لأن الأصل في المؤمن تجديد التوبة في كل وقت وآن ، قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يستغفر ربه ويتوب إليه في اليوم أكثر من مئة مرة . نجدد التوبة قبل رمضان لأن التوبة منزلة عليّة من بلغها فقد بلغ الخير كله ، يقول ابن القيم – رحمه الله – عن التوبة : " وهي أول منازل السائرين إلى ربهم وأوسطها وآخرها " فهي ليست منزلة العصاة المجرمين بل هي منزلة الأنبياء المصطفين قال تعالى : " وعصى آدم ربه فغوى ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى " فهي منزلة عزيزة منيفة من بلغها بلغ السؤدد والخير والرفعة وتهيئ أن يكون عبدا صالحا منيبا – وهؤلاء هم أهل جنة الرضوان – . – نجدد التوبة قبل رمضان لأننا نرى من أنفسنا ومن غيرنا الحرمان من الخير في شهر رمضان فلا جد في العبادة ، ولا اجتهاد في القيام ، ولا صرف وقت للتلاوة ، ولا يد تبذل الخير والمعروف .. فحُرمنا خيرات بسبب عيشنا في ظلمات الذنوب ، فتجديد التوبة قبل رمضان أصبح أمرا لازما حتى لا نحُرم الطاعة فيه فنخسر خسارة لا تعدلها خسارة . – نجدد التوبة في رمضان وفي كل آن . لأن الذنوب جراحات – ورب جرح أصاب مقتل – كثير منا يعصي ربه ولا يرى أثر ذنبه ومعصيته ويتعجب من هذا ! وما علم المسكين أن حرمانه من أثر الطاعة أعظم عقوبة يعاقب بها . (أذنب عبد سنوات فناجى ربه ليلة فقال : رب كم أذنبت ولا أرى لذنوبي أثراً ؟ فهتف به هاتف : ياعبدي…ألم أحرمك لذيذ مناجاتي ) فذنوبنا تحرمنا لذيذ المناجاة وحلاوة الطاعة التي هي جنة الدنيا المعجلة . فلذا كان لازما علينا تجديد التوبة قبل رمضان . – نجدد التوبة قبل رمضان لأن القلوب قست ، والأفئدة تصلبت وكأنها قدت من صخر ، فلا هي تخشع عند التلاوة ، ولا العيون تدمع عند سماع قوارع الآيات ، تدخل المسجد الجامع والقارئ يقرأ فلا تشعر بهمس من خشوع ، ولا ترى بكاءا للعيون ، فحري بالنفوس أن تجدد التوبة قبل رمضان حتى تلين القلوب وتفوز بمرضاة الله . – نجدد التوبة قبل رمضان لأننا نرى الموت ينزل بالناس في كل لحظة ، ونشاهد يد المنون تخطف هذا وتطرح ذاك . تردي التي قد استعدت لعرسها ولكنه قد سبق قضاء الله بانتقالها للدار الآخرة والحكم عليها بالموت . فهذه الموعظة – أعني موعظة الموت – ينبغي أن تكون حاملة لنا للمسارعة للتوبة وأن لا نستجيب لطول الأمل الذي تُكذّبه لوقائع أمامنا ، فالوحى الوحي ، والنجا النجا قبل حلول الموت بنا . – نجدد التوبة قبل رمضان لأن الفتن قد أحاطت بنا من كل مكان . قتل هنا ، وهلاك هناك ولا ثم نجاة إلا باللجوء إلى الرحمن قبل أن يحل بنا ما حل بغيرنا فلا نستطيع ساعتها فعل طاعة ، ولا نملك وقتها دفع مصيبة . رمضان يا إخوتي نور للأرض وهداية للعالمين ، والخاسر من حُرم خيره وخيراتها . أدرك رمضان يامؤمن بلقاء الله ووعده ووعيده . أدركي رمضان أيتها المؤمن ، قبل خروجه وتفلت فرصة الطاعة فيه . ( ومايدرنا لعله آخر رمضان نلقاه ) اللهم يارحيما بالعباد ، ويالطيفا بالخلق وفقنا للتوبة النصوح وخذ بأيدينا لما يرضك عنا . اللهم هذه نواصينا الخاطئة بين يديك فألهمنا رشدنا وارحمنا بطاعتك .