لسوء الحظ لن يكون الأخير! انه حادِث سيْر مُريع سُجِل في المكان الواقع بين مُخفضي سرعة على مستوى النقطة الكيلومترية رقم 2 لطريق سكرة ! كان ذلك عصر يوم السبت 28 جانفي , و قد ذهب ضحيته كهلا, هو أب لابنين ترك زوجة مفجوعة و عائلة منكوبة. الفاجعة انطلاقها من وقاعها اتسمت بالغرابة ! فالسيارة التي دهست الرجل عندما كان يسير مشيا, كانت تسير في منطقة عمرانية تُحدد فيها السُرعة ب 50 كلم في الساعة و محمية بمُخفِضات سُرعة, و السؤال: هل إلى هذا الحد فُقِد الأمان في طرقاتنا؟ بالطبع لا يُمكن لهذا الحادث الأليم إلا أن يُكدّر صفو الرأي العام ويُثير فيه الأسى والحزن, و لكن لبعض الوقت و أسفاه, في انتظار حالة انفعال أخرى عند وقوع حادث سير قادم! فقد أضحت فواجع الطريق في بلادنا من الأحداث المُعتادة و المألوفة, و كأنّها من النوازل التي لا تُرد ! إذ قلّ ما تُطْلق صيحات الفزع و نادرا ما تثور الهِمم, انّه أشبه باستسلام العاجز للأمر الواقع! فمِلف حوادث الطرقات و السلامة المرورية ليس من الملفات التي تُوليها الدولة العناية اللازمة بالقدر ذاته وسائل إعلامنا بأنواعها لا تثير هكذا قضايا إلا فيما ندر ! و أيضا المجتمع المدني الحقوقي و الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات, فاهتمام الأول يكاد يكون مفقودا أما الثاني فنشاطه شبه موسمي. و لا شك أنّ لهذه المعضلة خطُورة بالغة لأنها أولا تتعلق بالأساس بانتهاك حقين ثمينين عند الإنسان و هما الحق في الحياة و الحق في الصحة ثم ثانيا لانعكاساته السلبية الجمّة على المجموعة الوطنية فكلما ارتفعت حوادث الطريق ارتفع عدد الضحايا و ازدادت الخسائر المادية و هو ما يثقل عبء دافعي الضرائب ثم ثالثا لما تحتله بلادنا من مرتبة لا تُحسد عليها في عدد الحوادث و هو لعمري مؤشر على تراجع جودة الحياة. فٓسلُوكنا المروري الذي شعاره "ذراعك يا علاف" حوّل شوارعنا و طرقاتنا إلى فوضى عارمة فالعلاقة بين مستعملي الطريق أصبح يحكمها قانون الغاب تحت شعار "حوت ياكل حوت و قليل الجهد يموت"! و قليلو الجهد يصِحُ نعتهم بفئات الطريق الهشة: طفل – مُترجل – راكب دراجة هوائية – من هُو حريص على احترام قوانين الطريق… و صفاقس زيادة على أنّها تشترك بقوة في أعراض الفوضى المرورية مع المُدن التونسية فهي " تتفوق " بما هو أدهى و أمٓرْ إذ تُصنف طُرقاتها من أخطر الفضاءات المُرورية فحوادث المرور الواقعة في صفاقس مُميتة بدرجة كبيرة و تُخلّف الجرحى بصفة عالية وما أرقام المرصد الوطني لسلامة المرور التابع لوزارة الداخلية إلا دليل على ذلك : ففي سنة2016 سُجّل 481 حادث بصفاقس كانت نتيجتها 126 قتيلا أي ما نسبته 26٪ وفي سنة 2015 سُجل 530 حادث خلّف 117 قتيلا أي ما نسبته 22٪ !! و بمقارنة مع ولاية تونس- الأعلى حوادث – نسبة القتلى 9 ٪ سنة 2016 (131 قتيل في 1428 حادث) و سنة 2015 (131 قتيل في 1517 حادث ) نسبة القتلى 8 ٪ و بمقارنة مع ولاية بن عروس تكون نسبة القتلى سنة 2016 ال 9 ٪ و سنة 2015 ال10 ٪ و بالنسبة لمعدلات الجرحى لوحظ نفس الارتفاع عند مقارنة صفاقس بالولايتين الأخريين. و لمواجهة هذا النسق المريع للقتل و الجرح و الوصول إلى كبحه علينا بجُهد جماعي مُضاعف و ما السبيل إلى ذلك سوى التربية المرورية المتواصلة و الحزم في تطبيق قانون الطرقات و القيام بالحملات التحسيسية ونشر الثقافة المرورية عند النشء و تطوير أحكام مجلة الطرقات و لعل الأمر الحكومي الأخير بفرض حزام الأمان داخل مواطن العمران من قبيل الإجراءات الايجابية و لو أن البعض عدّه من قبيل الإتاوة الجديدة التي تفرضها الدولة! فخطر الطريق على حياة المواطن و صحته صار واقعا مؤلما نحياه يوميا, فلماذا لا تُنيرنا – مثلا – الدوائر الحكومية بصفة دورية بأرقام خسائره البشرية, لعلنا نعي و نتذكر! و لماذا لا تبادر وسائل إعلامنا المرئية بعرض عدادا على شاشاتها يُسجّل تطور عدد الضحايا! و لماذا لا تُذيعه وسائل الإعلام المسموعة بإعلانات على مدار الساعة. هذه الأرقام بلغت سنة 2016 المئات من الموتى (1446 ) و الآلاف من الجرحى (11034) وهي لعمري أرقام مفزعة و مخيفة ! فهل من انكباب على هذه المعضلة على المستوى الوطني و إعطائها الاهتمام اللازم أيضا على المستوى الجهوي و البحث في أسباب " تقدم " صفاقس المؤسف في عدد قتلى و جرحى الطريق و من ثمة العمل على معالجتها !