ترتفع أصوات علماء كوكبنا على اختلاف تخصصاتهم العلمية منذرين بوقوع كارثة بيئية بدأت نذرها تَلوح وآثارها تُلمس، بسبب ما يحدث من تغيّر مناخي، في الوقت الذي تغط فيه غالبية سكان الأرض في سبات عميق غير مستشعرة للخطر الداهم، التي إن نجت منه فلن ينجو منه ابناؤها أو أحفادها! فالبشرية اليوم منشغلة بالصراعات السياسية والصراعات على مواقع النفوذ والحدود وعلى الموارد البيئية والثروات، والسباق المحموم على التسلح للتمكن من الوسائل التي يردع بها الآخر لتملى عليه الشروط ، فيدفع ضريبة سلامته أو حمايته! وفي غمرة هذه الصراعات ينسى عموم الناس أو يتناسون أن هناك خطر يهدد وجودهم، يتفاقم كلما زادت الصراعات واشتد السباق. ومع أن الخبراء يؤكدون بالإحصائيات العلمية والأدلة شبه القطعية أن معظم المشاكل ناتجة عن التغير المناخي والإرتفاع الحراري على الكوكب بسبب ما ينبعث من غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن عمليات الإحتراق التي أصبح الإنسان يعتمد علها في كثير من مجالات حياته، فإن الإكتراث بالمشكلة لم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب الذي قد يمكن من إيقاف الطوفان وإطفاء الحرائق، والذي سببه الرئيسي جشع الإنسان ولامبالاته بما يمكن أن يحصل في غده مقابل لذة أو نشوة قد يعيشها في يومه. إصرار كبير من الدول التي تسببت في الكارثة على عدم تحمل مسؤولياتها والتنازل عن بعض من امتيازاتها للتخفيف من الآثار الحالية للمشكلة، وذلك بمساعدة المحتاجين والمتضررين مما عرفه العالم السنوات الأخيرة من جفاف وفيضانات، وكذلك الإقدام على خطوات جريئة وشاقة من أجل دفع الضرر الأكبر المتمثل في تهديد الحياة على وجه الأرض. من جهة أخرى ترى الدول النامية والفقيرة أنها لم تسبب المشكلة وليست مستعدة لتحمل تبعاتها، ويغفل هؤلاء وأولئك أنه لا خيار أمامهم إلا التعاون والتكاتف من أجل تخفيف الأضرار، ومنع "التسونامي" من الضرب في كل اتجاه. السفينة تغرق والناس يتقاتلون على ما تحمله! ... نتعلق في فرع الشجرة حتى لا نسقط في الهاوية! ولكننا نقطعه في الآن نفسه بالمناشير لنتدفأ على حطبه ويصلي بعضنا بعضا بناره! الله تعالى أنشأ الإنسان من الأرض واستعمره فيها (1)، أي أنه أمره بإعمارها واجتناب التخريب والإفساد فيها، ولكن العقلية السائدة لسكانها هي عقلية ركاب الطابق السفلي في سفينة "الحديث المشهور" الذين ارادوا أن يخرقوا خرقا في جزئهم يجلبون منه الماء، بدل أن يضطروا للصعود والمرور على من فوقهم! ... وأما حالة الفريق الآخر فكركاب الطابق العلوى من نفس السفينة، إذا لم يتحركوا ويأخذوا على أيدي من تحتهم يمنعونهم من خرق السفسنة، غرقوا وغرقوا جميعا، كما أن التحرك في الوقت المناسب يحمي جميع الركاب من الغرق (2)! ما ينصح به الخبراء والعقلاء لاجتناب الكارثة ليس مستحيلا وإنما في حدود ما تتحمله الطاقة البشرية، وإنْ ببعض العسر أو الألم، لأنّ ألمَ تجاهل المشكلة والإعراض عنها سيكون أشدّ لا محالة! ونحن مطالبون بتحمل الضرر الأصغر في سبيل دفع الضرر الأكبر! ... الذي سيكون من مظاهره غرق مناطق كبيرة من العالم واحتراق اخرى! قبل أن يعم البلاء! صراع بدأ زمنه يضيق بين الحكمة والجشع! ولكن نتيجته بأيدينا نحن سكان الأرض! ... فالله لا يغير ما بقوم حتى يغييروا ما بأنفسهم! ________________________ (1) هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها "هود 61" (2) عن النعمان بن بشير _رضي الله عنهما_عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا:لوأنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا"