفض العدد هذه السنة الى حوالي النصف. لا ندري كم سيكون عددهم العام القادم. بلا شك نحن أمام محرار مهم للكبوة التي تعيشها احتفالات معبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة التي تقام نهاية هذا الاسبوع. كان احتفال الغريبة ومايزال رمزا تاريخيا لا لعراقة أقدم جالية يهودية خارج أرض فلسطين ولكن لصورة تونس المتعددة المنفتحة المختلطة المتسامحة على امتداد ثلاثة الاف سنة. صحيح أن الظروف الامنية غير المستقرة لعبت دورا في هذا الانحدار الذي عرفه الاحتفال مما نتج عنه عزوف المئات من اليهود التونسيين من كافة انحاء المعمورة عن القدوم كما كانوا يفعلوا منذ سنوات، ولكن عدم جدية الحكومة السابقة في مواجهة التيارات المتشددة رسخ الفكرة الرائجة التي جعلت بلادنا في قائمة البلدان التي يجب تجنبها في وكالات السياحة العالمية. في أيام الرئيس السابق وصل عدد زوار الغريبة الى عشرة الاف زائر يهودي قدموا من اصقاع العالم الأربعة بمن فيهم اسرائيليون من اصول تونسية مع ما يطرحه ذلك من مشكل التطبيع، غير ان العارفين بزوار الغريبة يعرفون ان غالبيتهم من يهود المهجر الاوروبي والامريكي الذين مازالوا متعلقين بتونس، مستعدين لتقديم المساعدة لها اقتصاديا وسياسيا بكل ما يعرفون عنهم من ثراء ونفوذ. منذ عامين، تغير الوضع وتوقفت زيارة اليهود التونسيين الى بلدهم الاصلي ودفع احتفال الغريبة السنوي ضريبة هذا الانحسار. اذا تواصل وضع الانخرام الامني على ما هو عليه نحن نتجه كما قالت المؤرخة التونسية اليهودية صوفي بسيس الى نهاية الوجود اليهودي بأكمله في تونس لا مجرد نكسة موسمية لاحتفالات الغريبة. عندما نتابع موجة تدمير وحرق المزارات الصوفية الاسلامية واخرها مقام سيدي بوسعيد في شمال العاصمة نتساءل عن مصير المعابد والكنائس اليهودية والمسيحية. لم يسلم المسلمون من المسلمين مثلهم فكيف حال التونسيين من اصحاب الديانات والاعراق الاخرى؟! عندما نشاهد الاسلاك الشائكة ودوريات الحراسة على الكنيس اليهودي بشارع الحرية بالعاصمة يحق لنا التساؤل: كيف لمواطنين تونسيين جاؤوا قبلنا الى هذه الارض ان يعيشوا تحت الحراسة؟! السنة الماضية قام الرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي بحركة رمزية تحمل الكثير من الدلالات عندما لبس الشاشية التونسية احتراما للتقاليد اليهودية (الكيبا) وزار معبد الغريبة في الذكرى العاشرة للتفجير الارهابي الذي قتل واحدا وعشرين شخصا جلهم من السياح الالمان. وضع المرزوقي شاهدة لذكرى الاعتداء الذي استهدف المقام وأبن القتلى وطمأن الطائفة اليهودية ولكن من الواضح ان الخوف ما يزال مسيطرا وان مستقبل الوجود اليهودي في تونس كله بات محل سؤال. من المفارقات ان احتفالات الغريبة التونسية هذه السنة تأتي والطائفة اليهودية المصرية تودع الى مقبرة البساتين، كبرى المقابر اليهودية في القاهرة،كارمن وينشتاين رئيسة الطائفة اليهودية قليلة العدد والمتبقية بأرض الكنانة. في بلدان الربيع العربي، في تونس كما في مصر، شاخت الفئات العمرية للطائفة اليهودية واصبح الشيوخ والعجائز البقية الباقية منهم. واما شباب الطائفة من البلدين فيفضل ان يحمل حقائبه ليكمل حياته بعيدا عن ارض اجداده. لم تنفع وعود حكومات الثورة الاخوانية في كلا البلدين، في تطمين طائفة مازالت رغم عراقتها تصنف غريبة ويشبه أتباعها في الكتب المدرسية الاسلامية بالقردة والخنازير!