أذكر أنه منذ الصغر وقعت تغذيتنا بالعداوة و الكره الدفينين لكل كافر و أشربت في نفوسنا البغضاء لجميع الكفرة بالله و رسوله ، و كثيرا ما كنت أسمع و أنا طفل صغير " الحجر على من كفر " و هي لعمري تربية فاسدة تقطع بين الفرد و الإنسانية جمعاء و رب العزة براء من هذه التربية المشينة و أعلنها صراحة أنه لم يدع لذلك أبدا و بذلك ليس لأحد من المسلمين المؤمنين بالله و رسله و كتبه أن يعلن الحرب و الكراهية لمن كان كافرا فذلك ليس من شأنه بل الواجب عليه أن يعامله المعاملة الحسنة وان يكرمه إذا لم يقاتله قتال عداوة في دينه و لم يخرجه من داره . قال الله تعالى في سورة الممتحنة الآية 8 : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم و تقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " و أعظم من ذلك إن شئت فإن الله عز و جل يدعونا إلى إعانة الكفرة المحتاجين و الملهوفين و أن لا نتردد في إعانتهم فقد جاء في شرح قوله تعالى : " و ما تنفقوا من خير فلأنفسكم و ما تنفقون إلا إبتغاء وجهه الله و ما تنفقوا من خير يوف إليكم و أنتم لا تظلمون " البقرة 272 . و ذلك في كتاب التحرير و التنوير المجلد الثاني لإبن عاشور ما يلي : " أي إنما تكون متفعة الصدقات لأنفسكم إلا إبتغاء وجه الله لا للرياء و لا لمراعاة حال مسلم و كافر . . . و قد أخذ من الآيات الأخيرة على أحد التفسيرين جواز الصدقة على الكفار و المراد الكفار الذين يختلطون بالمسلمين غير مؤذين لهم و هم أهل العهد و أهل الذمة و الجيران . و إتفق فقهاء اللإسلام على جواز إعطاء صدقة التطوع للكافرين و حكمة ذلك أن الصدقة من إغاثة الملهوف و الكافر من عباد الله و نحن قد أمرنا بالإحسان إلى الحيوان ففي الحديث الصحيح : قالوا يا رسول الله و إن لنا في البهائم لأجرا . فقال : " في كل ذي كبد رطبة أجر " و قد أجاز أبو حنيفة إعطاء صدقة الفطر إلى الكافر . ألا ترون معي بعد هذا أن الكفرة الحقيقيين هم الذين يجحدون سماحة الله و دينه الذي لم يكن مقصده إلا بث الرحمة في العالمين .