اتّضح أنّ التونسي "أنيس العامري" الذي قتل 12 ألمانيا عبر دهسهم بشاحنة قبل أن يهرب وتقتله الشرطة الايطاليّة بعد أربعة أيام في إيطاليا.. كان طرفا في لعبة مخابراتية غامضة.. وقد حاول جهاز استخبارات ايطالي تجنيده سابقا لاختراق الجماعات المتطرفة.. وتزعم المصادر الإيطالية بأنّ تلك العملية فشلت.. وأنّ التونسي العامري أفلت من المراقبة في إيطاليا وهرب إلى ألمانيا لاحقا.. وذلك كما كشفت صحيفة "دي فيلت" الألمانية ونقله عنها موقع "عربي 21". – وتؤكّد الصحيفة الألمانية عن مصادر إيطالية بأنّ "أنيس العامري" كان مسجونا بإيطاليا من أجل محاولته حرق مركز إيواء للاّجئين في جزيرة صقلية ما أدّى للحكم عليه بالسجن 4 أعوام.. ونقلت الصحيفة الألمانية أنّ العامري وخلال فترة اعتقاله تعرّف على عناصر "متطرّفة" وهناك بدأ التحوّل للتطرّف. وأشارت المصادر إلى أنّ "الإفراج عن العامري في 2015 كان جزءًا من عملية سرية للمخابرات الداخلية الإيطالية (أيه اي اس أي) لزرعه بين عناصر جهاديه في إيطاليا والتجسّس عليهم". لكن العملية الأمنية الإيطالية فشلت وفقدت روما أثر العامري بعد الإفراج عنه بحسب الصحيفة. – وأثارت صحيفة "دي فيلت" الألمانية إخفاء المخابرات الإيطالية عمليتها السرية عن السلطات الألمانية التي انتقل العامري للعيش على أراضيها وتمكّن لاحقا من تنفيذ هجوم دام فيها. أي أنّ المخابرات الإيطالية وفي الفترة التي سبقت عمليّة الدهس الإرهابية.. لم تحذّر ألمانيا ولم تلفت انتباهها لارتباط أنيس العامري بعناصر إرهابية متطرفة.. والخطر الذي يمكن أن يشكّله ذلك على الأمن في ألمانيا.. ولقي العامري حتفه يوم 23 ديسمبر الماضي على يد شرطي ايطالي في مدينة ميلانو شمالي ايطاليا بعد نجاحه في التنقل من ألمانيا إلى هولندا ثم إلى فرنسا.. وأخيرا إيطاليا بعد تنفيذه عملية دهس لصالح تنظيم الدولة (داعش) في برلين.. – فلماذا لم تخبر المخابرات الايطالية وفي نطاق التعاون وتبادل المعلومات ضمن الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.. وخاصة التعاون الامني والاستخباراتي داخل الاتحاد الأوروبي.. نظيرتها الألمانية بالمعلومات المتوفرة لديها حول ارتباط أنيس العامري اللاجئ لديها والمقيم على أرضها بجماعات متطرفة ومخاطر قيامه بأنشطة وأعمال ارهابية؟؟!! وهل أنّ أنيس العامري هرب من ألمانيا وعبر بلدين اثنين آخرين للهروب والاختباء في إيطاليا لسبق إقامته فيها.. أم وقع استدراجه للرجوع إلى إيطاليا بمعرفة الاستخبارات الإيطالية؟؟ أم أنّ الأمن الإيطالي استطاع العثور عليه بسهولة وقتله فقط لسبق معرفته بأماكن وارتباطات العامري على أرضه؟؟ وهل أنّ جهاز المخابرات الإيطالية فشل فعلا في استقطاب وتجنيد أنيس العامري كما تزعم المصادر الإيطالية.. أم أن المخابرات الإيطالية نجحت فعلا في المحافظة على ارتباط بالعامري بطريقة أو باخرى؟؟ وهل أن تنفيذ العامري لعملية الدهس الإرهابية بألمانيا تمّت بغير علم المخابرات الإيطالية بعد أن فقدت السيطرة كليّا على أنيس العامري.. أم تمّت بمعرفتها أو بعلمها وكان لا يزال يحتفظ بعلاقات معها؟؟!! وهل أنّ هذه التسريبات الجديدة عن ارتباط المخابرات الإيطالية بعملية أمنية استخباراتية غير معروفة المعالم تدعم التأويلات والتحليلات والشكوك التي تساءلت وتحدّثت عن سبب تسرّع الأمن الإيطالي في قتل أنيس العامري عوض محاولة القبض عليه حيا.. وما إذا كان الأمن الإيطالي اضطرّ لقتل العامري فعلا أم فعل ذلك فقط لإخفاء وقبر بعض المعلومات والأسرار التي يخشى افتضاحها؟؟ وهل يمكن أن تكون عملية تصفية العامري بإيطاليا تمّت لإخفاء ارتباطه بالمخابرات الإيطالية والعمليات السابقة التي قد يكون شارك في القيام بها لفائدتها؟؟!! – ولعلّ قصة علاقة أنيس العامري بالمخابرات الإيطالية والصفقة التي تمّت في نطاق عملية استخباراتية بالإفراج عنه من السجن قبل نهاية مدته ومحاولة تجنيده لصالحها لاختراق الجماعات المتطرفة والإرهابية.. تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت المخابرات الإيطالية والأجنبية عموما.. والتي تقوم بعمليات مشابهة تكتفي فقط باستعمال العميل في جمع المعلومات لتفادي الهجمات الإرهابية والعلم بها قبل تنفيذها.. أم تتجاوزه إلى توجيه عملائها داخل الجماعات الإرهابية لتنفيذ عمليات معينة أو تحويل وجهات وأهداف عمليات أخرى مقرّرة.. وهي الفرضيّة التي سبق وأن تناولتها عدّة تقارير إعلامية وتحقيقات صحفية وكتب وتصريحات لخبراء استخباراتيين وأيضا لعملاء سابقين بأجهزة المخابرات الغربية.. والتي أكدت جميعها أن تجنيد العملاء قد يتجاوز هدف جمع المعلومات إلى محاولة توجيه تلك الجماعات فعلا.. كما وردت الكثير من الأخبار عن أن جهاز استخبارات ما قد تصله معلومة عبر عميله داخلها باستهداف بلد آخر في عملية إرهابية جديدة مبرمجة.. لكنه يمتنع عن كشف تلك المعلومات لذلك البلد لعدم كشف وفضح عميله.. مقدّما بذلك مصلحة بلده الخاصّة على مصالح البلدان الأخرى!!! – وتحيلنا قصة أنيس العامري مع المخابرات الإيطالية وما يحيط بها من غموض.. بالتأكيد إلى قصة مشابهة قد تكون ربطت بين المخابرات الفرنسية والتونسي أبو بكر الحكيم الذي اعتقله الأمن الفرنسي وأصدرت محكمة فرنسية حكما بسجنه.. ثم أطلق سراحه بطريقة مفاجئة وفي ظروف غامضة وغريبة قبل وقت طويل من انتهاء مدة سجنه.. واختفى بعدها ليقوم في وقت لاحق باغتيال شكري بلعيد ثم محمد البراهمي.. وهي عمليات الاغتيال التي هزّت تونس وتسبّبت في زلازل سياسية أثّرت على السلطة وشكل الحكم فيها.. – والأمثلة في هذا السياق عديدة وكثيرة.. ولعلّ أبرزها أبو بكر البغدادي الذي كان مسجونا لدى الأمريكيّين بالعراق لتورّطه في أعمال مقاومة ضدّ الجيش الأمريكي وقتل جنود أمريكيين.. لكن سرعان ما أطلق سراحه بعد مدّة سجن قصيرة لا تتناسب مع جرائمه في نظر الأمريكيين.. وبعدها سرعان ما صعدت أسهمه في تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الرافدين.. ليصل بطريقة مفاجئة إلى قيادة التنظيم بعد اغتيال القوات الأمريكية لأميره الزرقاوي (…).. وقد وسّع البغدادي حدود ومجال تنظيم الدولة الاسلامية في بلاد الرافدين ليشمل بالإضافة إلى العراقسوريا بعد بداية الثورة السورية وتحوّلها إلى مواجهات مسلّحة.. وينصّب البغدادي (السجين الأمريكي السابق المطلق سراحه بعد مدة قصيرة!) نفسه أميرا لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.. ويخلق جماعة إرهابية مرعبة انتشرت كالخلايا السرطانيّة في العالم.. وأصبحت حديث الدنيا تحت اسم "داعش"..!!! – وقائمة الأمثلة في المجال طويلة.. وما خفي منها أعظم بكثير من الأسماء الظاهرة والمعروفة والمعلومة..