عندما أصدرت مقالا نقديا حول المكتبة الرقمية يوم 15 نوفمبر 2016 في موقع الصحفيين التونسيينبصفاقس كنت أتخيل أن الكنيسة ستتحول إلى مكتبة رقمية استثنائية على الصعيد العالمي عالية الكثافة التكنولوجية، يفاجئك داخلها منجز تقني مستحدث في كل متر مربع، لكن باطلاعي لاحقا على العرض التقديمي لهذه المكتبة الرقمية الموجود بقنال هيئة احتفالية صفاقس عاصمة الثقافة لسنة 2016 على موقع اليوتوب ازدت قناعة على قناعة بعبثية المشروع، و زدت تأكدا من أن المشروع مجعول لتبديد العام لما اطلعت لاحقا على إعلان طلب العروض لانجاز هذه التفاهة المسماة مكتبة رقمية بتاريخ 2 ماي 2016 و ما كان فيه أي قسط يدل على أن المبني سيتحول لمكتبة رقمية. أي ملاحظ سينتابه شك قوي فيما وراء هذه المكتبة الرقمية التي أصبحت كائنا شبه ميتافيزيقي رغم أنها فكرة حمقاء بأتم معنى الكلمة اقترحها مكتب دراسات أجنبي على رئاسة الهيئة الأولى لاحتفالية صفاقس عاصمة الثقافة العربية لسنة 2016 أو ربما هي اقترحتها عليه في سياق تكليفه بمقابل نصف مليار مليم لانجاز تصور حول برنامج الاحتفالية. انتهت الهيئة الأولى و عوضتها الهيئة الثانية فتبنت الفكرة و أظهرت حماسا شديدا من أجل انجازها رغم أن المشروع تافه إذ هو لا مكتبة و لا به رقميات و لا هم يحزنون. انتهت الاحتفالية على وقع فشل رهيب لم تعرف مدينة صفاقس له مثيلا، و كان منتظرا أن تتخلى عنه وزارة الثقافة لعدم جدواه، و تعلن وزارة التجهيز بطلانه لتكاليفه الفلكية، و تتحفظ وزارة المالية حول المشروع برمته فهي المسؤولة عن المليارات الثمانية عشر مليار المخصصة له و التي ستنسف في مشروع قيمته الحقيقية 200 دينار قيمة هاتف ذكي. أين الرقميات في المكتبة الرقمية ؟ كل مرة تصورنا أثناءها أن المشروع انتهى لغير رجعة إلا و تكتب له الحياة من جديد كأنه طائر العنقاء عند العرب، و الخل عند اليهود و الرخ عند الفرس و الفينكس عند اللاتين. هو طائر خرافي عملاق يعمر طويلا، لما ينفق يشتعل جسده، و من رماده يولد طائر جديد. أحمد ابن أبي الضياف (1804-1874) المؤرخ التونسي الشهير صاحب كتاب إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس و عهد الأمان كان لما يتحدث عن تلاشي اكبر جزء من القروض التي استلفتها البلاد في عهد محمد الصادق باي (1859-1882) بين أيدي السماسرة الأجانب و المحلين يقول: " طارت بها العنقاء". و في حالتنا واهم من يتصور أن هناك عنقاء يمكن أن تطير به نحو الأبعاد. سنحسبن قيمة كل قطعة آجر، و كل لوح ،و كل متر من الأسلاك، وكل كرسي… و سيتبين عندها حساب الحقل و حساب البيدر. علي بوعزيز مؤرخ، مدير موقع ابن خلدون للدراسات الإنسانية و الاجتماعية https://sites.google.com/site/ibnkhaldun21