من شدة الألم و"المغص" الذي أصابني وأنا أتابع تداعي المواطنين في شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها إلى الدخول في إضرابات عن الطعام، كأن لم يبق من وسيلة للدفاع عن الحقوق إلا الجوع، خطر ببالي أن أقيّم الخسائر التي تكلفها تلك الإضرابات للدولة والمواطنين، فوجدت ما يستوجب التوقف والتقييم. كل مضرب عن الطعام يحتاج تغطية إعلامية ورعاية طبية وتضامنا حقوقيا وإلا كان اضرابه عبثا، فمن أين للوطن كل هذه الطواقم البشرية الخيّرة؟ كل مضرب في شرق البلاد أو غربها يحتاج إلى مكان واسع يستقبل في الزوار والمتضامنين، وما يتبع ذلك من توزيع للمشروبات والشاي والقهوة وربما عشاء أو غداء، فالزوار يأتون من مسافات بعيدة وحتاجون إلى طاقة ووقود لهم "ولدوابهم". كل مضرب يساهم في تلويث المناخ والإضرار بالبيئة وطبقة الأوزون بسبب ما تنفثه السيارات القادمة لعيادته والتضامن معه، أو المتوقفة عند نقاط التفتيش من محركاتها وعوادمها! كل مضرب يكلف مناصريه أوقاتا ثمينة كانت المصلحة أولى أن تُوفّر لخدمة الوطن أو لإسعاد الأهل والأبناء، والتقليل من المشاكل الأسرية بسبب قلة الفراغ. كل مضرب يكلف الدولة كتائب من "رجال الأمن" للتمركز على طول الطرقات المؤدية لبيته من أجل منع من يفكر في إثنائه عن إضرابه، ذلك أن كثيرا من الزوار يحملون معهم هدايا ومأكولات لا تناسب المضربين عن الطعام وتصيبهم بالإسهال! كما أن فسح المجال أمام المضربين ليلقوا حتفهم هو مقصد عامّ! ... للمضرب كي يرتاح من عنائه، ولذلك أعلن الإضراب! ... وللدولة كي ترتاح من صداعه ونفقاته الباهظة! كل مضرب عن الطعام يتسبب في جرائم كثيرة تحصل في البلد، لأنه يشغل رجال مقاومة الجريمة عن القيام بواجبهم الأصلي، وذلك بتفرغهم لحمايته من نفسه وضيوفه ووسوسات الشياطين! فيخلو الجو لعصابات السرقة والنهب والتهريب، وخطف الأطفال، والفواحش والمخدرات! كل مضرب عن الطعام بناءا على ما سبق مجرم سلبي مشجع للجريمة والمجرمين! ولكي نجنّب المضربين وبلادنا وشعبنا مساوئ إضرابات الجوع التى أوردنا بعضها ذكرا لا حصرا ونبقي على الإضراب كوسيلة مدنية حضارية للتعبير عن التمسك بالحقوق، فإنني أبسط بين أيدي حضراتكم مشروعا أرى أن فيه الخير للراعي والرعية لا أريد من ذلك جزاءا ولا شكورا وإنما هو النصح في إطار القيام بواجبي الوطني تجاه شعبي وحاكمي. أقترح تخصيص مركز وطني عامّ يكون ملاذا يجتمع فيه المضربون عن الطعام، لتوفير أوقات الزائرين والمتضامنين الذين يشدون الرحال من مدينة لمدينة من أجل زيارة مضرب هنا ومضربة هناك، ويصبح بإمكان لجنة طبية واحدة القيام على المركز بأسره، وكذلك لجان التغطية الإعلامية، وأما توفير "رجال الأمن لمكافحة الجريمة التي تنخر الوطن، فحدث عن ذلك ولا حرج! وإذا أحسنا إدارة المشروع ولم يسط عليه المتنفذون فإننا سنوفّر للوطن أموالا طائلة نقيم بها مشاريع إقتصادية ونفتح بها أماكن عمل لتنتفي مبررات إضرابات الجوع! ويجدر الإشارة أن المقرّ المقترح هو مؤسسة حكومية ذات نفع عام لا يدخلها أحد بقصد الإضراب إلا بعد الحصول على ترخيص، وإقناع الجهات المعنية بوجاهة قراره! كما أن الزائرين يجب أن يحصلوا على مواعيد وبطاقات للزيارة من أجل حسن التنظيم وتجنّب الإزدحام والمشاكل! كما أقترح تخصيص جناح منه يكون بمواصفات "5 نجوم"، فقد عزمت على الدعوة لإضراب جوع جماعي من أجل حمل الرئيس على "استكمال مشروعه الوطني وتأصيل ثوابته"! وإن شاء الله كل إضراب وأنتم بخير! صابر التونسي