أعلن يوم 02 نوفمبر الجاري عن إنطلاق البث الرسمي لراديو "كلمة" ليغطّي ولايات تونس الكبرى. ولقد حضر الندوة الصحفيّة التي إنعقدت بالمناسبة عدد كبير من الإعلاميين والنشطاء للوقوف عن كثب عن الجدّة الشكليّة والبرامجيّة في هذا المشروع الذي يُقدّم على انّه الإذاعة البديلة والمهنيّة في عصر فوضى الإعلام ووقوعه تحت التجاذبات الماليّة والسياسيّة. وإذا كان الملاحظين والمستمعين ينظرون لقادم الأيام للحكم على هذا المولود الجديد إذا ما كان سيلبّي تطلعاتهم في تقديم معلومة دقيقة وحيّة وصحيحة في صيغ متنوّعة وتشاركيّة, فإنّ إدارة المؤسسة وطاقمها لن يغفلو عن إسترجاع السنوات الصعبة التي صاغوا فيها فكرة المشروع وسهروا على تنفيذها. فسهام بن سدرين وعمر المستيري و فاتن حمدي والهادي الرداوي والمولدي الزوابي ومعز الجماعي وغيرهم لن ينطلقوا من فراغ ولن يبدؤوا فقط من إتساع هوامش الفعل الإذاعي بعد 14 جانفي ذلك أنّ وراءهم الكثير لمراكمته: ففي سنة 1999 تقدّمت إدارة راديو كلمة بمطلب للحصول على ترخيص للبثّ عبر الأثير مستوفية في ذلك كلّ الشروط إلّا أنّ وزير الداخليّة رفض طلبها في الحصول على رقم سجلّات المحكمة التجاريّة يحفظ وجودها بشكل قانوني. إنّ هذا الرفض لم يثنها عن الإلتجاء إلى الفضاء الإفتراضي لإيصال صوتها فأنشأت من الخارج في أوت 2008 موقعا إليكترونيا خاصا بالإذاعة وبدأت البثّ عليه. إلّا أنه سرعان ما تمت في أكتوبر 2008 قرصنة الوقع وتدمير كامل محتوياته ووّجهت في ذلك أصابع الإتهام إلى بوليس الإنترنيت التونسي. وعندما بدأت "كلمة" في 26 جانفي 2009 البثّ على الأقمار الإصطناعية دشّن النظام حملة شرسة وغير مسبوقة على إدارتها وصحافييها.فحاصر بوليسه منذ الثلاثاء27 من الشهر نفسه المقر الذي تُعدّ فيه المادّة الإعلاميّة مانعة أيّ دخول إليه بما فيهم صحافيوها مما دفع بثلاثة منهم إلى الإعتصام داخله, كما هُدّد مديرها بسكين, وأعتدي على الصحافيين بوخذير والذوادي وعدد من النشطاء الحقوقيين حين قدموا في إطار التضامن. وعندما فشلت محاولة التخويف هذه أصدرت السلطة أمرا قضائيا باطلا يقضي بإفراغ المقر من شاغريه ومصادرة كلّ محتوياته وإغلاقه, وهو ما تمّ فعلا في 30 جانفي, كما فُتح بحث تحقيقي في حقّ رئيسة تحرير الراديو بتهمة "الشروع في البثّ بالرغم من عدم الحصول على ترخيص قانوني". وقد أكملت وكالة الإتصال الخارجي حربها على الإذاعة عندما إشترت صفحات بجرائد لتشويه بن سدرين في المغرب ولبنان وسويسرا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا مثلما أوكلت لأعوانها بالصحف الصفراء التونسية لتنظيم حملات متواصلة ضدّها متهمة إياها تارة بالجوسسة والعمالة لإسرائيل والإحتماء بالإستعمار الأجنبي والمتاجرة بحقوق الإنسان, وناعتة إياها تارة أخرى بكلّ النعوت اللّا أخلاقيّة في تدشين لبرونغرافيا إعلاميّة لم تعرفها بلادنا في السابق . كما ضغطت على عدد من صحافييها و استمالتهم لينظّموا بدورهم حملات ضدّها في الداخل والخارج مروّجين نفس التهم السابقة في حقّها. وقد تعرّض صحافيو الراديو الذين إستماتوا في مواصلة أداء رسالتهم إلى مختلف صنوف المتابعة والإهانة والتعنيف طالتهم في سلامتهم الجسديّة والمعنويّة وفي أجهزة عملهم وفي حياتهم الأسريّة. ويبدو أنّ الثورة أيضا لم تف الإذاعة حقها ذلك أنّ التوصية بالوجود القانوني لم تمرّ إلى الحصول على تردّد البث إلا في 17 أوت 2011 . وإذا كانت "كلمة" عبر هذه المسيرة المتحدّية والصعبة قد حصدت أسبقيّة رمزيّة فهل ستقوى أمام التحديات التقنية والماليّة والسياسيّة أن تحمي هذه الجدارة وتصونها؟ *صدرت هذه البطاقة في عدد الخميس 08 نوفمبر من جريدة "صوت الشعب"