الكلمة المفتاح التي قيلت في خضمّ تجاذبات المشهد السياسي التونسي , تلك التي جاءت على لسان الأستاذ نور الدين البحيري وزير العدل مؤخرا ومفادُها : من يعوّل على أن تتسحّر النهضة بالسلفيين فهو واهم وإذا كان السيد البحيري يشير حتما إلى التّعاطي الأمني مع الظاهرة السلفية برمّتها على شاكلة ما كان يتعاطى به نظام المخلوع معها ومع غيرها من التيارات السياسية , وهو ما تُجمع كل مكوّنات الطيف السياسي على رفضه , فإنّ ما لم يقلْه صراحة هو موقع وموقف الدولة صاحبة الشرعية الوحيدة في استعمال العنف وتراخيها عن القيام بدورها كما ظهر ذلك جليّا في واقعة السفارة الأمريكية وغيرها , وما سبّبته للبلاد من سقوط مدوٍّ في سمعتها وانعكاسات اقتصادية ومالية مدمّرة قد تتطلّب عدّة سنوات لتجاوز آثارها على اقتصاد وطني مرتبك بفعل الواقع قبل الإرادة بالدوائر الاقتصادية والمالية العالمية ما لم يقله السيد البحيري ولم يجد له إجابة هو : ما العمل أمام طرف يريد أن يتعشّى بِكَ قبل أن تتسحّر به ؟ وما الموقف إن اتّضح أنّ مائدة العشاء والسّحور واحدة يأكل منها من حضر من أفراد العائلة ؟ ما رَشَحَ من أخبار تتحدّث عن تهدئة وجبر خواطر بين النهضة والتيارات السلفية بعد فاجعة دوّار هيشر يؤكد مبدئيا أن المائدة هي فعلا مائدة واحدة حتّى وإنْ استأثر أحدُ أفراد العائلة ب”الجيڤو والكْتِفْ” وترك للباقين القفص الصدري , لأنّ التوزيع العادل للوليمة مؤجل إلى حين وأدعوكم بالمناسبة للتأمّل معي في اتفاقية “المسْلان” هذه التي تذكّرني باتفاقية سايكس بيكو التي صاغها كبار العالم بعد الحرب الكوْنية الأولى وقسّموا خلالها كعكة المعمورة على بعضهم البعض على قاعدة محاربة الشيوعية والاستغلال المشترك للثروات الطبيعية وخاصة النفط ومقاومة كل حركات التحرر الوطني بالأمس صعد على ركح الأحداث شخصيّتان اتفقتا في الرواية وأجمعتا على الهدف , الأولى هو زعيم حزب التحرير السلفي رضا بلحاج حين أرجع ما حدث في دوّار هيشر بالرغبة في استفزاز السلفيين عن طريق ثالوث يجمع سياسيين وهو نداء تونس والبعض من الإعلام وطبعا التجمعيون الفاسدون الذين يضمّون فيما يضمّون أمنيّون في داخلية العريّض , والشخصية الثانية هو نصر الدين العمدوني صاحب الكفن الشهير الذي دعا “عزرائيل” مباشرة وهو وزير الداخلية إلى قبْض روحه إِسْوة بما فعله حسب رأيه مع أخويه “الشهيديْن” في أحداث “الدوّار” صاحب الكفن قال في مقطع فيديو ما قاله المخلوع “غلطوني” والقناة التلفزية التي بثّت كلامه على المباشر استدرجته ليقول ما يقول ويزبد ويرعد , وهو ما يؤكد أن القناة تقف وراءها أحزاب سياسية (ومن تكنْ غير نداء تونس؟) لها أهدافها وبرامجها ولأنّ نداء تونس والتجمعيين الذين يضمّهم –وهم بالضرورة فاسدون على عكس البقية- والإعلام هم ثالوث الدابّة السوداء لحركة النهضة , فلا غرابة أن يكون السلفيون و”مجالس حماية الثورة” على نفس موجة إرسال “الأب” الرّاعي لهما ومنطق الأشياء والأحداث يقول بعد هذا أنْ ليس بإمْكان حزب نداء تونس التّعويل على الأمن الذاتي لحماية مقرّاته ومناضليه الذي لوّح به تهديدا بعد مقتل لطفي نقض في تطاوين , لأنّ جميع “البانْدية والخلايق” إمّا أنّهم أطالوا لحيّيهم من باب الحصانة العقابية التي توفّرها لهم اللّحية واللّباس الأفغاني وحكومة البحيري , وتسرّبوا في أجهزة وهيئات من يرى فيهم الضّامنَ لزجز الخصوم وترهيب المنافسين من نهضة وسلفيين و”مجالس حماية ثورة” , أوْ أنّهم يعملون بالمناولة “بالقطْعة أوْ فورفيتار” لدى وريث تجمّعهم المنحل , دون حاجة للحْيةٍ وصلاةٍ كاذبة في المساجد أوْ ابتعادٍ عن المنكرات , شعارُهم في ذلك “الله ينصر من صْبَح” . والوريث الشرعي في كلّ هذا صاحب الأموال الضّخمة “بالقْفُفْ والفاليجات” من الدّاخل والخارج لن يكون غير النهضة وشُعَبِها الدستورية المسمّاة “مجالس حماية الثورة” وبعد كل هذا الذي يحصل ويُقال , يجد زعيم النهضة من الكلمات والمفردات ما يحمل المرءَ على ضرب رأسه في “حيط” حين يدعو إلى الكفّ عن شيْطنة بعضنا البعض …