السلام عليكم ... سأحكي لكم اليوم حكاية يا إخوتي، سوف لن يتزوّج في نهايتها الأبطال، فإذا حرّكت فيك حنقًا فأنت ممّن يشعرون أنّنا نتخبّط في الأوحال، و إذا أضحكتك فلا بيني و بينك عروةٌ و لا أوصال... يحكى أنه، و في رحلةٍ في شعاب جنّةٍ أضحت خلاء كالفناء، اجتمع في موكب الرحّل، حيوانات كثير، منهم لئيم و حمير، يسيرون كالغمم في ذيل قافلة، منهكين من تعب الرحلة، و وجع الكدّ و المشي... فلمّا أخذ النّصبُ من اللئيم كلّ مأخذٍ، و عرف أنّ هلاكه بمشيه على قدميه ينتظره بالمرصد... بدأ يُعمِلُ فكرَهُ... لينتهي راكبا على حمارٍ منهم، فقام فيهم خطيبا تخونه اللباقة في الكلام، و العذوبة في اللسان، مروّعًا إيّاهم من خونةٍ منهم أو من سائر من كان في الرّكبِ، يريدون الانقضاض عليهم فيصيرون لا قدّر الله لهم عبيدا و قد استخلصهم الله من دون الحيوانات حميرا... و لضعف نفس بعض الحمير، و لجهل بعض آخر منهم ، و لكسل من بقي من قسمتي هذه، صدّقه قليلهم، و تواطؤوا معه، فأصبحوا مع صاحبنا اللئيم حزبا، نصّبوه عليه أمينا، و وضعوا فوق رأسه تاجا محفورا عليه: ألا إنّ حزب الأشراف هم الغالبون... ثمّ و ما كان منه إلاّ أن بدأ يتخيّر لنفسه الحمار الذي يركَبُ، و السبيلَ الذي يسلك، و الظّل الذي يتفيّئُ. ولمّا وجدهم نحو الضلالة و الذّلّ يهرعون، و للهوان منحدرون، و يصيحون، و يهتفون بحياته، و بحياة زوجته اللئيمة، و ابنه اللئيم، و ابنته اللئيمة، و كلّ من دناه بقرابة جلدته... أخذ يتخيّر لنفسه و اللئام هؤلاء، أفخر أنواع الأكل، و أجود صنوف اللبس، و أفخر رموز النياشين و الألقاب... حتى أضحى كلامه لهم وحيا، و صمتُه هديا، و رأيه سدادًا... و الحمير من حوله يحمدون خالقهم بأن قيّض الله لهم فذًّا لا غليظ قلبٍ، يقودهم في رحلتهم تلك ، يُخرجهم من ظلمات الفلاء إلى أنوار جنّةٍ، ما انفكّ يعدها لهم في كل خطاب، و في كلّ مناسبة، و يتبجّح بما حقّقه لهم من نعيمٍ، تحسدهم عليه كل حمير الغابة ... و لمّا أحسّ لئيمنا باستفحال داء الذّلِّ في حميره، عرف أنّ له أن يطلب ما يشاء منهم... فقال لهم ذات عصرٍ و هم يحملونه على ظهورهم أنّه رأى في المنام أنّه يذبحهم، فانظروا ماذا ترون؟ و تظاهر بالورع و التقوى و الرّقّ و العزم... فأجابوه بأن يفعل ما يؤمرُ، فسيجدهم إن شاء الله من الصابرين... ومنذ ذلك الحين صار يأكل كلّ يوم مع عصابته منهم حمارا، يمتصّ دمه قبل أن يذبحه، و الناجون من الذبح ذلك اليوم، يدعون له بدوام الصّحّة و موفور العمر، بل و اخترعوا له كنيةٍ جديدة حفروا لها أثرا في تاجه، تنادوا بها أنّه حامي الرحلة و الحمير، و قائد الوجهة و البعير... و لمّا صار الرّكب على مسافة فرسخين و نيف من أوّله، بدأ القطيع ينتبه إلى أفعال زعيمه، و شين أعمال ديوانه و عرينه... فثاروا على حكمه و أكله لحمَهم، فدخل الفلاةَ، و هرب طامعا بالنجاة... تاركا خلفه من كان معه في ديوانه من الحمير و من الحيوانات التي اشتركت معه في صفة اللؤم... فبدأ حميرُ الديوان يقسمون المناصب و الخطط، مقنِعين من ثار من بني جلدتهم بأن لا مناص منهم لسير الرّكبِ، لمعرفتهم بدواليب العرين و سير الحكم و الرحلة... و أنّهم سيكونون على ثورتهم كالقوي الأمين... و لعجبي... اقتنع جلّ حميرنا في أوّل الأمر مع اشتراطهم لأمراء الرحلة الجدد الإتيان باللئيم آكل لحمهم و ماصّ دمائهم للاقتصاص منه... فمارى العصابة طلبَهم، و تظاهروا بأنّهم على أمرهم أحرصهم، و لأنهم يخدعون حميرا انطلت حيلتهم، و نفذت خطّتهم... فسار معهم جلّ الحمير و هم يخالونهم للصدق أقرب، و من الخيانة أبعد، و للعدل أوجب.. إلا انّ العصابة بدأت تنصب لهم الكيدَ في رحلتهم، و تخطّط لهم القيد في سيرهم... و حميرنا منذ ذلك الحين إلى حدّ كتابة هذه الحكاية... يصيحون... و يفكّرون...و يراقبون... ويتهامسون...و يتساءلون...و يتعاركون...و يتخاصمون...و يترنّحون...متناسين أنّ مع اللئام ... حزب الحمير هم الخاسرون.