إبان رئاستي استقبلت آلاف التونسيين من كل المشارب والمهن ، باستثناء القضاة الذين لم استقبل منهم إلا ممثليهم في جلسات رسمية حتى لا يكون هناك أي جدل عقيم واستقراء نوايا غير موجودة. لم أتدخّل يوما لا أنا ولا أيّ من المستشارين لدى القضاء بصفة مباشرة أو حتى بالتلميح . رفضت أن أرفع أمامه قضايا في الثلب الصارخ لعلمي أن أي حكم في صالحي سيفسّر على أنه تواصل تبعية القضاء للسلطة التنفيذية . كل هذا ليقيني أنه لا تقدم لتونس وللديمقراطية دون قضاء مستقلّ قولا وفعلا وكانت رسالتي الضمنية للأسرة القضائية: لا عذر لكم اليوم لكي لا تثبتوا استقلالكم عن أي ضغط جاء من السلطة أو من "اللوبيات ". كانت الرسالة أيضا رهانا على أن قوى الخير داخل المؤسسة ستفرض ولو تدريجيا ولو بصعوبة هذا الاستقلال دفاعا عن هيبة القضاء وشرف القضاة وإرساء لدولة الحق والقانون ومجتمع العدل والانصاف. كم يسعدني اليوم أن أرى القضاء يحكم في قضية الدكتور سعد الشبلي ورفاقه بالبراءة خلافا لتوقّع أو إرادة ساكن قرطاج الحالي وجوقته التي تصرخ دون حياء تريد نفسها المدعي العام والقاضي والجلاد. وأمام هذه الهجمة الشرسة على أهم دعامات ديمقراطيتنا الناشئة ، على كل القوى الشريفة في البلاد أن تقف بجانب قضاء يتعافى من نصف قرن من منظومة الثلاثي بورقيبة –بن علي – السبسي، حتى تكون الرسالة لمن لم يتعلموا شيئا من الماضي أنه حدثت فعلا ثورة في تونس وأنهم لم يروا إلا بداية ثمراتها .