معركتي مع مصنع السياب لم تعد معركة ضد التلوث، فجسمي قد تعود على رسكلة سمومها و قلبي تعود النبض بدم ملوث وانفي لم يعد يفرق بين رائحة العطر ورائحة مداخنها وعقلي قد استوعب اني في صفاقس لن أجاوز سن الستين و السرطان لن يعد يهتم كثيرا بهتك جسم مهتوك منذ عقود. معركتي مع السياب هي معركة كرامة: معركة ضد انتهاك رجولتنا والدوس على كرامتنا، مدينتنا في نظرهم مجرد مصب للنفايات و سكانها مجرد " برباشة" مزابل. منذ نشاة الكون وصفاقس تطل على البحر لكن منذ ستون عاما والبحر ملكا لهذا المصنع لا يحق لغيرهم الاقتراب منه فالبحر لم يعد بحرنا فنحن تحت الاحتلال ولا نستطيع تحرير مدينتي واسترجاع ما لنا. كلما مررت امام السياب ينتابني احتقار لذاتي فارضي مغتصبة و انا راض بالغزاة لم تعد لي رجولة ابي و اجدادي حين قاوموا المستعمر وانتصروا عليه واطردوه، ما بي ارضى بالذل و المهانة ؟ صحيح انهم انتصروا علينا لا بسموم مداخنهم واحتلال ارضنا فقط فهم استعملوا سلاحا جديدا لم يستعمله المستعمر في الماضي، انه سلاح فتاك يقضي على نفسية المقاوم ويحبط عزيمته، سلاحهم الجديد هو الحرب النفسية فهم في يقنعوك ان السياب مفيدة للصحة ثم يقنعوك انها ستغلق وكل سنة يصدر الرئيس او الحكومة قرار في الغلق واخيرا يقنعوك انها ستغلق لكنها ستبقى لما كل هذا الجبن اليست فينا ذرة كرامة؟