أثار تصريح وزير التربية ناجي جلول جدلا كبيرا بين أوساط خبراء التعليم والمعلمين و صفحات التواصل الاجتماعي مفاده أن أمرا حكومي سيصدر خلال الأسبوع المقبل ويتمثل في منع الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية. و أن المدارس والمعاهد ستفتح من الخامسة مساء إلى العاشرة أو الحادية عشر ليلا وحتي أيام الأحد للقيام بالدروس الخصوصية . لئن سمح قانون 1988 بهذا النشاط التربوي في المرحلتين الأساسية والثانوية فقد نتج عن سوء إحكام تنظيمه ضرر فادح تقتسمه بالتساوي العناصر الرئيسية الثلاثة ذات الصلة المباشرة بالموضوع وهي التلميذ والولي والمدرس: فالتلميذ الذي هو أصلا ضحية تعدد المواد المقررة في البرامج الرسمية وغزارة المحتويات المعرفية لكل واحدة من هذه المواد تراه يرزح تحت حمل ثان يتمثل في تلقيه الدروس الخصوصية التي تستحوذ على القليل المتبقي من وقت فراغه من الدرس فتحرمه من تعاطي النشاطين الثقافي والرياضي ومن الترويح عن النفس حتى لا تكل فتعمى . ولعل من المخاطر المحتملة لهذه الدروس أن يصاب التلميذ بمرض التواكل الذهني ومن ثم سرعة تسليمه بعجزه عن تحصيل الكفايات والمهارات المطلوبة منه بكد يمينه وحسن تدبيره فيركن إلى مزيد من الدروس الخصوصية مثقلا كاهل الأسرة بمزيد النفقات المادية إضافة إلى عناء اصطحابه إلى مكان الدرس الخصوصي ثم جلبه منه وبين حرج الترقب وهواجس انتظار عودة الأبناء في ساعة متأخرة من اليوم حيث تتعذر مرافقتهم. تأزم التلميذ والولي يفرز ردة فعل تكاد تكون عدائية إزاء المدرس منظم هذه الدروس ومصدر البلية تتجلى ردة الفعل هذه في اتهامه بالنفعية المفرطة وباستغلال نفوذه على تلاميذ فصله في المدرسة والتمييز بين التلميذ الذي يتلقى الدرس الخاص وبين سواه … الى غير ذلك من الاهانات التي تنال المربين وتؤذي المنظومة التربوية بأسرها ملصقة بها تهما نمطية عممت مع الأسف استنادا الى حالات معزولة يندى لها جبين كل مرب شريف يأبى أن يتحول التلميذ الى رهينة والولي الى زبون والمربي الى قرصان . أن المشكلة الحقيقية ليست في الدروس الخصوصية ويجب أن نبحث أولاً عن السبب الحقيقي الذي دفعنا إليها والذي يكمن في العملية التعليمية برمتها بالإضافة إلي عدم تناسب الأماكن بالجامعات مع عدد التلاميذ مما دفع أولياء الأمور إلي التصارع علي هذه الدروس حتي لا يفقد أبنائهم أي درجة قد تمنعهم من دخول كليات القمة فبدأ الزحف خلف الدروس الخصوصية باعتبارها الأمل الوحيد بعد ضياع هوية المدرسة. أن وزير التربية يحارب الدروس الخصوصية بالدروس الخصوصية فهو يعالج مرضًا بداء ويقننها ويرخص لمعاناة أولياء الأمور فبدلا من رفع العبء عن كاهل المواطن جاء قراره الأخير ليزيدها تعكيرا و جعلها رسمية أيضا أم أن الحكومة رأت أن مكسب الدروس الخصوصية كبيرا فأرادت أن تتاجر فيها وتتربح منها وهى بذلك تخالف الدستور الذي أقر بإلزامية التعليم المجاني ؟ فخرق القانون أصبح حلا تلجأ إليه الحكومة عند فشلها في حل المشكلات في هذا القرار مخالفة صريحة لنص الدستور سواء في المجانية أو كلمة مؤسسات الدولة التعليمية.فمدارسنا في الصباح مدارس عمومية و في المساء مدارس خصوصية . إن المتتبع للوضع التربوي في عهد الوزير جلول يرى تخبطًا كبيرًا في إدارة ملف التعليم ووجهة لإلغاء المجانية وجعل التعليم كسلعة فهل فعلًا تونس وقعت على اتفاقية لتحرير بعض الخدمات ومنها التعليم وجعله سلعة ؟! وطالما عرفنا وفهمنا أن مشكلة التعليم تنحصر بين شيئين هما المعلم والمدرسة فالمعلم يفتقد المعاملة الآدمية التي توفر له الحياة الكريمة والمدرسة تفتقر إلى القدرة على استيعاب التلاميذ وفقر الخدمات والمعامل والتجهيزات إذا فمثل هذا القرار يزيد العبء على أولياء الأمور وعلى التلميذ وإلصاق التهمة و الإهانة بالمعلم حيث أنه لا يعمل بالمدرسة ويعمل خارج المدرسة ولا يؤدي رسالته ألا بالمال فهذا القرار يكرس لمبدأ أن المهم هو الدولة تحصل المال وتزيد حصيلتها هل يعقل أن يوما ما يأتي رئيس الحكومة ويرخص لتعاطي المخدرات مثلا بشرط أن يكون في أماكن حكومية وتحت كنف الدولة؟! فأنا أرى أن هذا القرار خطير بل تحول كبير في سياسة الدولة تجاه مجانية التعليم أن "التعليم حق لكل مواطن" فكيف يكون حقا وقد جعلته الدولة سلعة ذات سعر بذلك القرار فخرق القانون أصبح حلا تلجأ إليه الحكومة عند فشلها في حل المشكلات ، في هذا القرار مخالفة صريحة لنص الدستور سواء في المجانية أو كلمة مؤسسات الدولة التعليمية.فمدارسنا في الصباح مدارس عمومية و في المساء مدارس خصوصية. يجب على خبراء وزارة التربية أن لا يقوون بمفردهم على مجابهة عرف جار كونيا ترسخ وطنيا وترسبت عليه تراكمات وتعقيدات كثيرة مجتمعية وأخرى ثقافية جعلته يفلت عن السيطرة فلا بد إذن من شركاء آخرين يعكفون على دراسة هذا الموضوع العصي ويقتسمون أعباء هذه المسؤولية الوطنية مع الوزارة منهم الهياكل النقابية لرجال التعليم والإعلام المتخصص والمجتمع المدني وكل من يأنس في نفسه القدرة على الإضافة في هذا المضمار إذ من شأن هذا العمل أن يؤسس لإيجاد إستراتيجية موضوعية تنقذ الموجود وتسعى للظفر بالبديل لنيل المنشود وذلك قبل صدور النصوص القانونية ثم تلعب دورها الإيجابي عندما يحين جهد التطبيق والصبر على طول ومفاجآت الطريق وعناء تصويب المسار . إذ لا يمكن لطرف واحد أن يحوز بمفرده المقاربات الأكثر تلاؤما ويستأثر بالتدابير الضرورية للعلاج بما في ذلك وزارة الإشراف . فحاشى للوزير أن يكون بهلوانا يمشي على الحبل دون شبكة أمان والمجتمع يتسلى بأطوار مغامرته ويعمد أحيانا الى قضم الحبل به باختراق القانون وبالانتقاد المجاني.