في أواخر سنوات منفاه اللندني،كان زعيم حركة النهضة المحظورة وقتذاك في تونس ممنوعا من دخول المملكة العربية السعودية لأداء مناسك الحجّ. وخلال هذا العام أعلن راشد الغنوشي أنّه سيؤدي فريضة الحجّ بدعوة شخصية من خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز.فما سرّ تحوّل العلاقة بين الطرفين؟ من المعلوم أنّ حركة النهضة -وبشكل خاص جناحها الراديكالي المتشدّد الذي كان يقوده آنذاك راشد الغنوشي مهندس سياسة التوافق عهدئذ في تونس-قد اتخذت موقفا مناهضا للتدخل الغربي في العراق ابان حرب الخليج الثانية مطلع العام 1991 بعد اجتياح القوات العسكرية العراقية بقيادة صدام حسين للكويت والذي أفضى إلى قيام تحالف خليجي- أمريكي بالأساس توّج بعملية عاصفة الصحراء الشهيرة. الغنوشي تبنى آنذاك خطابا شديد اللهجة وقد عكسته تصريحاته وبعض كتاباته التي كانت مناوئة بشكل شرس للمملكة العربية السعودية التي سمحت بدخول قوات أمريكية لأراضيها في عمل عسكري ضدّ العراق التي أجبرت في الأخير على مبارحة الكويت بعد أن قامت بغزوها في أوت 1990. ومنذ تلك الأزمة عرفت علاقة حركة النهضة بدول الخليج وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية والكويت فتورا كبيرا وقطيعة تكاد تكون تامّة بلغت حدّ أن منع الغنوشي من دخول بلاد الحرمين الشريفين حيث تمّ طرده من مطار جدّة وهو بلباس الاحرام رغم حصوله على التأشيرة من السفارة السعودية بلندن ما جعله يستنكر ما وصفها بعملية "تسييس الحجّ". لا مريّة في أنّ علاقة التقارب الوثيق حينئذ بين نظام الرئيس زين العابدين بن علي ونظيره السعودي قد زادت في تضييق الخناق على زعيم حركة النهضة الذي أحيته ثورة الشعب التونسي من جديد وهو يكاد يكون رميما. ولكن حتّى مع بزوغ فجر الثورة في تونس والدور الطلائعي الذي أضحت تلعبه حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي في المعادلة السياسية التونسية،فإنّ العلاقات بين الطرفين ظلّت لا تخلو من برود. بيد أنّ هذه العلاقات ما انفكت تعرف تقاربا دبلوماسيا ترجمته زيارة التعزية التي قام بها وفد من حركة النهضة تقدمه راشد الغنوشي وعبد الفتاح مورو في جانفي 2015 بعد أن وافت المنيّة الملك السابق عبد الله بن عبد العزيز. من المهم التأكيد هنا على أنّ الخلافات التاريخية بين حركة النهضة والقيادة الملكيّة السعودية ممثلّة في آل سعود لم تكن وليدة التباين في المواقف السياسية من قضايا اقليمية على غرار حرب الخليج الثانية أو التطورات التي شهدتها مصر بعد الاطاحة بالرئيس الاخواني محمد مرسي بل أيضا هي لها أبعاد وخلفيات عقائدية وأيديولوجية. لاشكّ في كون أنّ علاقة حركة النهضة بالمملكة العربية السعودية قد دخلت خلال العامين الاخيرين منعطفا جديدا قد يكون فرضه الواقع السياسي المحلي التونسي والاقليمي العربي بشكل خاص.فالغنوشي بعد أن دعي خلال شهر رمضان الفارط من قبل العاهل السعودي لتناول طعام الافطار في قصر الصفا بمكة رفقة عدد من قادة الدول والشخصيات السياسية الوازنة يتحوّل خلال هذه الأيام لأداء مناسك الحجّ بدعوة شخصية من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ظاهرها كياسة وباطنها سياسة.