من أنا ؟ أنا في بطاقة التعريف مواطنة تونسيّة ، و مطلّقة في دفتر الحالة المدنيّة ، و حاضنة لإبن يزاول تعليمه في المرحلة الإبتدائيّة ، أمّا عن وضعيّتي الإجتماعيّة فأنا خرّيجة جامعيّة ، أعاني لسنوات من البطالة القسريّة ، تناسيت أو أكاد ما تعلّمته في مدارج الكلّية ، بحكم غرقي في شؤون الحياة اليوميّة ، أقيم حاليّا بمنزل أبويّ ، و لكم أن تتصوّروا هذه العودة بعد أن جرّبت الإستقلاليّة . أمّا من الزاوية المظهريّة ، فأنيقة رشيقة واثقة متوازنة الشخصيّة ، و لكنّني في أعماقي أعيش تمزّقا وإرتباكا و إفراطا في الحساسيّة ، لذلك كثيرا ما تعتريني إضطرابات سلوكيّة ، و حالات إكتئابيّة ، و إحساسا باللاّ معنى أو بعدم الأهميّة ، بما يجعلني متوتّرة و إنفعاليّة ، منكسرة الخاطر و مزاجيّة ، أحيانا هادئة و أخرى عصبيّة ، الوحدة تنخرني و تكاد تقضي عليّ ، أسعى إلى الظهور بمظهر المكابرة الأبيّة ،و لكنّني في أعماقي كثيرا ما أشعر بالدونيّة ، و ممّا زادني تمزّقا و حرقة نظرات الآخرين إليّ .. أنا في عيون المتزوّجات خاطفة رجال حضوري يستدعي حراسة أمنيّة ، و في عيون الشباب سهلة المنال و المقاصد دائما جنسيّة ، و في عيون العجائز عديمة الصبر سيّئة الحظّ لسانها سبب الأذيّة … هكذا أنا منذ طلاقي أعيش معاناة يوميّة ، و هذه أسرتي تبالغ في الرأفة و المتابعة الحينيّة ، وكأنّني طفلة في كفالة وليّ أو وليّة ، أمّا الإخوة فقد بالغوا في التضييق عليّ ، كلّ مغادرة للمنزل تستدعي إعلاما أو رخصة أبويّة … أمّا إبني فهو عالمي وأملي و معنى حياتي و كلّ ما لديّ ، أسعى جهد طاقتي لتعويضه عن حنان أب تفنّنت في منعه عن رؤيته منذ كان صبيّا ، رغم ما لديه من وثائق قانونيّة و حقوق شرعيّة ، مع ذلك يعتريني شعور بأنّني مقصّرة في حقّه رغم كلّ مجهوداتي و مساعيّ ، و إبن الطلاق فعلا " كارثة تربويّة "، و تظلّ مخاوف الفشل تطاردني لو جرّبت ثانية الحياة الزوجيّة . هذا بعض من تشخيص لوضعيّة أعتبرها مأسويّة ، عمّقت جراحها عقليّة إجتماعيّة ، هي أقرب إلى الجاهليّة منها إلى المدنيّة ، عقليّة لا ترى في المطلّقة إلاّ وضعيّة إستثنائيّة ، وكأنّ الزواج هو الذي يمنح المرأة الإحترام و القيمة الإعتباريّة ، و بعد كلّ هذا هل أنا مجرّد ضحيّة ؟ أعلنها بكلّ تلقائيّة ، أنّني أتحمّل قسطا هامّا من المسؤوليّة ، مسؤوليّة خراب عشّ الزوجيّة ، فلو كان طليقي سكّيرا أو مقامرا أو زير نساء لهان الأمر عليّ ، و لكنّه فقط كان عصبيّ المزاج كلّما مرّ بضائقة ماليّة ، و هذه أهمّ نقاط ضعف الرجل حسب تجاربي الشخصيّة . يا إلهي كيف تناسيت ما في سلوكه من نقاط إيجابيّة ؟ كيف تناسيت تلك الأيّام الحلوة الورديّة ، و كلماته العذبة السحريّة ، التي تفيض حنانا و ينابيع وجدانيّة ، كم كنت أنانيّة ؟ لم أسع إلى فهمه و تفهّم أزمته الظرفيّة ، و ميكانيزمات السوق الذئبيّة ،لم أفكّر إلاّ في ما تقوله صويحباتي عليّ ، كنت أتصوّر أنّ الزواج جنّة آدميّة ، و الزوج" وزارة الترفيه و الماليّة" ، و أمّه عقبة أمام سعادتي الزوجيّة ، لم أفهم أنّ الزوجة مطالبة بتقدير الطفل الساكن في أعماق الزوج الباطنيّة ، أكثرت من التشكّي و من الوقفات الإحتجاجيّة ، و صرت أواجه إنفعالاته بكلّ عصبيّة ، كنت معه جدّ عناديّة ، أرفض للرفض و كأنّني خرّيجة المدرسة اليسراويّة ، و كنت سلطة اللّسان كتلك النائبة البرلمانيّة ، و بدأ مسلسل الشتائم و العبارات الإستفزازيّة ، و النتيجة قضيّة طلاق في المحكمة الإبتدائيّة ، و صديقاتي وهنّ سبب البليّة ، كنّ أوّل من شمت بيّ ، فكان أن حوّلن قصّتي إلى موضوع مسامرات ليليّة … لاحظوا كم كنت غبيّة ، و كم أسأت فهم معنى الحريّة ، و فصول مجلّة الأحوال الشخصيّة ، غبيّة حين إستنجدت بأسرتي و بصديقاتي لحلّ مشاكلي الخاصّة و العائليّة ، و كدت أجعل من قضيّتي قضيّة دوليّة … سامح الله محاميّا أجّل و إستأنف و عقّب و كأنّ الغرامة و النفقة هي لبّ القضيّة ، سامح الله مجتمعا بكلّ هذه السلبيّة ، إذ لم ألاحظ محاولات صلحيّة جدّية ، و كأنّه يشجّع على الطلاق ثمّ يدين المطلّقة بكلّ أريحيّة .