غالبية الشعب التونسي عانت من قهر "التجمّع" ولجانه الدستورية المنتشرة في كل مكان، تنخر "ميكروباته" جسم الوطن بالسهر والحمى حتى كادت تكتب شهادة وفاته، لولا المضادّ الحيوي الذي صنعه القهر والظلم فكان بلسما يشفي الجراح ويعيد البسمة والأمل. ويوم أن صدر الحكم القضائي بحلّ "التجمع" استبشر التونسيون بلحظة كانوا يعدّونها من الأحلام البعيدة، ولكن إرادة الشعب وتوفيق الله جعلتها حقا! التونسيون الذين فرحوا بهذا الحدث العظيم وما أكثرهم عاد بعضهم الآن يتساءل وأنا منهم أيهما أفضل لو بقي التجمع باسمه المقزز وتاريخه الأسود ودخل الانتخابات بقائمة واحدة تنافس بقية القوائم، أم ما آل إليه الأمر من تأسيس عشرات الأحزاب "التجمعية" التي تظاهرت بأنها تخلّت عن إرث التجمع ومساوئه؟ هذه الأحزاب التي تملك المال والكوادر ووسائل الدعاية وشبكة اتصالات واسعة، ستخوض الإنتخابات بعشرات القوائم، هدفها هو ثكثير سواد التجمّعيين لتتمكن من سرقة الثورة أو الإلتفاف عليها، خاصة مع اهتمام أغلب الأحزاب الأخرى بتقديم مصالحها الذاتية الآنية على المصالح العامة والإستراتيجية. وقد صرنا في هذه الأيام نرى عودة الرّوح للتجمعيين، بل رأينا منهم من يعبّر جهارا نهارا عن اعتزازه بالإنتماء للتجمع المنحلّ ويلوم "المتخاذلين" عن الإعتزاز به، ذلك ما تناقلته كثير من أشرطة الفيديو التي بثت في المواقع الإجتماعية نقلا عن اجتماعات الأحزاب التجمّعية. كما حاولت بعض النخب أن تسوّق لنا مفهوم "التجمعيين النّظاف" وجعلوا من السيد "محمد جغام" أمين عام حزب الوطن "صوتا من أصوات الحكمة والإعتدال والرصانة" على حدّ تعبير أحد الصحفيين في قناة "برلسكوني" التي كان "بن علي" يمثل لها "أبا حنونا" قبل فراره. السيد جغام صرح في أحد برامج القناة المذكورة بأن الأحزاب التجمعية ستكون قوة ضاربة في المجلس التأسيسي وأن تكتّلها وارد وفوزها مؤكد! السيد جغام الذي تولى وزارة الداخلية في عهد "بن علي" عدة سنوات وارتُكبت تحت مسؤوليته عدة جرائم وفضاعات، تنصّل منها بقوله: "هُوّ ثمّة وزير داخلية مع بن عليّ؟" ويقصد أن "بن عليّ" يعيّن وزير داخلية بصفة صورية ثمّ يمارس بنفسه مهام وزير الداخلية! ونعتقد أن زعمه صادق إلي حدّ كبير، ولكن السؤال للسيد جعام هو : إذا كان مناضلا وشريفا وصاحب مواقف كما زعم، فكيف يرضى لنفسه أن يكون شاهد زور، وأن يلعب دور محلّل الحرام، وأن يكون بالتعبير التونسي "طرطورا" ترتكب الجرائم باسمه وتُزوّر إرادة الشعب أمام عينيه؟ بأي وجه يريد السيد جغام أن يقنع الناخبين التونسيين بالتصويت لفائدة حزبه أو لبقية الأحزاب التجمعية، التي يرأس بعضها أناس من أصدقائه مثل حزب المبادرة الذي يرأسه السيد كمال مرجان. أعتقد أن "النّظاف" على فرض وجودهم من الزعامات التجمعية التي خدمت نظام "بن علي" قد انتهت صلوحيتها السياسية وعليها أن تدخل الأرشيف وتترك الساحة لمن ليس له تاريخ ملوث في ركاب "بن علي" أو سلفه، أما "المسّخين" فيجب أن يحاسبوا عن "الكبائر" التي ارتكبوها من قبل القضاء العادل عجل الله فرجه وعفى الله عما سلف من صغائرهم. ومن أراد أن يخدم تونس من قدماء "التجمع" فمجالات العمل غير السياسية كثيرة، ومن كان منهم مصرا على العمل السياسي فعليه أن يتطهر أوّلا من أدران الماضي في مجالات أخرى حتى لا تكون عودته مستفزة! في هاذين الرابطين يوجد توثيق لبعض مما قلت http://www.youtube.com/watch?v=pKrw7rVVISU&noredirect=1 http://www.youtube.com/watch?v=X46pHFZU1PE طه البعزاوي