شاهدت في إحدى القنوات التونسية شريط الإحتفال بذكرى إنتفاضة 17 ديسمبر 2010 ، كانت الصور معبرة بكل صدق دون أن تشوبه أي شائبة حول حقيقة الوضع في تونس و ما آل إليه بعد 6 سنوات من إندلاع الشرارة . شاهدت " رجالا " منهم الواقف و منهم الجالس فوق المنصة ، وجوههم نضرة تكاد تنضح دما ، يلبسون أفخم اللباس و يضعون على أعينهم نظارات من الطراز الرفيع ، يديرون ألسنتهم من حين لآخر بمعسول الكلام و مراوغة الثعالب و قد جاؤوا من بعيد من عالم آخر على متن سيارات فارهة . و شاهدت رجالا في الأسفل بينهم و بين هؤلاء سياج من حديد واقفين متجمعين في ساحة يلفح البرد وجوههم و تنزل على رؤوسهم بقايا مطر ، وجوههم كالحة ، حفاة عراة ، جوعي ، عيونهم غائرة ، أنوفهم شامخة . ولسان حالهم يقول : "أغربوا عن وجوهنا ، من أتى بكم إلينا ، لستم من بني جلدتنا ، أتركوننا في همومنا ، تزيدوننا هما و غما بوجودكم بيننا لأنكم غرباء عنا ، كفوا عن الإستهزاء بمشاعرنا و الضحك على ذقوننا و لكن : حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيبُ ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ (1) أنا لا أكرهُ الناسَ ولا أسطو على أحدٍ ولكنّي.. إذا ما جعتُ آكلُ لحمَ مغتصبي حذارِ.. حذارِ.. من جوعي ومن غضبي (2) (1) أبو القاسم الشابي