إن المتابعة لما يجري اليوم من جدال و سجال بين الحكومة و الإتحاد العام التونسي للشغل حول تأجيل الزيادة في الأجور نستخلص منه و بدون عناء أن المنظمة وُضعت في مربع " البحر أمامكم و العدو وراءكم " و نعني أن مصلحة العمال و الأجراء و مسؤولية الإتحاد في الإستماتة من أجل الدفاع عنها وراءه شبح الفوضى و الخراب و عدم الإستقرار الذي ستعيشه البلاد بعد تنفيذ الإضراب العام . و هذه لعمري قراءة لعنوان القضية المطروحة اليوم بين الإتحاد و الحكومة و لكن الكتاب كما هو معروف عند كل حكيم لا يُقرئ من عنوانه بل علينا قبل أن نحكم و نقيم ما يحصل اليوم حول موضوع تأجيل الزيادة في الأجور أن نتصف ما يوجد بين دفتي الكتاب . و الجواب جاهز و واضح لا غبار عليه : جملة من الإتفاقيات الممضاة و المنشورة في الرائد الرسمي بين الطرفين و ما على الحكومة و نعتقد أنها كانت في وعيها و مداركها العقلية حينما أمضت إلا أن تطبق ما جاء في الإتفاقيات دون نقاش و تلكؤ ، هذا من ناحية و من ناحية أخرى فإن المنظمة الشغيلة مطالبة كذلك أن لا تتراخى قيد أنملة فالمسألة لا تتعلق بما سيحصل عليه العمال و الأجراء من بعض الدنانير بل هي أعمق من ذلك إنها مصداقية المنظمة التي ما كان لها في يوم من الأيام أن تؤسس عراقتها و تبني صرحها الشامخ لولا حرصها و دفاعها على الوعود و الإلتزامات التي وعدت بها منظوريها و هي ليست وعود من ضرب تحقيق مكاسبهم المادية و الدفاع عن مقدرتهم الشرائية و لكن أيضا الإيفاء بالدفاع عن سيادة البلاد و مناعتها و كرامة الشعب التونسي بأكمله و إلا فكيف ستضمن قيادة المنظمة إن هي تراجعت و تراخت عن حقوق منظوريها أنها قادرة في مستقبل الأيام في التواصل معهم و سيتجيبون لدعواتها و التعبئة للنظال كلما إقتضت الضرورة و ذلك أمر ليس بالهين بل فيه ضرب لصرح المنظمة و ربما حتى دكه . و من ناحية ثالثة لماذا يُحمل الإتحاد وحده تبعات الوضع الإقتصادي الكارثي للبلاد و لماذا تهرع الحكومة للركوب على الأجراء و العمال و الفقراء و في ذلك " بهيم قصير " تركب عليه الحكومة و تحل به مشاكلها على حسابه . كذلك نتساءل عن غياب المنظمات الإجتماعية كإتحاد الصناعة و التجارة و إتحاد الفلاحين أليسوا في سبات عميق لا نسمع منهم شيئا و لا إلا أنهم يشاركون بالمشاهدة و أين الهيئة الوطنية للدفاع عن المحامين الشريك المتحصل على جائزة نوبل للسلام لماذا لا تدافع عن العمال و تقولها جهرا و علنا : " إن لديهم حقوقا ممضاة و منشورة في الرائد الرسمي و ما على الحكومة إلا تطبيقها " قد يجيب البعض الآخر إن كل ما أوردته عين الحقيقة و الصواب و لكن وضع البلاد لا يحتمل الزيادة في الأجور . و بدورنا نجيب صحيح أن الوضع صعب لكن بإمكان الحكومة أن تقترح حلول عملية تلتزم بتطبيقها منها تأجيل الزيادة في الأجور شريطة أن تكون الزيادة لضعفاء الحال و من هم في درجة سفلى في السلم الإجتماعي و أن تشتمل الزيادة كاملة و شاملة بقية الأجراء في أجل أقصاه آخر ديسمبر 2017 و كذلك و المهم أن تلتزم الحكومة إلتزاما موثقا و مقننا بمحاسبة إبتداء من الآن للمهربين و المتهربين من الضرائب من أصحاب رؤوس الأموال و أصحاب الشركات العاتية و الأطباء و المحامين و . . .