بدأت الحكاية عندما جلس محام فاضل فوق كرسي برنامج ترفيهي تخطى كل الحدود الأخلاقية في سبيل تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة. في إطار ساخر و مضحك و أحيانا بتأثر مبالغ فيه لم يدخر محامي بن علي جهدا في الدفاع عن موكله و شككك في الثورة و تحدث عن أربعة انقلابات و وجه ضمنيا أصابع الإتهام للمؤسسة العسكرية فخر كل التونسيين و "العمود الوحيد" الذي ظل صامدا و يحظى بثقة جميع التونسيين.. دون أدنى شعور بالمسؤولية و دون أدنى تقدير لما قد ينجر عن ذلك من نتائج في دولة تقود حربا ضد الإرهاب بإمكانات بسيطة، بدأت موجة التشكيك في ثورة الحرية و الكرامة التي لولاها ربما لما عرف هؤلاء معنى الكرامة يوما. و هنا لا أملك إلا أن أقول شكرا للسياسيين و للحكومات التي تتالت دون أن تحسن شيئا في معيشة التونسيين و أعطت للبعض الحق في أن يتأسفوا على بن علي و زمن بن علي. لا أدري ما هو المراد من حملة التشكيك هذه التي قامت فجأة لتنزع عن الثورة اسمها و تلبسها ثوب الإنقلاب، متعللين في ذلك بأن خروج بن علي كان بتدخل أجنبي و كأن هذا التدخل ينزع عن الثورة اسمها خاصة أننا نعيش في عالم تتداخل فيه المصالح و تحكمه قوى عظمى لا تفوت فرصة التدخل في شؤون البلدان النامية ؟ إن المتأمل في هذه الموجة لا يستطيع إلا أن يستنتج شيئين أساسيين و هما إما أن هذا التشكيك يندرج ضمن إطار البحث عن "شرعية" جديدة لبن علي و إخراجه في صورة الضحية لحشد تعاطف الناس حوله و تمكينه من العودة إلى تونس لمحاكمته، أو أنه ضرب للمؤسسة العسكرية.. و مهما كانت النوايا فإن الحديث عن انقلاب هو بالأساس ضرب للمؤسسة العسكرية فخر كل التونسيين. رغم أن كل العالم تقريبا أشاد بسلمية هذه الثورة و رغم أننا لم نر لا تدخلا أمريكيا و لا روسيا على أراضينا و بقيت مؤسستنا العسكرية محايدة تماما و لم تدخر جهدا في تأمين المرحلة الإنتقالية . ورغم طول المدة و رغم الأحداث الدامية التي شهدتها بلادنا و الظروف الإقليمية المشجعة على الإنقلاب العسكري، لم تقترب المؤسسة العسكرية من السياسية و ظلت المؤسسة الوحيدة تقريبا التي تحظى بثقة كل التونسيين. هنا أتساءل أهكذا يكون الإنقلاب و هل سمعتم يوما عن انقلاب أنتج دستورا بقيمة الدستور التونسي الحالي؟ هم يخشون تزوير التاريخ و نحن نخشى على ما تبقى في هذه الدولة من مؤسسات، خاصة و أن داعش على بعد 70كلم من حدودنا و الإرهاب "البارد" ينخر مجتمعاتنا مستغلا في ذلك هامش الحريات الكبير و تردي الإوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية المتردية وفي المقابل انشغال الإعلام بتحقيق ال buzz...إعلامنا الذي يعاني الكثير من اللاوعي و اللامسؤولية و اللاكفاءة ربما ينتظر ضربة إرهابية جديدة ليعود إلى رشده فيتحدث يوما أو يومين عن الحادثة بنفس الأسلوب و نفس الوجوه و سرعان ما ينسى و يعود إلى عبثيته و "هبوطه الحر". لذلك ربما بات التفكير في ضبط قوانين تمنع الحديث عن الثورة على الأقل في هذه السنوات الصعبة أمرا في غاية الجدية...فلا مجال لتزييف التاريخ في بلد اسمه تونس.. و ليعلموا ان في هذا الظرف بالذات التشكيك في المؤسسة العسكرية هو خط أحمر و ليس من مصلحة الوطن في شيء و أن ثورة الشباب الثائر عن الظروف المعيشية زمن بن علي و إن كانت ازدادت ترديا لأن الحكومات و السياسيين خذلوه إلا أنه لازال يعيش على أمل و حلم بغد أفضل.. فلا تصادروا 0مالنا و لا تقتلوا أحلامنا و تجاوزوا هذا الموضوع و فكروا بداعش التي تقترب منكم من يوم ل0خر.