أنطلق في مقالي هذا من مثل شعبي يقول “الدّق في الجيفة حرام” بمعنى لا ينفع سلخ الشاة بعد ذبحها . وهو مثل ينطبق على من كان ماسكا بزمام أمرٍ ما ثمّ يبتعد عنه إمّا إقالةً أوْ استقالةً أوْ تغييرا أوْ موتاً ومن أخلاق المرء أنه حينما يصطدم مع من كان مسؤولا عن شأنٍ ما يكون ذلك حين مباشرة هذا الأخير لمهامّه لا بعد ذلك فالمواجهة حينها تفقد معناها بل وتنمّ عن جبنٍ ووضاعة أخلاقية وفكريّة ولا تتعدّى في كل الأحوال منطق “البقرة إذا طاحتْ تكْثر سْكاكنْها” … والحال تلك كنتُ أتعفّف عن كتابة أيِّ كلمة بشأن مدير إذاعة صفاقس بالنيابة السابق منذ الإعلان عن إنهاء مهامّه إيمانا منّي بأنّ ساحة المعركة باتت خالية الآن وأنا الذي بارزتُه وجها لوجه طيلة فترة إدارته داخليا , وخارجيا عبر العديد من المقالات التي صدرت في هذا الفضاء الإعلامي وفضحت ممارساته وأفعاله لكن لا أُخْفي عليكم أنّي وجدت نفسي مدفوعا لكتابة ما بين أيديكم بعد التصريح الذي أدْلى به مدير النيابة السابق لإحدى الصحف الإلكترونية والورقيّة وكالَ فيه التُّهم والافتراءات جزافا بحقّ إذاعة صفاقس وأبنائها بما أكد لديَّ فكرةَ أنّ الرجل لمْ ولن يستوعب الدّرس ويُصرّ إلحاحَ عادل إمام على التنويع من خطاياه والإكثار منها في محاولة يائسة للتّكفير عنها وسأكتفي هنا بسرد عشرٍ منها لعلّ الزمن يفعل بعض فعله في فكره البائس و”يرجعْلو شاهدْ العْقَل” الخطيئة الأولى : مجيئك للإذاعة كان بتوصية أحد أطبّاء صفاقس لمْ تُعرف عنه وصْفةُ دواء واحدة لأمراض صفاقس العديدة فكانت النتيجة أن زادت أمراض الإذاعة في زمن أصبح فيه الدّواء مُتاحا الخطيئة الثانية : إنّ اختصاصك العلمي الأكاديمي “اللغة الروسية” يجعل منك بالضرورة شخصا يعيش تقوْقعا نفسيا ومعرفيا لقلّة المقبلين من التونسيين على تعلّم هذه اللغة التي لا تتجاوز حدودها حدود بلدها الأم وقيمةَ عُمْلتها الروبل غير المعترف بها دوليا . فكيف لمن يفتقد لقيمة التّواصل مع محيطه وبيئته الضيّقة أن يقْدر على التواصل مع مجتمع بأكمله ؟ والحال تلك كان من باب احترام الذات لأي شخص سويّ أن يرفض منصبا لا يمتلك معرفة أبسط مقوّماته الخطيئة الثالثة : ادّعاؤك بالانتساب للحقل الثقافي عبر تلك الجمعية التي تتمسّك برئاستها مدى الحياة ولم نشهد لها أثرا في ميدان اختصاصها , لا يتعدّى منطق العيش في جلْباب الآخرين حتى وإن كانوا آباءً , متناسيا قول الشاعر العربي الكبير أبو الطيّب المتنبّي : كن ابن من شئت واكتسب أدبا ** يُغنيك محمودُه عن النّسبِ إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا ** ليس الفتى من يقول كان أبي وإذا كان ما يفصل ما بين الثقافي والإعلامي خيط رفيع فالأحرى بمن كان يفتقد أصلا للحسّ الثقافي امتلاكاً أوْ حتّى إرثاً أن يبتعد كلّيا عن الإعلام وأهله الخطيئة الرابعة : تسلّحك بسلاح الكذب وسيلة للتسيير بالأمس وللتبرير اليوم لا يُعفيك من مساءلة التاريخ من ذلك قولك أنّك وجدتَ الإذاعة حين استلمتَ مسؤولية إدارتها في أسوإ حال وهي في الحقيقة عكس ذلك , لأنه بفضل أبنائها وأبنائها فقط أمكن لهم المحافظة عليها من أخطار كانت محدقة بها طوال الأسابيع الأولى للثورة وكانوا لها خير معاول بناء وليس هدم كما تدّعي , ولم تتعدّ حاجتها بعد ذلك سوى لربّان ماهر يمسك بزمام المقود حتى يكون الحصاد وفيرا يتمتّع به الجميع . ولا أظنّكَ تدّعي هنا بأنّك “رايسْ دمْدومْ” لك من التجربة والمهارة في قيادة السّفن والوصول بها إلى شاطئ النجاة أطنانا الخطيئة الخامسة : قبل مجيئك “لدارْنا” كانت حديقة إذاعتنا أزهارا وأشجارا خضراء ولم تعرف الأشواك “‘والنْجمْ والسّكُوم” إلاّ حين حاولتَ نبش أرضها المعطاء بمعاول الصّدأ الذي يعشعش في مخّك فأبعدتَ الكفاءات الحقيقة وهي عكس ما تدّعي موجودة وقرّبتَ إليك من خفّ فكرهم وعظُمت جهالتهم ممن استهوتْكَ فيهم حرفيتُهم في ضرب الطار والطبل والدّف وكل أجهزة موسيقى الإيقاع وفنون القيل والقال والقوادة والضرب تحت الحزام الخطيئة السادسة : عداؤك السّافر للصحافة والصحفيين في المقام الأول وحملة صبّ الزيت على النار التي تزعّمتها أنتَ بينهم وبين بقية زملائهم بالإذاعة في مشهد مقزّز لم تعرف له الدار مثيلا طيلة سنوات عمرها الخمسين عملا بالمقولة الشهيرة “فرّق تسُدْ” , وهو موقف ينمّ عن عداء صارخ لكل المبدعين عموما والعارفين بأبجدية العمل الإذاعي وسلوكٌ كان ينبئ بحدوث صراعات صارخة يهدد الإذاعة في وجودها الخطيئة السابعة : ادّعاؤك بأنك ساهمتَ في الارتقاء بالمضامين والعناوين الجديدة لا يتعدّى منطق إرضاء الذات وإخلاء الذمّة من جرائم إذاعية ارتُكبت في عهدكَ البائد رغم التحذيرات والتنبيه من الانزلاقات وأنتَ الذي رضيتَ لنفسك بأن تكون “طرطورا” بيد بعض الأطراف التي لا تفقه أصلا في الخطاب الإعلامي ومستلزمات تطويره وتحديثه بما يتماشى وانتظارات تونس والتونسيين ما بعد الثورة الخطيئة الثامنة : أمّا قولك بالحرص على استقلالية المؤسسة والإعلام الديمقراطي فهذه تسمّى أمّ الأكاذيب وأذكّركَ هنا بجيش زوّار الإذاعة حضورا أو بالهاتف من لون سياسي معروف فعلتَ المستحيل للترويج له وتمكينه من وضع يده على هذا المرفق الإعلامي الكبير بتنويع البرامج والفضاءات الإذاعية بمناسبة وبغيرها والتي تتماشى وتوجّهات هذا التيار السياسي إلى حدّ فاضح بات فيها المرء يخجل من ذكر انتسابه للإذاعة لدى الرأي العام الخطيئة التاسعة : حالة الهوس التي امتلكتك حفاظا على كرسيّك الهوائي جعلتك تنخرط في لعبة قذرة بدأت بتلك المقالات الصادرة في أحد المواقع الالكترونية المشبوهة والمفضوحة تشويهًا وقذفًا في حقّ بعض أبناء الإذاعة ووصلت حدّ الاستقواء على دار الإذاعة وأبنائها بالميليشيا المسمّاة مجالس حماية الثورة واقتحامها لأسوارها والعبث بممتلكاتها وترويع الآمنين فيها . وكافأتَ الجماعة المجرمة باستقبالها مجددا بعد يومين من الاقتحام لتُسلّمَ لها ستوديو البث فتشيع سمومَها ورائحةَ فضلاتها النّتنة على الهواء مباشرة كذبا وإفْكا على الإذاعة وصحفييها ومنّشطيها الخطيئة العاشرة : فعلتَ كل ما فعلتَ من إجرام بحق الإذاعة وأبنائها والإعلام الإذاعي بهدف واحد هو الحفاظ على كرسي الإدارة الذي لم تكن تحلم به أصلا وتحمّلت من أجله السبّ والشتم “ماللّي يسوى وماللّي ما يسواش” ومع ذلك لم تفكّر لحظة حفاظا على بقايا كرامة وفُتات رجولة في الاستقالة , ولو كان لك ممّا يملك الرجال من أنفة واعتزاز لكنتَ قدّمتَ استقالتك يوم أشرف المدير العام الجديد في الأيام القليلة الماضية على ذلك الاجتماع الصّاخب والذي ببساطة “تْشلّكتْ” فيه كما لا يكون التشليك ومع ذلك لم تفعل وظهرتَ في الإذاعة من الغد تجول في أروقتها وكأن شيئا لم يكن بل وأصرّيتَ على استشراف القادم والتخطيط له وأنتَ المريض بلقب المدير بالنيابة وتحلم ليلا نهارا في لقب سي عبد الدايم متناسيا أنْ لا دائم غير الله وأنها لوْ بقيت لغيرك لما آلت إليك لكل ذلك يكون قولُك إنك طلبتَ قبل أسابيع من المدير العام إعفائك من المسؤولية كذبة جديدة في رصيدك الخاوي من طهارة الذمّة وصفاء النفّس . وقبل أن أودّعك إلى الأبد إن شاء الله أذكّرك بالحكمة القائلة : لا تخن من ائتمنك لتزداد شرفا وأرجو أن تحرص مستقبلا على ألاّ تكون من هؤلاء : قوم إذا ضُرب الحذاء بوجههم** صاح الحذاء بأي ذنب أُضرب؟