قرارٌ مفاجئ آخر في رصيد حكومة الترويكا بعد قرار تسليم البغدادي المحمودي إلى السلطات اللّيبية الجديدة وقرار إعفاء محافظ البنك المركزي من مهامّه بأمر جمهوري ستكون له بدوره انعكاسات جمّة لا فقط على المشهد السياسي الوطني المهتزّ بطبيعته بل هذه المرّة على الأمن القومي التونسي القرار تمثّل في الإعلان عن فتح الحدود مع البلدان المغاربية إذ سيكون لمواطني البلدان المغاربية باستثناء ليبيا وقتيا بداية من غرة جويلية حق العبور بمجرد الاستظهار ببطاقة الهوية عوضا عن جواز السفر إضافة إلى حقوق التنقل والشغل والتملّك والاستثمار الرئيس المؤقت منصف المرزوقي كان لمّح إلى هذا القرار في جولته المغاربية التي أعقبت دخوله قصر قرطاج بل وأعلن أن تونس المؤمنة باستراتيجية خيار الوحدة المغاربية ستستقبل قمّة مغاربية في شهر أكتوبر القادم لإعادة إحياء اتحاد المغرب العربي الذي دخل في غيبوبة سياسية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي القرار التونسي ذكّرني بالقرارات التي كان يتخذها عقيد ليبيا المقتول معمر القذافي والتي كان يفاجئ بها أقرب مقرّبيه ومنها قرارُه ذات يوم إزالة الحدود بين تونس وليبيا وإبطال العمل بجوازات السفر ومنح التونسيين الجنسيّة العربية اللّيبية بل وصوّرتْه شاشات التلفزيون وهو يهْدم ب”بلدوزر” مباني الشرطة والقمارق الليبية في معبر رأس جدير لتعود هذه الأجهزة لمباشرة عملها الاعتيادي بعد أيام وتتخذ من أطلال مبانيها مكانا للعمل قبل إعادة بنائها . ثم وبعد انتهاء “سكْرة” الوحدة العربية أفاق القذافي على الجذور الإفريقية لبلاده ففتح حدود ليبيا لكل الجنسيات الإفريقية للعمل والإقامة وغيرها قبل أن ينتفض المجتمع اللّيبي وتجمّعَ أجهزةُ أمنه الأفارقة فيما يشبه مخيمّات عزل تمهيدا لترحيلهم نحو بلدانهم ومع ذلك وجد القذافي في الأفارقة خير مُعين في محنته قبل مقتله فجنّد منهم الآلاف في كتائبه لقتل الليبيين قبل أن يرحلوا وتتقوّى بهم الحركات الإسلامية الجهادية في المنطقة وحركات الطوارق الانفصالية في مالي والنيجر والكلام عن هذه التجربة “القذافية” لا يُقصد منه بالطبع تخويف التونسيين من مخاطر المدّ البشري المغاربي على بلادنا بقدر التنبيه من مخاطر التسرّع في اتخاذ قرار كذلك الذي اتخذته حكومة الترويكا وعدم جاهزية بلادنا لاستيعاب أعداد كبيرة من الأشقّاء المغاربيين ونحن نرزح تحت وطأة أزمة بطالة منقطعة النّظير إضافة إلى الانعكاسات الأمنية الخطيرة على أمننا الوطني وقد تقوّتْ شوكة التيارات السلفية الجهادية في المنطقة وباتت ليبيا وبدرجة أقل الجزائر قاعدة كبيرة لتنفيذ مخططاتها كما فعلت في إقليم أزوارد بمالي وكما هو الشأن أصلا في تونس وقد تحوّلت مناطق الجنوب منطلقا لإرسال مئات الشباب التونسي للقتال في سوريا بدعوى مناصرة الثوّار هناك علاوة على تنشيط أعمال التهريب والمهرّبين والذي لم يقتصر فقط على المواد الغذائية والانتاج الصناعي والتبغ والخمور بل تعدّى ذلك لتصبح تونس ممرّا آمنا لتهريب السلاح والمخدّرات . كيف سيكون العمل مع هذه التحديات التي لم نتمكّن بعد من السيطرة عليها ونحن سنفتح الأبواب مشرّعة لاندساس مزيد من الإرهابيين واللّصوص والمهرّبين للدخول عبر حدودنا بل وسنسمح لهم بالإقامة الشرعية في بلادنا لمزيد التواصل والتنسيق مع نظرائهم التونسيين ؟ هل قرأت حكومتنا الموقّرة حسابا لهذه الرهانات أم وقفت فقط على “ويلٍ للمصلّين” بعنوان البناء المغاربي والأخذ بتجربة الاتحاد الأوروبي ؟ وهل استشرفت التبعات يوم حصول المحظور لا قدّر الله يومَ “الطْيرْ السكْرة وتحضر المْدايْنيّة” وصوت أمّ كلثوم يقول : فاتْ المِعاد …