باتت الأوضاع في السجون التونسية وفق تقارير لمنظمات وجمعيات حقوقية "كارثية" و"لا تستجيب لأبسط المعايير الدولية" فإرتفاع نسبة الإكتظاظ إلى أكثر من 170 بالمائة أحيانا ومساهمة ذلك في تدهور الأوضاع الصحية للمساجين جعلت سلطة الإشراف تسعى إلى إتخاذ تدابير وإجراءات قصد معالجة هذه المشاكل والحد من تفاقمها. ورغم المجهودات المبذولة في هذا المجال اجمع عدد من المتدخلين في تصريحات ل-"وكالة تونس إفريقيا للانباء" على أن الإجراءات المعلن عنها والمتمثلة بالخصوص في تركيز مكاتب مصاحبة وترميم بعض السجون الى جانب بناء سجون اخرى في عدد من انحاء البلاد "ضرورية لكنها غير كافية ما لم تتحمل بعض الوزارات مسؤوليتها . الإكتظاظ والإستقطاب وتدهور الاوضاع وقد بلغت نسبة الإكتظاظ حسب الناطق الرسمي بإسم الإدارة العامة للسجون قيس السلطاني 150 بالمائة وتصل أحيانا إلى 200 بالمائة موضحا ان المسألة مرتبطة بنسبة الإيقافات . وافاد في هذا الشان بأن السجن المدني بالمرناقية مخصص للموقوفين لكنه وجراء الإكتظاظ وتطبيق القانون به اكثر من 1800 سجين صدر فيهم حكما نهائيا. كما أوضح أن طاقة إستيعاب السجون التونسية تتجاوز بقليل ال-15 ألف سجين لكن وحسب إحصائية لشهر ديسمبر فقد تجاوزت ال-26 ألف أي بنسبة 170 بالمائة. وبخصوص المساجين في قضايا إرهابية وحالات الإستقطاب أشار السلطاني الى أن 6ر82 بالمائة من نسبة المساجين المشتبه بهم في قضايا إرهابية مبتدئين دخلوا السجن للمرة الاولى وبين انه تم تكوين 9 فرق إرشاد منذ سنة 2014 شاركت هؤلاء المساجين في زنزاناتهم للحصول على معلومات والسيطرة على الغرف مؤكدا أن هذه الخطة كانت ناجحة وتم التمكن من توعية المساجين وإبعادعدد منهم عن فكر التطرف الذي تبنوه. وأشار في هذا الصدد إلى وجود إستراتيجية وطنية تهدف إلى الحد من الإكتظاظ مؤكدا ان الإدارة العامة للسجون طرف مسؤول في هذه الإستراتيجية إلى جانب السلطة القضائية والمجتمع المدني. على مستوى سلطة الإشراف أكد السلطاني وجود تعاون دولي مع خبراء من المانيا لوضع 3 سجون بالشمال والجنوب والوسط بطاقة إستعاب 1500 سجين مبيناأنهاسجون عالية التأمين لإيداع المساجين الخطيرين على راسهم الإرهابيين. أما عن الإجراءات المتخذة فقد اكد انها تعد حلولا جزئية ليست كفيلة بالقضاء على المشاكل العالقة وبين ان جميع الاطراف وخاصة منهم وزارات الصحة والشؤون الإجتماعية والتشغيل مطالبة بتحمل مسؤولياتها وتوفير الإطارات المختصة للنهوض بالأوضاع في السجون. من جهته أوضح الحبيب الراشدي أمين عام نقابة السجون أن طاقة إستيعاب السجون في تونس في حدود600ر15 لكن توجد بها وفق آخر إحصائية قرابة 27 ألف أي بزيادة 11 ألف سجينا. وبين ان الإدارة العامة للسجون مطالبة بتنفيذ العقوبات وقبول كل من تم إيقافه أوإصدار بطاقات سجنية وهو ما ساهم في الإكتظاظ مضيفا أنها سعت إلى تنفيذ ما تعهدت به منذ أكثر من سنة لتحسين الأوضاع في حين تنكر عدد من الوزارات لما تعهدوا به. وبالنسبة للموقوفين في قضايا إرهابية اشار الراشدي إلى ان عددهم 1597 موقوفا لكن عدد المحكومين منهم 17 أما عن الإستقطاب في السجون فقد قال بان 8 بالمائة من الذين كانوا في قضايا حق عام وعادوا إلى السجون في قضايا إرهابية أما البقية من جماعة العفو التشريعي العام. الإصلاح والتأهيل وإجراءات سلطة الإشراف وفي ما يتعلق بدور سلطة الإشراف صرح كمال الدين بن حسن القاضي المكلف بمأمورية لدى وزير العدل ان الوزارة معنية بمسألة الإصلاح والتاهيل وتجنب العود شانها شأن عديد الأطراف المتداخلة. وبين ان تحسين ظروف الإقامة في السجون وتأهيل أعوان والإطارات شأن وطني للحد من الإكتظاظ لافتا الى أن الوزارة بصدد بذل جهودها في إطار سياسة شاملة لمراجعة المجلة الجزائية ومجلة الاحكام الجزائية خاصة في ظل وجود جرائم بسيطة لا تستحق العقوبة السالبة للحرية. وتهدف هذه الإجراءات وفق ذات المصدر الى الحد من اللجوء إلى السجن وإتخاذ تدابير وقائية وأخرى علاجية أما عن الوضع في السجون فقد قال كمال الدين بن حسن إن الوضع تدهور اكثر بعد الثورة جراء أعمال الهدم والحرق ومحاولة فرار المساجين. واكد في هذا الصدد وجود مشاريع من بينها تركيز وحدات سجنية لتعويض بعض السجون والقيام بأعمال ترميم خاصة ببعض أجنحة السجون التي ليست في وضع إستخدام جراء ما لحق بهامن هدم وحرق بعد الثورة. وكان الهادي بالشيخ وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية اكد خلال ندوة بالعاصمة في بداية الاسبوع الجاري على ضرورة إيجاد حلول جذرية للحد من الإكتظاظ عبر تركيز منظومة للمصاحبة. ويمر تطوير المنظومة السجنية أساسا وفق بالشيخ بتطوير المنظومة القضائية ومراجعة السياسة الجزائية والعقابية للبلاد مما يحتم مراجعة النصوص القانونية والترتيبية ذات العلاقة على ضوء المقتضيات الدستورية. سجون متدهورة وإجراءات غير كافية وقد ابرز نائب رئيس الجمعية التونسية لتاهيل المساجين ومتابعة أوضاع السجون زهير مخلوف ان السجون التونسية ووفق المعايير الدولية ليست قادرة على إستعاب اكثر من 10 ألاف سجين لكنهااليوم تعاني الإكتظاظ بنسبة زيادة 2ر5 والنقص جراء تدهور الثلث منها عقب الثورة. واكد أن الإكتظاظ مرده القوانين التي لم تستوعب مسألة التوجه إلى العقوبات البديلة ويساهم بشكل كبير في تدهور الوضع الصحي للمساجين جراء غياب التهوئة والنقص في التغذية. وبخصوص تنامي معدل الجريمة وتكاثرها وتسببها في حالةالإكتظاظ التي تعاني منها السجون بين مخلوف أن نسبة تكاثر الجريمة في تونس لا تتعدى 6 فاصل 2 بالمائة وهي نسبة متقاربة جدا مع ما كانت عليه قبل الثورة (5 بالمائة) موضحا ان نوعية الجرائم هي التي تغيرت و ليست النسب. أما عن مدى معالجة الإجراءات الجديدة للأوضاع اكد مخلوف أن التحويرات القانونية ليست كفيلة بتحقيق ذلك مشيرا إلى أن التعديل الذي طرأ على القانون المتعلق بالمخدرات لن يزيد الوضع إلا سوءا. وبين أن التسامح مع من تم إيقافهم للمرة الاولى سيساهم في تزايد نسبة المدمنين وستجد السجون نفسها مجبرة على قبول عدد كبير من المساجين عند تسليط عقوبات عليهم موضحا ان العددالحالي لا يتجاوز 7000 سجين و قد يرتفع إلى اكثر من 20 ألفا في السنوات المقبلة. يذكر أن سلطة الإشراف المتمثلة في وزارة العدل سعت إلى إطلاق مشروع توأمة لفائدة مؤسسة السجون والإصلاح قصد تطوير المنظومة وبعث مكاتب مصاحبة بعدد من المحاكم الإبتدائية لإرساء تجربة العقوبات البديلة. يشار الى ان مجلسا وزاريا مضيقا انعقد، يوم 19 جانفي الحالي تدارس وضعية مؤسسات السجون والإصلاح، والإشكالات القائمة، وسبل تجاوزها.كما بحث في ما يتعين اتخاذه من إجراءات عاجلة تخص البنية الأساسية وتحسين ظروف إقامة المودعين بالسجون والإطار السجني على ان يتم الإعلان عن هذه الإجراءات لاحقا.