ليس غرضنا الحديث عن السماسرة و الوسطاء الذين يتحكّمون في الأسواق و يلهبون الأسعار ، و لا عن سماسرة المعينات المنزليّة و الملاعب الرياضيّة و الهجرة غير الشرعيّة و ما يكتنفها من مخاطر و أضرار ،و لا حتّى عن" المستكرشين " الجدد وأباطرة التهريب و الإحتكار ، و إنّما غرضنا إبراز وضعيّة المواطن الباحث عن منزل للكراء بأخفّ الأضرار … فإذا أردت البحث عن منزل للكراء و الإيجار ، فهناك بالمقهى يجلس حضرة السمسار ، يترشّف قهوة و يداعب سيجارته بكلّ صلف و عجرفة وإستكبار ، و هو غنيّ عن التعريف لا يحتاج إلى مكتب أو إلى إشهار ، و فوق هذا فهو عرّيف بكلّ ما يحدث بالحارة من زواج أو طلاق أو شجار ، ولا يفوته أمر القريب أو الغريب أو الجار ، أفطس الأنف أحول العينين إن نظر يمينا فأعلم أنّه ينظر إلى اليسار ، و إن نظر يسارا فأعلم أنّه يرى الديك بحجم حمار ، و نصيحتي ألاّ تركّز على عينيه حتّى لا يأخذك الدوّار ، البطن منه بارزة لا يوقف زحفها أقفال أو أزرار ، و لا تدقّق النظر في أسنانه فأسنانه حادّة كالمنشار ، و لا حتّى في شواربه فشواربه الغجريّة متعدّدة الأدوار ، و أذناه منتصبتان هكذا كجهاز رادار ، و أمّا طوله فلا يزيد عن المتر و ثلاثة أشبار ، ركّز فقط على حديثه فحديثه حديث ثرثار غريب الأطوار ، ينتقل بك مسرعا من السياسة إلى الرياضة إلى غلاء الأسعار ، و لا يفوته تذكيرك بما بلغه الدينار من إنحدار ، و ما يعانيه الوطن من تأزّم يوشك على الإنفجار ، و ما يشهده قطاع الكراء من أزمة بادية للأنظار ، وبأنّ أسعار الكراء تضاعفت دون سابق إشعار ، و أنّه يبذل ما في وسعه لإنقاذ حرفائه من وضعيّة اللاّ إستقرار ، و أنّ ما يبذله مدعاة للإعتزاز و الإفتخار … وما أن تسأله عن حاجتك حتّى يبدأ بالتلكّؤ و الإستنفار ، حينها عليك أن تطلب له قهوة و شيشة و تكرمه بما إستطعت من الدينار ، حتّى تزول تكشيرته و يسيل لعابه و يعدّل الأوتار ، و بعد أن يداعب النرجليّة و ينفخ دخانها في وجهك دون إعتذار ، يقترح عليك عروضه و ما عليك إلاّ التفكير و الإختيار ، و لا يفوته تذكيرك بمعارفه و بما لديه من سلطة و إقتدار ، و أنّ النّاس إئتمنوه على أملاكهم و سلّموه مفتاح كلّ عقّار، إلاّ أنّه لا يكتري إلاّ للعائلات التي لا يزيد عدد أفرادها على الأربعة أنفار ، و شرطه ألاّ يكون لديها أطفال صغار ، كما أنّه يتجنّب إكتراء المنازل للعزّاب لأنّهم مصدركلّ الأخطار ، و أمّا طلاّب العلم فلا قيمة لهم عنده و لا منزلة أو إعتبار ، و التعامل معهم لا يكون إلاّ إستثناء أو على جهة الإضطرار، و الأولويّة عنده للأجانب و للغرباء عن الديار ، و قد أعدّ لهم شققا مفروشة و كلّ ليلة بمقدار ، و هو من وراء كلّ ذلك لا يتعامل إلاّ مع الطيّبين أمثالك من الأخيار ، لذلك يقترح عليك منزلا لائقا و هو متأكّد من طيبة الأجوار ، كلّ المرافق موجودة به و حذوه ينتصب عطّار و خضّار و جزّار، و شرطه المحافظة على العقّار و الإلتزام بدفع المعلوم الشهري دون تأخير أو طول إنتظار ، و دون التغافل عن خلاص فواتير الماء و الكهرباء و الهاتف القار ، و ما عليك الآن إلاّ أن تستأجر له تاكسي للمعاينة و الإختبار ، و تدفع له مسبقا معلوم التنقّل و الأتعاب و الأكدار ، هذا فضلا عن نسبة معلومة من قيمة الكراء و الإيجار… و بعد المعاينة تكتشف أنّ المحلّ متواضع لا يستحقّ كلّ ذلك الإبهار ، و أنّ منزلا متواضعا في حيّ شعبي معلوم إيجاره أربعمائة دينار دون نقاش أو حوار، و أنّ صاحبنا ضاعف المعلوم حتّى تتضخّم حصّته من المكتري و من صاحب الدّار ، و أنّ الملاّك بدوره إنتهز الفرصة ليدقّ في نعش المستضعفين آخر مسمار ، و أنّ أمثال هؤلاء كثّر غزوا كلّ القطاعات فتناسلوا و تكاثروا كجراد غزا المزارع و الأشجار ، فعمّقوا معاناة المواطن دون سلطة تردع أو مقاومة تصدّ و ها هي بإختصار : علينا بالمواجهة و اليقظة و الإستنفار ، فمثل هؤلاء حشرة طفيليّة تنهش لحمنا تمتصّ دماءنا و لا تبحث بعدها عن الأعذار…