التسريب القنبلة الجديد لنبيل القروي.. والارتدادات التي أحدثها.. أولا ما يمكن ملاحظته هو أن هذا التسريب ليس أول ولا آخر تسريب يستهدف شخصيات وأطراف سياسية في تونس.. بما يخول لنا إمكانية ومشروعية الحديث عن ظاهرة قائمة بذاتها في الحرب السياسية التي أصبحت تعيشها البلاد منذ 14 جانفي 2011 من أجل الوصول إلى الحكم والسيطرة عليه أومن أجل حماية المصالح والنفوذ لبعض الأطراف التي مثلت الثورة تهديدا حقيقيا لها ولمصالحها. نحن لا زلنا نذكر تلك التسريبات والتسجيلات التي استهدفت رموزا من حركة النهضة في فترة حكم الترويكا و" المجلس التأسيسي" وأشهرها تسريب" الشرطة والجيش موش مضمونين" وتسريب تسليم السلطة بين " السبسي والجبالي" وتسريب المكالمة الهاتفية بين " البشير بن حسن وراشد الغنوشي" .. وقد أحدثت تلك التسريبات ارتجاجا حينها في الأوساط السياسية وأسالت الكثير من الحبر وكان لها تأثير كبير فيما بعد على الانتخابات وعلى الواقع السياسي في تلك الفترة… ويبدو أن من يقفون وراء هذه الممارسة الجديدة في الإطاحة بالخصوم السياسيين ونعني هنا أسلوب "التنصت والتسريبات" الذي يعد في الأصل أسلوبا " تجسسيا ومخابراتيا" وجد استحسانا من تلك الأطراف التي استخدمته لما أظهره من فاعلية ونتائج باهرة وفورية .. ورغم أن هذه الظاهرة خفت حدتها وانحسر مدها لفترة ما إثر ظهور لاعب سياسي جديد على الساحة السياسية تمكن من تحقيق الفوز بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإن بأغلبية طفيفة إثر انتخابات 2014 إلا أن الخلافات والانقسامات التي عصفت بذلك الحزب أعادت هذا الأسلوب للواجهة من جديد وإن بأكثر قوة في الفترة الأخيرة .. لكن الجديد في الأمر أن الأطراف المستهدفة بهذه التسريبات قد تغيرت.. فبعد أن كانت التسريبات موجهة كلها في اتجاه حركة النهضة أصبحت موجهة في اتجاه البقية الباقية من أعضاء الحزب الحاكم " نداء تونس" وقياداته .. وخاصة " مديره التنفيذي" ؟ إلى أن ظهر التسريب الأخير لباعث قناة نسمة " نيبل القروي" العضو المؤسس السابق أو ربما الرأس المدبر لتأسيس حركة نداء تونس .. الذي جاء موجها نحو منظمة أنا يقظ التي قامت بنشر تحقيق حول تمويلات قناة نسمة وتعاملاتها المالية والإخلالات الكثيرة والشبهات العديدة التي تحوم حولها.. هذا التسريب كشف مدى التعفن الأخلاقي الذي تردت إليه الممارسة السياسية والإعلامية في تونس وبشكل غير مسبوق.. مما أثار اشمئزازا كبيرا وتقززا لدى كل المتابعين وعند الرأي العام برمته وحرك كل الأطراف التي لها علاقة بالموضوع على المستوى القانوني والسياسي والإعلامي لاتخاذ إجراءات حاسمة وغير مسبوقة تجاه الشخص المستهدف من التسريب ونحو مؤسسته الإعلامية.. كان يمكن اعتبار هذا الأمر انجازا عظيما يحسب للقائمين عليه في إطار محاربة الفساد في البلاد وإيفاء من حكومة الوحدة الوطنية بتعهداتها (خاصة وأن المبرر الأساسي لتشكيلها كان محاربة الفساد) لولا وجود بعض نقاط الاستفهام الكثيرة التي تجعل الأمر يبدو وكأنه يقع من زاوية تصفية الحسابات السياسية وربما حتى الشخصية فقط وليس في إطار تمشي سياسي واضح ومبدئي في إطار مقاومة كل أشكال الفساد والتحريض والعبث بالسلم الاجتماعي والأمن القومي للبلاد؟ ولكن كيف ذلك؟ الجميع يعرف أن المشهد الإعلامي في تونس يعاني من الكثير من الهنات.. وخاصة الإعلام الخاص على غرار العديد من القطاعات الأخرى.. كما أن الجميع أصبح متأكدامن أن هذا الإعلام موجه ويعمل حسب أجندات معينة لفائدة أطراف همها الوحيد حماية مصالحها ومصالح الأطراف المرتبطة بها وأنها تتمتع بتمويلات مشبوهة ولها علاقات وارتباطات بجهات مشبوهة أيضا.. السؤال هنا هو لم لا تتحرك الدولة ومؤسساتها .. إلا عندما تصبح أسهم هذه التسريبات موجهة نحو الحزب الحاكم ومسؤوليه وحكومته؟ لم يتم التغاضي عن هذه الأطراف عندما تكون أسهمها موجهة إلى صدور الآخرين؟ ولم يتم تواصل التغاضي عن أطراف كثيرة أخرى تقوم بنفس الدور ونفس الممارسات إلى غاية اليوم لكن في اتجاه خصوم الحزب الحاكم ومنافسيه فقط؟ أليست هذه هي نفس قناة نسمة التي حرضت على قلب الطاولة على الجميع إثر اغتيال " بلعيد والبراهمي" .. أليست هي نفس القناة التي استهدفت العديد من رموز الترويكا والأحزاب والشخصيات الوطنية التي كانت تعارض عودة رموز النظام السابق للحكم؟ أليست هي نفس القناة التي عرضت أفلاما مثيرة للجدل ومهيجة للمشاعر الدينية علها تدخل البلد في متاهات لا تحمد عقبها للركوب على الحدث إشعال فتنة في البلد؟ اليوم فقط تم اكتشاف ما يقوم به صاحب هذه القناة وتم تسريب هذا التسجيل الذي يدينه؟ الأكيد أن من تعامل مع القروي سابقا واستفاد من خدماته وخدمات قناته يعرف أسلوبه جيدا.. فلم لم يتحرك إلا اليوم لتصفية الحساب معه؟ ثم هل سنرى تعاملا بالمثل مع كل من يمارسون نفس هذه الممارسات بغض النظر عن وجود تسريبات من عدمها أم أن الأمر سيقف حد القروي ونسمة؟ إن كان الأمر سيسير في اتجاه الضرب وبكل حزم مع الفساد ومعاملة الجميع بالمثل فإننا لن نقدر إلا أن نساند وندعم ونرفع القبعة إكبارا وإجلالا لهذه الخطوة الجريئة والوطنية التي ستجعلنا نطمئن أننا بدأنا بوضع القدم الأولى على السكة الصحيحة في ضرب الفساد ومنظومته في البلاد وتحقيق أول وأهم مطالب الثورة.. إما إن كانت مجرد تصفية حسابات وشد أذن من أجل إعادة الجميع إلى بيت الطاعة.. فأن ذلك ما سيفتح الباب على تحول الساحة السياسية في البلد إلى مجال مفتوح على كل الاحتمالات في اتجاه تصفية الحسابات والفعل ورد الفعل بما يهدد السفينة بالغرق ..